-

حكم صلاة الجمعة

حكم صلاة الجمعة
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مكانة يوم الجمعة

من سُنن الله تعالى في الكون سُنّة التفضيل؛ ومن ذلك تفضيل أزمانٍ على أخرى، فقد فضّل الله شهر رمضان على بقيّة شهور السنة، وفضّل يوم الجمعة على غيره من أيام الأسبوع؛ وفي ذلك يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (خيرُ يومٍ طلعت عليه الشَّمسُ يومُ الجمعةِ، فيه خُلِق آدمُ -عليه السلام-، وفيه أُدخل الجنَّةَ، وفيه أُخرج منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجمعة)،[1] ولمكانة هذا اليوم كان جديراً بالمسلمين أن يقدروه قدره، فهو منحةٌ إلهيّةٌ لعباده المؤمنين، وقد اختّصه الله تعالى بصلاةٍ تختلف عن باقي الصلوات المفروضة الأخرى؛ ألا وهي صلاة الجمعة، فما حكمها، وما أهمّ سننها وآدابها؟.

حكم صلاة الجمعة

لحكم صلاة الجمعة وعلى من تجب تفصيلٌ بين الفقهاء، وهو على النحو الآتي:

  • انعقد إجماع العلماء على أنّ صلاة الجمعة فرض عينٍ على كلّ مسلم مكلّف وقادر، ومستوفٍ لشروطها، وهي ليست بديلاً عن صلاة الظهر؛ أمّا إن لم يتحصّل المسلم على إدراكها فتجب عليه صلاة الظهر أربع ركعات، وقد ثبت حكمها في القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)،[2] وفي الحديث قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لقد هممتُ أن آمرَ بالصلاةِ فتقام، ثم أخالفُ إلى منازلِ قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّقُ عليهم)،[3][4]
  • قرّر الفقهاء أنّ صلاة الجمعة تجب على كلّ مسلم استوفى شروط الذكورة، وبلغ سنّ التكليف الشرعي المعتبر، وحضور العقل والإدراك، والقدرة على إتيانها، والإقامة؛ وبذلك فهي لا تجب على: امرأةٍ، أو صبيٍ غير مكلّف، أو مجنونٍ، أو مريضٍ، أو مسافر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الجمعةُ حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ إلا أربعةً: عبدًا مملوكاً، أو امرأةً، أو صبيًّا، أو مريضًا)،[5] وأمّا المسافر فلا يلزمه شهود الجمعة؛ لأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن يصليها في أسفاره، خلافاً للمسافر الذي ينزل بأرضٍ تُقام فيها صلاة الجمعة؛ فإنّه يصليها معهم، ويجوز شهودها للمرأة والصبي والمريض والمسافر جوازاً لا وجوباً، وتجزأ من حضرها من أصحاب الأعذار عن صلاة الظهر.[6]

العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة

تعدّدت آراء الفقهاء في عدد المصلين الذين تنعقد بهم الجماعة لأداء صلاة الجمعة؛ فقد ذهب أبو حنيفة وغيره إلى أنّ أدنى عددٍ لانعقادها يكون بثلاثةٍ غير الإمام، وذهب أبو يوسف من فقهاء المذهب الحنفيّ إلى انعقادها باثنين سوى الإمام، بينما ذهب الشافعية إلى أنّها لا تنعقد إلا بأربعين من دون الإمام، ودليلهم ما جاء عن ابن كعب بن مالك في قوله: (كُنتُ قائدَ أبي حينَ ذَهَبَ بصرُهُ، فَكُنتُ إذا خَرجتُ بِهِ إلى الجمعةِ فسمِعَ الأذانَ استَغفرَ لأبي أُمامةَ أسعدَ بنِ زُرارةَ، ودعا لَهُ، فمَكَثَتُ حينًا أسمعُ ذلِكَ منهُ، ثمَّ قُلتُ في نَفسي: واللَّهِ إنَّ ذا لعَجزٌ، إنِّي أسمعُهُ كلَّما سمعَ أذانَ الجمعةِ يستغفِرُ لأبي أُمامةَ ويصلِّي عليهِ، ولا أسألُهُ عن ذلِكَ لمَ هوَ؟ فخَرجتُ بِهِ كما كنتُ أخرجُ بِهِ إلى الجمُعةِ، فلمَّا سمعَ الأذانَ استغفَرَ كما كانَ يفعَلُ، فقُلتُ لَهُ: يا أبتاهُ، أرأيتَكَ صلاتَكَ على أسعَدَ بنِ زُرارةَ كلَّما سَمِعتَ النِّداءَ بالجمعةِ لمَ هوَ؟ قالَ: أي بُنَيَّ، كانَ أوَّلَ من صلَّى بنا صلاةَ الجمُعةِ قبلَ مَقدَمِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- من مَكَّةَ، في نقيعِ الخضَماتِ، في هزمٍ مِن حرَّةِ بَني بياضةَ، قُلتُ: كَم كنتُمْ يومئذٍ؟ قالَ: أربعينَ رجلًا)،[7] وقالوا: إنّ ترك الظهر إلى الجمعة لا يكون إلا بنصٍّ، ولم يُنقل أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أقام الجمعة بثلاثة رجال، بينما استدلّ الحنفية بحادثةٍ حدثت والنبي -عليه السلام- يخطب، إذ قدمت عير تحمل الطعام؛ فانفضّ كثيرٌ من المسلمين إليها، وتركوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قائماً، ولم يبق عنده حينها إلا اثنا عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم- وقد أتمّ إقامة الجمعة بهم، واستنبطوا من هذه الحادثة أنّ الثّلاثة تساوي ما بعدها من حيث كونها جمعاً؛ فلا معنى عندهم لاشتراط جمع الأربعين، خلافاً للإثنين؛ فإنّه ليس جمعاً.[8]

يختصّ يوم الجمعة بسننٍ كثيرةٍ أُثرِت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، غير أنّ هناك سنناً خاصةً بصلاة الجمعة، يستحبُّ للمسلم أن يلتزم بها، ومن أهمّها:[9]

  • الاغتسال والتطيّب ولبس أحسن الثياب.
  • الحضور المبكّر إلى مصلى الجمعة، والحرص على إدراك خُطبة الإمام من أوّلها.
  • الحرص على الاقتراب من الإمام، مع الحذر من أذيّة المصلين الآخرين.
  • جعل المسلم همّه في الإقبال على استماع الخُطبة من الإمام، وأن لا ينشغل بأيّ كلامٍ أو عملٍ أثناءها؛ لأنّ ذلك يشغل خاطره وقلبه عن حُسن الاستماع للخُطبة
  • التوجّه مشياً إلى مُصلّى الجمعة، وتقصّد عدم الركوب ما دام ذلك مستطاعاً؛ لما في المشي إلى الجمعة من زيادة أجرٍ ورفع درجةٍ.
  • كل الآداب والسنن التي ذُكِرتْ حثّ عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (مَن غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ، وبكَّرَ وابتكرَ، ومشَى ولَم يركبْ، ودَنا مِن الإمامِ فاستمعَ، ولَم يَلْغُ، كان لهُ بكلِّ خُطوةٍ عملُ سنةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها).[10]
  • إنّ الالتزام بهذه السنن والتوجيهات النبويّة الكريمة له فضل عظيم، وأجر عميم، وقد جاء عن بعض أهل العلم قولهم: إنّ الثواب المنصوص عليه في الحديث السابق يتضمّن أعلى الأجور وأعظمها في باب فضائل الأعمال التعبديّة بشكل عام.[11]

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 854 ، صحيح.
  2. ↑ سورة الجمعة، آية: 9.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2420 ، صحيح.
  4. ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 341، جزء 1. بتصرّف.
  5. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن طارق بن شهاب، الصفحة أو الرقم: 3111، صحيح.
  6. ↑ مجموعة من المؤلفين (1424 هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 93. بتصرّف.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 893، حسن.
  8. ↑ الكاساني (1986)، بدائع الصنائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 268، جزء 1.
  9. ↑ فتاوى ابن عثيمين (7-5-2008)، "ما هي السنن التي ينبغي فعلها قبل صلاة الجمعة"، ar.islamway.ne، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2018. بتصرّف.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أوس بن أبي أوس، الصفحة أو الرقم: 690، صحيح.
  11. ↑ أبو أنس الطائفي، "أعظم حديث في فضائل الأعمال"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2018. بتصرّف.