عدد سكان لواء إسكندرون
لواء الإسكندرون
لواء الإسكندرون أو إسكندرونة هو صقعٌ من أصقاع بلاد الشام، أقيم على أنقاض مدينة ميرياندروس الفنيقيّة عام ثلاثمئةٍ وثلاثٍ وثلاثين قبل الميلاد على يد أحد قادة الاسكندر المقدوني واسمه (أنتيغون)، وينطبق على صقع الإسكندرون اسم لواء أو سنجق المرادف لاسم محافظة في التقسيمات السوريّة الحاليّة.
كان هذا اللواء موطناً لقبائل المردة والجراجمة، إضافةً لكونه ثغراً من ثغور الشام على الحدود الشماليّةِ الغربيّة من البلاد في فترتي الخلافةِ الأمويّةِ والعباسيّة، أثناء مواجهتهم للروم البيزنطيين.
موقع لواء الإسكندرون
يقع لواء الإسكندرون في أقصى الزاوية الغربيّةِ الشماليّة من الجمهوريّةِ العربيّة السوريّة بحدودها السياسيّة قبل اقتطاعه من قبل الدولةِ التركيّة عام ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعٍ وثلاثين للميلاد.
يحد اللواء من الغرب البحر الأبيض المتوسّط، والمتمثل بخليجي السويديّة والإسكندرونة، وإلى الشمال منه تقع تركيّا، وإلى الشرق والجنوب الشرقي تقع محافظتي إدلب وحلب، وإلى الجنوب مدينة اللاذقيّة.
يأتي اللواء على شكلٍ متطاول، وتبلغ مساحته حوالي (4804,9) كم2، بحيث يمتدّ من الشمال باتجاه الجنوب مسافة مئة واثنين وعشرين كيلومتراً، ويبلغ أقصى قدر للعرض حوالي ثلاثٍ وثمانين كيلومتراً والواقع بين باب الهوى في الجهةِ الشرقيّة، ورأس الخنزير في الجهة الغربيّة.
يتميز الموقع الذي يشغله اللواء بأهميّةٍ استراتيجيّةٍ وتجاريّةٍ كبرى، حيث إنّه يعتبر البوابة الطبيعيّة لسوريا للزوار القادمين من أوروبا وآسيا، ويعتبر ممرّاً تلتقي عنده كافّة الطرق الواصلة بين تركيّا والبحر المتوسط، والداخل السوري، ومن أهمّ هذه الطرق الطريق التاريخي الشهير (طريق الحرير) وطرق حلب الإسكندرون، واللاذقيّة الإسكندرون، ومن هذه الطرق يصل إلى كُلك بوغاز (ممر كليكيّة) المخترق لسلسلة جبال طوروس.
اقتطاع لواء الإسكندرون
كان لواء الإسكندرون تابعاً للدولة السوريّة حتى بدايات العقد الثالث من القرن المنصرم، حيث عمّت المظاهرات والإضرابات أرجاء سوريا احتجاجاً على الانتداب الفرنسي استمرّت لمدّة أربعين يوماً، حيث طالب المتظاهرون خلال تلك الفترة بإعلان الاستقلال وإنهاء الانتداب الواقع على أراضيهم، وأذعن الانتداب لهذا المطلب الشعبي وتمّ عقد معاهدةٍ مع الحكومة السوريّة في في التاسع من أيلول من عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستٍ وثلاثين، ونصّت تلك المعاهدة على ضمان حريّة واستقلال سوريا، إضافةً لدخول الأخيرة في عصبة الأمم.
بعد تلك المعاهدة رفضت تركيا بقاء لواء الإسكندرون ضمن حدود الدولةِ السوريّة، وطالبت بتحويل اللواء إلى منطقةٍ مستقلّة لضمان حق الأتراك فيه شأنه شأن دولتي سوريا ولبنان، إضافةً إلى إقامة إتحادٍ فيدرالي بين تلك الدول الثلاث.
رفض الانتداب الفرنسي هذا المطلب التركي، مستندةً إلى صكّ الإنتداب الذي يمنع الدولة المنتدبة من التنازل عن أيَ رقعةٍ من أراضي الدولة المنتدبة عليها دون الحصول على موافقة عصبة الأمم المتحدة، وتركت فرنسا لتركيّا حقّ رفع هذه القضيّة لعصبة الأمم المتّحدة للنظر في تقرير مصير لواء الإسكندرون إبّان استقلال سوريا.
رفعت الحكومة التركيّة القضيّة إلى الأمم المتحدة، نافيةً أن يكون لها أيّ مطامع سياسيّة لفرض سيطرتها على اللواء، ومدعيةّ أنّ الأتراك داخل اللواء مضطهدين من قبل السلطات المحليّة، بعد تلك الإدعاءات تمّ اقتراح إرسال مراقبين دوليين إلى اللواء لمراقبة الأوضاع فيه عن كثب، وبرغم المعارضة التركيّة لهذا الاقتراح إلّا أنه تمّت الموافقة عليه.
بعد مراقبة الأوضاع في اللواء، عادت اللجنة إلى جنيف حاملةً العديد من الانطباعات من ضمنها أنّ الأتراك في اللواء لا يشكلّون الأكثريّة مقارنةً بعدد السكّان هناك، وأنّ نسبةً كبيرة من هؤلاء السكّان ومن ضمنهم الأتراك تعارض ضمّ اللواء إلى الدولة التركيّة، والأتراك هناك يعيشون كباقي السكّان وهم غير مضطهدين كما ادّعت الدولة التركيّة.
في أثناء وجود المراقبين هناك، تمّ عقد معاهداتٍ ثنائيّة بين تركيا وفرنسا، نتج عنها التوصل إلى قرار تحويل اللواء إلى منطقة مستقلّة ذاتيّاً وذلك ضمن نطاق الوحدةِ السوريّة، على أن يتمّ تجريد المنطقة من السلاح، وعلى هذا الأساس أقرّ مجلس عصبة الأمم هذا القرار في يوم التاسع والعشرين من أيّار عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعٍ وثلاثين، على أن يتم التنفيذ في يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني من نفس العام.
اعتبرت تركيا هذا القرار نصراً لها، وفي الفترة التي تلت التنفيذ حدث تواطؤ بين الحكومة الفرنسيّة والتركيّة، وذلك من خلال تنفيذ الأحكام العرفيّة على عرب اللواء لإرغامهم على التسجيل ضمن القائمة التركيّة أو التخلّي عنها، وامتلأت السجون بالمعتقلين العرب في تلك الفترة، وقد وقع اتفاق بين الحكومتين التركيّة والفرنسيّة لإدخال ألفين وخمسمئةٍ من الجنود الأتراك إلى اللواء للمشاركة في حفظ الأمن هناك إلى جانب القوّات الفرنسيّة.
في الثامن عشر من تموز عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانٍ وثلاثين، تمّ تشكيل لجنة مشتركة عليا للإشراف على الانتخابات هناك، حيث قامت تلك اللجنة بإعادة النظر في الجداول الإنتخابيّة المنظّمة من قبل عصبة الأمم، وقامت بإلغاء ما يقارب من ألفين وثمانين قيداً لناخبين عرب، وتم الاستعاضة عنهم بتسعمئةٍ وسبعٍ وأربعين ناخباً من القائمة التركيّة، وسمحت بتصويت نحو خمسمئة ناخب لصالح القائمة التركيّة.
من هنا تتضح المؤامرة بتتريك لواء الإسكندرون، من خلال تبني الليرة التركيّة كعملةٍ رسميّة هناك، إضافةً لإلغاء التعليم وكافة المعاملات باللغةِ العربيّة، وتحويل العطلة ليوم الأحد عوضاً عن يوم الجمعة.
بعد أن خيم شبح الحرب العالميّة الثانية المنطقة، استغلّت تركيّا الوضع القائم في الدول الأوروبيّة، وحاجة الحلفاء لانضمامها إليهم أو البقاء على الحياد في فترة الحرب؛ لأنّها كانت الدولة المسيطرة على المضائق في تلك الفترة.
رفضت تركيا المشاركة في أيّ اتفاق مع الحكومة الفرنسيّة إن لم توافق الأخيرة على ضمّ لواء الإسكندرون إلى الأراضي التركيّة، ومن هنا بدأت المحادثات بين الحكومتين التركيّة والفرنسيّة بشأن هذا الأمر، وانتهت بتوقيع اتفاقيّة إلحاق لواء الإسكندرون إلى الأراضي التركيّة في يوم الثالث والعشرين من حزيران عام ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعٍ وثلاثين، ليتحوّل إلى الولاية رقم ثلاثٍ وستين التركيّة.
عدد سكّان اللواء والتنوّع السكّاني فيه
بدأ الاستيطان البشري للواء الإسكندرون منذ العصر الحجري، ومنه بدأ الإعمار واستمرّ في العصور التالية، وسبب الاستيطان المبكّر للمنطقة وإعمارها هو الأوضاع الطبيعيّة الملائمة، والأهميّة العظيمة لموقع هذا اللواء الجغرافيّ الاستراتيجيّ.
غالبيّة سكّان لواء الإسكندرون هم من العرب، إضافةً للأتراك والشركس والأكراد، وقلّةٌ أرمنيّة، وتسبّبت الأوضاع السياسيّة المتعاقبة في تغيير النسب خاصّةً بعد اقتطاعه، ولا زالت الغالبيّة العظمى للسكّان في اللواء وخاصّةً في المناطق الريفيّة، هاجر من العرب بعد اقتطاع اللواء أربعة آلاف نسمةٍ من أصل مئةٍ وثمانين ألف نسمة، حيث كان العرب يشكّلون نسبة خمسٍ وستين بالمئة من مجمل السكّان عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعٍ وثلاثين، وكان مجموع السكّان في ذلك الوقت (297080) نسمة من العرب، والأتراك، والأكراد، والشركس، والأرمن، وبعد تاريخ الاقتطاع أخذت نسبة السكّان الأتراك تتزايد، وقد أطلق على اللواء بعد الاقتطاع اسم (هاتاي).
وفق إحصاءات تمّ إجراؤها عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعٍ وتسعين للميلاد، بلغ فيه عدد سكّان اللواء حوالي ثمانمئةٍ وتسعين ألف نسمةٍ موزّعين في مئتين وخمسٍ وسبعين بلدةً وقرية، وتبلغ الكثافة السكّانيّة فيه حوالي مئةً وسبعين نسمة لكل كيلومتر مربّع، وتزيد تلك الكثافة في السهول الساحليّة والمدن وتلال القصير والغور الجنوبي، وتقلّ الكثافة في الجبال والمرتفعات.