-

تقرير عن الحسن بن الهيثم

تقرير عن الحسن بن الهيثم
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

دور العلم في تقدّم الحضارات

كان من أوّل التوجيهات القرآنيّة للحضارة المسلمة على سبيل المثال التوجيه للقراءة؛ حيث قال الله جلّ جلاله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)،[1] وقال الله جل جلاله في مَوضعٍ آخر: (‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).[2] إنّ الذي يدرس مجمل آيات القرآن وتوجيهاته، ويدرس حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلَّم، ويتابع التاريخ والقصص، ويحلّل الواقع تحليلاً منطقياً، يُدرك تماماً أنّ العلم رأس أي نهضة ولأيّ أمّة، فلا يُمكِن لأمّة أن تنهض بغير العلم، فالإسلامُ كما يعتبره البعض كان ثورةً علميّة بكل المقاييس، حتّى أنّه سمّى المرحلة التي سبقته بالجاهليّة، وهي ضد العلم.[3]

الحسن بن الهيثم

هو أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، اسمٌ اشتُهِرَ في تاريخ العلم والفلسفة، فلهذا العالم المسلم فضلٌ كبيرٌ في تطوُّر العديد من العلوم؛ كالرياضيات، والفيزياء، والفلك، والهندسة، واشتهر على وجه التحديد بتأسيسه لعلم البصريات وطب العيون؛ حيثُ ألّف كتاباً اسمه المناظر، والذي يتكون من عدّة مُجلّدات.[4]

حياة ابن الهيثم

وُلِدَ الحسن بن الهيثم في البصرة عام 965م في عهد الخلافة العباسية، وكانت تلك الفترة كما أوردنا سابقاً هي الفترة الذهبية في العصور الإسلامية التي اشتهر فيها العلماء والفلاسفة من مُختلَف بقاع الدولة الإسلامية؛ حيثُ قاموا بإسهاماتٍ كبيرةٍ في مجال العلوم.[4] كانت بواعث ابن الهيثم على الإنجاز تتلخّص في حبّه لإفادة غيره من الناس، فكان يبذل أقصى جهده وقوّته في سبيل أن يستفيد من ذلك مؤثّرٌ للعلم في حياته أو بَعد مماته كما كان يقول، وكان من بواعثه أيضاً ترويض نفسه في ما يُتقنه فِكره وعَقلُه، كما أنّه كان يُعدّ العُدّة لزمان الشيخوخة وأوان الهَرم، فيحفظ بذلك عَقلَه وفِكرَه، وكان رحمه الله شديد الذكاء، ولا يُشبِهُه أحدٌ في زمانه.[4]

إنجازات ابن الهيثم

لقد كان للحسن بن الهيثم العديد من الإنجازات في مجالات مختلفة، وعلى رأسها الفيزياء، وعلم البصريات على وجه التحديد؛ فهو أوّل من أثبت أنّ الضوء ينعكس من جميع النقاط في الأجسام إلى العين بعكس ما كان شائعاً في تلك الفترة بأنّ العين هي التي تُطلِق الأشعة فترى الأجسام، ويرجع إليه ابتكار الكاميرا التي أسماها بالبيت المُظلِم، بالإضافة إلى كونه أوّل من شرّح العين وبيّن أعضاءها ووظائفها.[4] كانت لهذا العالِم إسهامات كبيرة في علم الفلك، فبين أنّ القمر يعكس ضوء الشمس من جميع النقاط على سطحه، ووضع بحوثاً قيّمةً في مسألة تكبير العدسات، وبرهن أنّ الشعاع الضوئي ينتشر في خطّ مستقيم إذا مرّ في وسطٍ مُتجانس.[4]

كما كان له فضولٌ كبير تجاه إماطة اللّثام عن العلوم والمفاهيم المُختلِفَة وأسرار الطبيعة، وهذا الفضول في أصله يرجع إلى حبّه للعلم، فهو يعتقد أنّ العلم في ذاته غايةً لا وسيلة للكسب، فكان في نهجه العلميّ سالكاً إليه طرق التجرّد بمعزلٍ عن العقائد والمفاهيم الموروثة، كما كان لابن الهيثم العديد من المؤلفات في الرياضيات، والفيزياء، والميكانيكا، والهندسة، والطّب، كان منها: (كتاب المختصر في علم هندسة إقليدس، وكتاب الجامع في أصول الحساب، وكتاب عن العالم والسماء، وكتاب رسالة في العين والإبصار وغيرها الكثير).[5]

المنهج العلمي في حياة ابن الهيثم

كانت السّمة الرئيسيّة في المنهج العلمي عند ابن الهيثم أنّه كان يتحرّى إثبات الحقيقة ولم يكُن مهتمّاً بإثبات الشائع من الآراء، وهذا ما جعل كتابه المِنظار زاخراً بكلّ ما هو مفيد، كان يرفض المسلّمات الموروثة غير المُثبَتَة؛ إذ كانت كلّها بالنسبة له نظريّات فيها الشّك والجَدل، كما أنّه كان يعتمد في منهجه العلمي منهجيّة الاستقراء والتي تقوم على ابتكار القانون العام من مجموعة وقائع خاصّة تُعمَّم على ما يشابهها في جوهرها.[4]

ولم يقتصر المنهج العلمي عند ابن الهيثم على التوصيف والاستقراء، إنّما تجاوزت هذه المنهجيّات إلى منهجيّات التجريب باستخدام أجهزة وآلات مبتكرة، وكان قد استفاد من بطليموس في اختراعاته وطوّرها وحسّن من تصاميمها، والذي ساعد ابن الهيثم في ابتكار هذه المنهجيّات والعمل فيها بشكلٍ متميّز هو أنّه عالمٌ في الحساب والفلسفة وعلوم الطبيعة، فَعِلْم الحساب جعل تفكيره منظّماً، وعلم الفلسفة جعله ينظر إلى الأمور ويتخيّلها بعُمق، وجعله ينظّم ويبوّب أبحاثه عند إجرائه التجارب بامتياز.[4]

ميدان العلوم في العصر العباسي

انتشرت في العصر العبّاسي حركة كبيرة للترجمة من كلّ الثقافات والحضارات المجاورة، فكان من اهتمام الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور بالتقدّم العلمي ترجمته للكتب الفارسية واليونانيّة وخاصّة الكتب المتعلّقة بعلوم الطّب، أمّا الخليفة العبّاسي هارون الرّشيد فأنشأ في بغداد دار الحكمة، فكانت بمثابة أكاديميّة علميّة للمعلّمين والمتعلّمين، وزوّدها بالكتب المُترجمَة من آسيا الصّغرى والقسطنطينية، أضاف لذلك كلّه الخليفة المأمون؛ إذ إنّه قد أرسل وفوداً من المترجمين إلى القسطنطينية لينقلوا كلّ أنواع المعارف للعربيّة، وبذلك يُعتبر العصر العبّاسي عصراً مليئاً بالتقدّم والازدهار.[6]

ولم تقتصر حركة الترجمة على ما جاورها من الثقافات، بل امتدّت حركة الترجمة إلى بلاد الهند؛ إذ إنّ الفتوحات الإسلامية كانت قد دخلت الهند في عهد الوليد بن عبد الملك (69-89 هـ)، واستؤنفت في عهد أبي جعفر المنصور (136-158هـ)، وكانت بلاد الهند تشتهرُ بعلوم الحساب والفلك والطّب، وتُرجِمَ عن هذه البلاد الكثير من الكتب كان من أهمّها: (كتاب السيرك، وكتاب سسرد، وكتاب أسماء عقاقير الهند، وكتاب استنكر الجامع).[7]

المراجع

  1. ↑ سورة العلق، آية: 1.
  2. ↑ سورة المجادلة، آية: 11.
  3. ↑ د.راغب السرجاني (2007)، العلم وبناء الأمم (الطبعة الأولى)، مصر: مؤسسة اقرأ، صفحة 4-9. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ مروان القدومي (2002)، "دور ابن الهيثم في البحث العلمي"، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، العدد 1، المجلد 16، صفحة 3-11. بتصرّف.
  5. ↑ "بعض مؤلفات ابن الهيثم"، www.alifta.net، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2017. بتصرّف.
  6. ↑ محمد حساين، قدور ملوك (2013)، دور حركة الترجمة والنقل في الحياة العلمية إبان العصر العباسي الأول (الطبعة الأولى)، الجزائر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، صفحة 5. بتصرّف.
  7. ↑ محمد حساين، قدور الملوك (2013)، دور حركة الترجمة والنقل في الحياة العلمية إبان العصر العباسي الأول (الطبعة الأولى)، الجزائر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، صفحة 7-8. بتصرّف.