الصلاة في مسجد قباء
فضل المدينة المنورة
يصطفي الله -تعالى- من الملائكة ومن الناس رسلاً، وكما يصطفي من الناس، فإنّه يصطفي من الأماكن، فيجعل لها الشأن العظيم، ويقصدها بالزيارة الأولياء من خلقه تعبداً له، ومن تلك الأماكن التي اصطفاها الله تعالى؛ مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد شرّفها الله -تعالى- على بقاع الدنيا، وقد وقع الخلاف بين العلماء على الأفضلية بين مكة والمدينة، وتتعدّد أسماء المدينة ما بين المدينة، وطيبة، وطابة، ويسنّ قصد المسجد النبوي للزيارة، والسفر إليه للصلاة، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا)،[1] فيسنّ لمن يدخل المسجد النبوي أن يقوم بما يقوم به عندما يدخل المسجد؛ فيدعو الدعاء الخاص بدخول المسجد، ويصلّي ركعتين تحية المسجد، إن لم تكن صلاة الفرض مُقامةً، حيث إنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد؛ إلّا المسجد الحرام، ويسنّ لمن زار المسجد النبوي أن يقصد قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقبر صاحبيه: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، فيقف باتجاه القبر، ويسلّم على الرسول، قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)، ثمّ يسلّم على صاحبيه وينصرف، ويجب عليه ألّا يرفع صوته في المسجد عامةً، وعند القبر خاصةً، متّبعاً في ذلك قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)،[2] ومن السنن كذلك لمن زار المدينة أن يزور مسجد قباء، ويصلّي فيه ركعتين، فقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الصلاة فيه يعدل أجرها بعمرةٍ، ولا فرق في ذلك بين إن كانت الصلاة فرضاً أم نفلاً.[3]
مسجد قباء
يعتبر مسجد قباء أول مسجدٍ بني في الإسلام، حيث وصل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى قباء، وبدأ بتأسيسه، فوضع أول حجرٍ في قبلته، ثمّ جاء كلّ من أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، فوضع كلّ منهما حجراً، وبدأ الناس بعد ذلك بالبناء، وكان عملهم في ذلك بالجدّ والاجتهاد، دون كللٍ أو مللٍ؛ كخليّة النحل، حتى تمّ المسجد الذي كان أساسه التقوى، وقد مدح الله -تعالى- القائمين على بناء مسجد قباء، وأثنى عليهم في كتابة المتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة، حيث قال الله تعالى: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ)،[4] وقد خصّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مسجد قباء بما لم يخصّ به غيره من المساجد؛ فكان يقصده بالزيارة كلّ يوم سبتٍ، حتى صارت تلك عادة أهل المدينة، ويقع المسجد في جنوب غربي المدينة، وله من البعد عن المسجد النبوي ما يقارب الخمسة كيلو متراتٍ، وفيه بئرٌ يُنسب إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وقد بُني مسجد قباء على الأرض التي استقرت فيها ناقة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عند وصوله إلى المدينة، قادماً من مكة.[5]
فضل الصلاة في مسجد قباء
يُضاعف الأجر في الصلاة في ثلاثة مساجدٍ فقط، وهي التي وردت فيها الأدلة والنصوص، أمّا ما عدا تلك المساجد الثلاث، فلا يوجد على ذلك أيّ دليلٍ، وما ورد من الدليل على مضاعفة الأجر في تلك المساجد الثلاثة، ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الصلاةُ في المسجدِ الحرامِ بمئةِ ألفِ صلاةٍ، والصلاةُ في مسجدي بألفِ صلاةٍ، والصلاةُ في بيتِ المقدسِ بخمسِمِئةِ صلاةٍ)،[6] والدليل الوارد في أجر الصلاة في مسجد قباءٍ، هو ما ورد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من تطهَّر في بيتِه، ثم أتى مسجدَ قُباءٍ، فصلَّى فيه صلاةً؛ كان له كأجْرِ عُمرةٍ)،[7] وقد ورد عن الصحابة ما يدلّ على حرصهم على الصلاة في مسجد قباء، كما أنّ الأجور المضاعفة لا تغني عن صلاة النوافل؛ بل يصلّي فيه المسلم الفرض والسنن، كغيره من المساجد.[8]
آداب زيارة المسجد
إنّ لزيارة المسجد آدابٌ ذكرها العلماء، حيث استمدّوها من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وتشمل تلك الآداب الأوامر والنواهي والمستحبات، التي يفعها المؤمن عند دخوله المسجد، وهي كثيرةٌ جداً، وفيما يأتي بيانٌ لبعضها:[9]
- يستحبّ لبس الثياب الحسنة، واستعمال السواك عند دخول المسجد؛ ودليل ذلك قول الله تعالى: (يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ)،[10] ويدخل في ذلك؛ النهي عن الذهاب إلى المسجد بثياب النوم، أو ملابس العمل.
- النهي عن الذهاب إلى المسجد بعد أكل الثوم أو البصل؛ وذلك لورود النهي عنهما، وقد جاء النهي عنهما ليس لذاتهما، فهما ليس محرّمين، وإنّما لرائحتهما.
- استحباب المشي إلى المساجد؛ فبذلك يرفع الله الدرجات، ويمحو الخطايا.
- استحباب التبكير إلى المساجد، والمشي إليها بسكينةٍ وخشوعٍ.
- الحرص على الأذكار، عند الخروج من المنزل متوجهاً إلى المسجد؛ فيقول: (اللهمَّ، اجعلْ في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعلْ في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعلْ من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهمَّ أَعطِني نوراً)،[11] وعند دخوله المسجد.
- يستحبّ أن يتابع المؤذن؛ فيقول كما يقول المؤذن في كلّ لفظةٍ، إلّا عند وصول المؤذن إلى قول: (حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح)، فيقول المسلم: (لا حول ولا قوّة إلّا بالله)، ويدعو الدعاء بعد الانتهاء من الأذان.
- يستحبّ الإكثار من ذكر الله -تعالى- في المسجد؛ من التكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والإكثار من قراءة القرآن.
- صلاة ركعتين عند دخول المسجد.
- النهي عن البيع والشراء داخل المسجد، ويدخل في ذلك كلّ ما يُلهي الناس عن ذكر الله تعالى.
- النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان؛ إلّا لضرورةٍ.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1995، صحيح.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 2.
- ↑ أحمد الزومان (13-7-2009)، "زيارة المدينة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 108.
- ↑ أحمد الخاني (13-5-2013)، "مسجد قباء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 10-4، حسن.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترغيب، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 1181، صحيح.
- ↑ "فضل زيارة مسجد قباء والصلاة فيه"، fatwa.islamweb.net، 6-2-2006، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2018. بتصرّف.
- ↑ أمين الشقاوي (23-10-2016)، "من آداب المساجد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 31.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 763، صحيح.