حكم طواف الوداع
شعيرة الحجّ
الحجّ رحلةٌ إيمانيةٌ مهيبةٌ، ومؤتمرٌ روحاني حاشدٌ، حيث يجتمع فيه المسلمون من كلّ بقاع الأرض، يعلوهم نداء التلبية بالوحدانية، وأذانهم يوم الحجّ الأكبر كما أمرهم ربّهم -سبحانه وتعالى- أنّ الله بريء من المشركين ورسوله؛ فهنيئاً لحجاج بيت الله الحرام شرف المكان وشرف الزّمان وشرف الأعمال، إذ إنّ كلّ نسكٍ من مناسك الحجّ، له في وجدان المسلمين ذكرياتٌ يقفوا في رحابها كثيراً، فينهلوا من عبرها وعظاتها؛ فالطواف حول الكعبة المشرفة تجديد لربط هذه القلوب بربّ هذا البيت، فهو سبحانه الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، إنّه طواف أرواحٍ مؤمنةٍ حول معانٍ كريمة، لا طواف أجسادٍ مجرّدةٍ حول حجارةٍ أو بناء أصمٍّ؛ ففي الطواف حول البيت الحرام تجديد للعهد على إفراد الله -عزّ وجلّ- بالعبودية، قال تعالى حكايةً عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)،[1]، والحجّ عبادةٌ لها أحكامها وأركانها وواجباتها التي تناولها العلماء بالبحث، ومن تلك الأعمال التي يقوم بها الحجاج طواف الوداع؛ فما حكمه، وما هي المسائل الفقهية المتعلّقة به؟
أحكام طواف الوداع في الحج
حكم طواف الوداع عند العلماء تتعلّق به مسائل عدّةٌ، وهي على النحو الآتي:[2]
- عدّ جمهور الفقهاء من السادة الحنفية والشافعية والحنابلة طواف الوداع من الواجبات على الحاجّ، وعليه الإتيان به على وجهه المشروع، ويسمّى طواف الصدر، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أمرَ الناسَ أن يكونَ آخِرَ عَهْدِهِم بالبيتِ، إلا أنَّهُ خُفِّفَ عن الحائِضِ).[3]
- إذا ترك الحاجّ طواف الوداع كان مقصّراً، ولزمه أن يذبح شاة على نية الفدية، بحيث توزع على فقراء الحرم؛ استناداً لأمر النبي -عليه السلام- بذلك، والأصل في الأمر الشرعي أنّه يفيد الوجوب.
- ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الحاجّ إذا خرج من مكة ولم يصل بعد حدود الميقات، وكان قد ترك طواف الوداع فإنّه يجب عليه الرجوع للطواف بالبيت، وإن تجاوزه فإنّه يخيّر بين إراقة الدم أوالرجوع بإحرامٍ جديدٍ بنية العمرة؛ فيدخل البيت مبتدئاً بطواف العمرة ثمّ بطواف الوداع، ولا يلزمه حينها شيء لتأخيره، وإن كان إراقة الدم أولى تيسيراً عليه، ونفعا لفقراء الحرم.
- من شروط طواف الوداع أن يكون آخر عهد الحاجّ بالبيت الحرام، أمّا من طاف طواف الوداع ثمّ تأخر في مغادرته لمكة، ولم يخرج منها؛ فللعلماء في حاله تفصيل:
- لا يجب طواف الوداع على المرأة الحائض ولا على النفساء؛ لما ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من التّخفيف عنها، وذهب أهل العلم إلى أنّ العاجز والمريض يطافُ بهما حملاً؛ رفعاً للحرج عنهما، والتزاماً بالواجب.[5]
- إن كان تأخّره لحاجةٍ كأن تقام الصلاة فيصلي، أو لعذرٍ لها علاقةٌ بتجهيز نفسه للسفر، كترتيب أمتعته وشدّ رحاله، أوانتظارٍ للركوبة، أو تحضير مؤونة السّفر والزاد؛ فهذا لا بأس عليه في التأخير، حتى لو طال زمن تأخره.
- أما إن كان تأخره بغير مبررٍ أو حاجةٍ، ولا عذر له يتعلّق بسفره، فهذا يجب في حقّه إعادة طواف الوداع من جديدٍ، وإن لم يفعل لزمه أن يجبره بذبح شاةٍ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا ينفرِنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهدِه بالبيتِ)،[4] وخلاصة الأمر أن لا يقع تقصير من الحاج في تأخير طواف الوداع.
طواف الوداع لغير الحاجّ
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ طواف الوداع عبادةٌ مستقلّةٌ بذاتها، لا ترتبط بحجٍّ أو عمرةٍ، بل هي شرعةٌ لكلّ من أراد الخروج من مكّة المكرمة، لكنّ جماهير الفقهاء أوجبوها على الحاجّ ورتّبوا على تركها تبعاتٍ سبق ذكرها، أمّا على المعتمر ومن سواه فهي مشروعةٌ استحباباً لا وجوباً، ويشترط لصحة طواف الوداع للمعتمر وغيره ما يشترط له بحقّ الحاجّ، والعلماء بين من أسقط هذا الاستحباب عن أهل مكة ومن لم يسقطه؛ فالأمر في حقّهم فيه متّسعٌ .[6][7]
أركان الحجّ وواجباته وسننه
الحجّ عند جمهور الفقهاء عبادةٌ مخصوصة المناسك، ولها أركانٌ وواجباتٌ ، وسننٌ، وتفصيلها على النحو الآتي:[8]
- أركان الحجّ: اشترط جمهور الفقهاء أداء الأركان بالترتيب، وقيمة هذه الأركان في نسك الحجّ؛ أنّه لا يصحّ الحجّ بدونها، ولا تُجبر بدمٍ أو كفّارةٍ أو إطعامٍ، بل لا بدّ من أداء الحاجّ لها، وهي: الإحرام، ويقصد به انعقاد القلب بنيّة الدخول في نُسك الحجّ، ثمّ الوقوف على صعيد عرفات، ثمّ طواف الإفاضة سبعة أشواط، ثمّ يتبع ذلك السعي سبعة أشواطٍ بين الصفا والمروة.
- واجبات الحجّ: وهي الأعمال والمناسك التي يصحّ الحجّ بترك شيءٍ منها، وينجبِر ما تُركَ منها بدمٍ، وهي: الإحرام من الميقات المكاني المُحدّد شرعاً حسب الوجهة القادم منها الحاجّ، واستمرار الوقوف بصعيد عرفة إلى غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجّة، والمبيت بمزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجّة بعد النفرة من عرفات، مع التنبيه على الترخيص بترك المبيت للضعفاء ومن يشقّ عليهم ذلك، ثمّ المبيت بمِنى ليالي أيام التشريق، وعدم ترك المبيت لغير عذرٍ، ورمي الجمرة الكبرى، ثمّ الجمرات الثلاث في أيام التشريق، والحلق أو التقصير، وآخرها طواف الوداع حول البيت سبعة أشواط.
- سنن الحجّ: هي كلّ الأعمال التي صحّ عن النبي -عليه السلام- فعلها على وجه التنسّك بالحجّ من غير الأركان والواجبات؛ فهي من سنن ومستحبات الحجّ، مثل: لبس إزار ورداء أبيضين، وغُسل الإحرام، وطواف القدوم، وتقبيل الحجر الأسود، والمبيت يوم التروية -الثامن من ذي الحجّة- بمِنى قبل الصعود إلى عرفة، وغيرها.
المراجع
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 37.
- ↑ لجنة الإفتاء (16-3-2010)، "لم نغادر مكة بعد طواف الوداع فما الحكم؟"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1755 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1327 ، صحيح.
- ↑ محمد المنجد (25-1-2003)، "حكم طواف الوداع للعاجز والحائض"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ↑ مركز الفتوى (2-6-2015)، "قدر المكث المسموح به بعد طواف الوداع"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ↑ مركز الفتوى (14-11-2016)، "الخروج من مكة بدون طواف وداع، الحكم والواجب"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.
- ↑ "أركان الحج وواجباته وسننه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-4-2018. بتصرّف.