-

حكم صوم يوم السبت

حكم صوم يوم السبت
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

صيام يوم السبت

يترَدّدُ الحديث كثيراً بين الناس عن صيام يوم السبت، ويدورُ التساؤل حول حُكم صيام هذا اليوم، وإفراده بالصِيام دون سائر الأيام، والحالات التي لا إشكال فيها عند الفقهاء حول صيامه منفرداً، والحالات الأخرى التي اختلف الفقهاء فيها على حكم إفراده بالصِيام فيها، وفيما يأتي بيانٌ لحكم إفراد يوم السبت بالصيام، وتوضيحٌ لأقوال الفقهاء في الحالات التي يكون عليها صوم هذا اليوم، وبيان حكم كلّ حالةٍ منها بالتفصيل.

الصيام

تعريف الصيام

  • الصيام لغة: الصيام في اللغة من الجذر اللغوي صوم، فالصَّاد والواو والميم أصل دالٌّ على الإمساك والركود في المكان، ومنه الصوم عن الكلام، أي الإمساك عنه والتزام الصمت، كما جاء في قول الله تعالى: (فَإِمَّا تَرَينَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)،[1] ويقال: صامَتِ الرِّيح إذا خفتت وركدت، ومنه سميت العبادة بالصَّوم؛ لأنَّها إمساكٌ عن المطعومات والمشروبات وسائر المفطرات التي حدّدها الله تعالى.[2]
  • الصيام اصطلاحاً: يتقاطع معنى الصيام في الاصطلاح الشرعي مع معناه في اللغة، فيُعرّف الفقهاء الصيام بأنَّه الإمساك والامتناع عن الطّعام والشراب وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.[3]

حكمة تشريع الصيام

شَرَع الله تعالى الصيام وكلَّف به عباده لغاياتٍ جليلةٍ ومعانٍ وحِكمٍ عظيمةٍ يُخلِّفها في نفس الصَّائم، ومن هذه المعاني والحِكم:[4]

  • إن الصوم سبيل لتذكُّر المُسلم النِّعم وشكر الله تعالى عليها؛ فحين يَمتنع الإنسان عن النِّعم التي اعتاد عليها من طعامٍ وشرابٍ ونحوهما زمناً يشعر بأهميّةِ هذه النعم وقدرها أكثر؛ لأنَّ النعم وقدرها قد يجهله من اعتاد عليها؛ فإن فقدت عرف قدرها وعظمتها، فيؤدّي بذلك حقَّها من الحمد والشُّكر.
  • إنَّ الصوم سبيلٌ لتحقيق تقوى الله في نفس المسلم، فالصائم التزاماً لأمر الله تعالى وطَلباً لمرضاته وخوفاً من عقابه يَمتنع عمَّا أحلَّ الله من طعامٍ وشرابٍ وتنقاد نفسه لذلك، فيكون انقيادُها للامتناع عن الحرام أولى.
  • إنَّ الصوم وسيلةٌ لتعزيز شعور الرّحمة والعطف في نفس المسلم اتجاه المساكين، وكذلك الإحساس بالفُقراء ومعاناتهم، فيشعر بشعورهم ويتحمّل ما يتحمّلون، فيرق لحالهم ويدفعه ذلك للإحسان إليهم.

حكم صوم يوم السبت

إنَّ لصيام يوم السبت أحوالاً يختلف حكم الصِّيام فيها تبعاً لذلك، كما أنَّ العلماء مختلفون في تفصيل حكمه، وهذه الحالات على النَّحو الآتي:[5]

  • الحالة الأولى: إنّ صيام السبت لأداء فرضٍ كصيام رمضان، أو قضائه أو صيام كفَّارة أو نذر، فهذا جائز بلا شك باتّفاق الفقهاء.
  • الحالة الثانية: أن يُوافق صيام يوم السَّبت أحد الأيّام المسنونة والمستحب صيامها، كيوم عرفة، أو الأيام البيض، أو شوال، أو عاشوراء، أو أيام التسع من ذي الحجة؛ ففي هذه الحالة لا إشكال في صيام السبت بل يستحبُّ؛ وذلك لعموم الأدلّة الواردة في فضلِ صيام هذه الأيام المذكورة دون استثناء يوم السبت أو غَيره من الأيام.
  • الحالة الثالثة: أن يصوم المُسلم يوم الجمعة ويتبعه بالسبت، فلا بأس بصيام السبت في هذه الحالة، وقد وردت عن النَّبي عليه الصلاة والسلام أحاديث تشير إلى أنّ من يصوم الجُمعة عليه أن يصوم اليوم الذي قبله أو اليوم الذي بعده أي السبت، مما يدلّ على جواز الصيام يوم السبت، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: لا يصومَنَّ أحدُكم يومَ الجمُعةِ إلا يومًا قبلَه أو بعدَه)،[6] وكذلك ما روته جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل عليها يومَ الجمُعةِ، وهي صائمةٌ، فقال: أصُمتِ أمسِ؟ قالتْ: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدًا؟ قالتْ: لا، قال: فأفطِري).[7]
  • الحالة الرابعة: أن يصادف صيام يوم السَّبت عادةً من عادات المسلم كمن اعتاد أن يفطر يوماً ويصوم يوماً، وهو صيام نبي الله داود عليه السلام، كما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام في ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (بلغ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أني أصوم أسرُدُ، وأصلِّي الليلَ، فإما أرسل إليَّ وإما لقِيتُه، فقال: "ألم أُخبَرْ أنك تصومُ ولا تفطرُ، وتصلي الليلَ؟ فلا تفعلْ، فإنَّ لعَينِك حظًّا، ولنفسِك حظًّا، ولأهلِك حظًّا، فصُمْ وأَفطِرْ، وصلِّ ونَمْ، وصُمْ من كلِّ عشرةِ أيامٍ يومًا، ولك أجرُ تسعةٍ" قال: إني أجدُني أقوى من ذلك، يا نبيَّ اللهِ! قال: فصُمْ صيامَ داودَ عليه السلامُ، قال: وكيف كان داودُ يصومُ يا نبيَّ اللهِ! قال: كان يصومُ يومًا ويفطر يومًا)،[8] وقد يصادف يوم الصيام السبت دون أن يكون ثمَّة صيام قبله أو بعده، مما يدلّ على جواز صوم يوم السبت منفرداً، فلو لم يجز لما وجَّه النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام الصحابي لصيام نبي الله داود عليه السَّلام أو لاستثنى يوم السبت منه.
  • الحالة الخامسة: أن يُخص المسلم يوم السبت بصومه تطوّعاً مطلقاً؛ أي دون موافقته لأمرٍ مستحب صومه كالأمور التي ذكرت في الحالة الثانية، ودون أن يكون صيامه عادةً عند المسلم كما في الحالة الرابعة، بل يصوم السبت منفرداً تطوعاً، وقد روي عن الصماء بنت بسر المازنيَّة أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (لا تصوموا يومَ السبتِ، إلا فيما افتُرِضَ عليكم، فإن لم يَجِدْ أحدُكم إلا لِحَاءَ عنبةٍ أو عودَ شجرةٍ فلْيَمْضُغْهُ)،[9] والعلماء بين مصحِّحٍ للحديث ومضعِّفٍ له، فمن صحَّح الحديث وأخذ به، قال بكراهة إفراد يوم السبت بالصِّيام إلا صيام يومٍ قبله أو يوم بعده، ومن حكم بضعف الحديث من العلماء، ذهب إلى القول بعدم كراهة إفراد يوم السبت بالصِيام.

بعض العلماء قالوا إنَّ علَّة النَّهي عن إفراد يوم السبت بالصوم هي مخالفة اليهود الذين يمتنعون عن الطعام والشراب وغيرهما يوم السبت؛ تعظيماً لهذا اليوم، فإن صام المسلم هذا اليوم غير قاصدٍ تعظيمه كما يفعل اليهود، فلا كراهة في ذلك.[5]

المراجع

  1. ↑ سورة مريم، آية: 26
  2. ↑ ابن فارس (1979)، مقاييس اللغة، دمشق: دار الفكر، صفحة 323، جزء 3، بتصرّف.
  3. ↑ سعيد القحطاني (2010)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، الرياض: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 6-7، بتصرّف.
  4. ↑ مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 8-9، جزء 28، بتصرّف.
  5. ^ أ ب خالد عبد المنعم الرفاعي (11-7-2007)، "صيام السبت ورأي العلامة الألباني"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2017، بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1985.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جويرية بنت الحارث، الصفحة أو الرقم: 1986.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1159.
  9. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن الصماء بنت بسر المازنية، الصفحة أو الرقم: 744،