حكم الوشم
الزِّينة
الزِّينة في اللّغة من الجذر اللغويّ زينَ، الزّاي والياء والنّون أصلٌ واحدٌ صحيحٌ دالٌّ على حُسن الشّيء، وهو ضدُّ الشَّين، ويقال للأرض إذا نبت عشبها فحَسُن منظرها: ازَّيَّنت وازدانَت،[١] والزِّينة اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ يُتزَيَّن به،[٢] ومنه قول النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: (زَيِِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ).[٣]
الزّينة والتَّزين من الأمور التي شرعها الله سبحانه وتعالى، ورغَّب بها، وحثَّ عليها، ومن ذلك أمرُه للمسلمين عند خروجهم إلى المسجد في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ).[٤] والزّينة من الأمور التي جُبلت عليها المرأة خاصَّةً وفُطِرت عليها، ومصداق ذلك قوله تعالى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)،[٥] فالزِّينة للمرأة ممَّا نُشِّئت عليه وعلى حُبّه في أصل خلقتها، وحين كانت مفطورةً من الله تعالى عليها، أقرَّ الله تعالى من الأحكام ما يضبط هذه الفطرة ويُهذِّبها، فلا هي مأذونةٌ بإطلاقٍ ولا هي ممنوعٌة منها بالمُطلق، فتقع المرأة في حرجٍ لمخالفة فطرتها وطبيعتها، ولعلَّ ممَّا جاء في القرآن الكريم بلفظ الزّينة للمرأة، قوله تعالى: (...وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...)،[٦] فجاءت الشّريعة الإسلاميّة حاثَّةً على التزيُّن وطلب الزّينة في المظهر من الشّكل واللباس ونحوهما، مع وضع الضّوابط الحاكمة للزّينة والحدود التي لا يجوز تجاوزها أو تعدِّيها لكلٍّ من الرّجال والنِّساء على السّواء، وفيما يأتي حديثٌ عن أحد مظاهر الزِّينة التي قد يقوم بها الرِّجال والنِّساء وهو الوشم، وبيانٌ لمعناه، وحكمه، وبعض ما يتعلّق به.
الوَشم
الوشم في اللّغة من الجذر اللغويّ وشم، الواو والشِّين والميم أصلٌ واحدٌ دالٌّ على التأثير في الشّيء وترك الأثر فيه تزيُّناً له، ووشمُ اليدِ: تزيُّنها إذا نُقِشَ وغُرِزَ عليها، ويقال: أوشَمَت الأرض: أيْ تزيَّنت إذا ظهر نباتُها، وأوشَمَ البرق: إذا لمع التماعاً خفيفاً.[٧]
والوشم المُتعارَف عليه هو نوعٌ من أنواع الجِراحة البسيطة من أجل التَّزيُّن، ويكون بغرز الجلد بإبرةٍ حتّى يخرج الدَّم، ثمَّ يُنثَر عليه ما يعطيه لوناً ويُظهِر شكلاً مثل: النِّيلة أو الكحل، والوشم على هذه الشَّاكلة نجِسٌ باتِّفاق الفقهاء؛ لانحباس الدَّم في الموضع الذي غُرزت فيه إبَر الوَشم.[٨]
حُكم الوَشم
ذهب جمهور الفُقهاء إلى القول بحُرمة الوشم الدّائم الذي يكون بغرز الإبَر، واستدلّوا على التّحريم بما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (لعَنَ اللهُ الواشماتِ والمُستوشِماتِ، والنّامصاتِ والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلِّجاتِ للحُسْنِ المُغيِِّراتِ خلقَ اللهِ. قالَ: فبلغَ ذلكَ امرأةً من بني أسدٍ يُقال لها: أمُّ يعقوبَ، وكانت تقرأُ القرآنَ، فأتَتْه، فقالت: ما حديثٌ بلغَني عنكَ؛ أنّك لعنْتَ الواشماتِ والمُستوشِماتِ، والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلِّجاتِ للحُسْنِ المُغيِِّراتِ خلقَ اللهِ، فقال عبدُ اللهِ: وما لي لا ألعنُ من لعنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو في كتابِ اللهِ؟ فقالت المرأةُ: لقد قرأتُ ما بين لوحَي المُصحَفِ فما وجدتُه، فقال: لئِن كنتِ قرأتيهِ لقد وجدتيهِ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: (وَمَا أَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا)، فقالت المرأةُ : فإنِّي أرى شيئاً من هذا على امرأتَكَ الآنَ، قال: اذهبي فانظُري، قالَ: فدخلَت على امرأةِ عبدِ اللهِ فلم ترَ شيئاً، فجاءت إليه فقالت: ما رأيْتُ شيئًا، فقال: أمّا لو كان ذلك، لم نُجامِعها، وفي روايةٍ : الواشماتِ والمَوشوماتِ)،[٩] فيما ذهب بعض المُتأخِّرين من فقهاء المذهب المالكيّ إلى القول بأنَّ الوشم مكروه.
واستثنى بعض الفُقهاء القائلين بالحُرمة حالتَين لا يكون فيهما الوَشم حراماً، وهما:[٨]
- أن يكون الوَشم وسيلةً مُتعيِِّنةً لعلاج مرضٍ والتّداوي منه، فيجوز عندئذٍ للضّروة؛ لأنَّ الضّرورات تُبيح المَحظورات كما تنصُّ القاعدة الفقهيَّة.
- أن يكون الوشم طريقةً تتزيَّن بها الزوجة لزوجها بإذنه، عند بعض الفُقَهاء.
وإن لم يكن الوشم بطريقة غرز الإبَر السّابقة الذّكر، وكان من قبيل الرّسم والنّقش بالأصباغ أو الحنَّاء الذي يزول بعد مُدَّةٍ يسيرةٍ، وهو المعروف بالتّاتو، فلا إشكال فيه ما لم تحوِ الرّسومات والنّقوش أشياء محظورةً شرعاً؛ لأنَّ هذه الصّورة تختلف عن الوشم بغرز الإبر في عدم بقائها، كما إنّها لا تقوم على إخراج الدّم من الجلد، بل هي مجرّد رسم يُنقَش على الجلد ويزول بعد فترةٍ يسيرةٍ دون ضرَر يلحق بمَن يضعه.[١٠]
العِلّة من تحريم الوَشم
العِلّة من تحريم الوشم بغرز الإبر عند العلماء؛ بسبب ما يترتّب عليه من تغييرٍ لخلق الله تعالى، كما في نصِّ حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- السَّابق الذِّكر: "المغيِّرات خلق الله"، وما جاء في قول الله تعالى على لسان الشيطان: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)،[١١] والتّغيُّر الذي يترك الوشم بغرز الإبر دائمٌ لا يزول إلا بما يُلحِق الأذى بالشّخص الموشوم.
ومن الأسباب التي لأجلها حُرِّم هذا النّوع من الوشم ما له من مضارّ صحيَّةٍ ومخاطرَ يُحذِّر منها الأطبّاء والمُختصّون؛ حيثُ إنَّ الأماكن التي تتمّ فيها عمليّات الوشم مُفتقرةٌ لشروط النَّظافة والرّعاية الصِّحيَّة، واستخدام الألوان الملوّثة المسبِّبة للأمراض السرطانيّة، والإصابة بأنواعٍ من البكتيريا، والفيروسات، والفطريات، والتهاب الكبد الفيروسيّ بأنواعه، ومرض نقص المناعة المُكتسَبة (الإيدز)، عدا عن العلامات التي تظهر على الجلد في موضع الرّسم من طيَّاتٍ على مرِّ الوقت، وإضافة إلى ذلك فإنّ عمليّات إزالة الوشم مُكلفةٌ ماديَّاً، ومُضرّةٌ صحيَّاً؛ لأنَّها تتمّ غالباً بواسطة الليزر، ما يُسبِّب تغيُّر لون البشرة، والقشور، والنّدبات في موضع الوَشم.[١٢]
المراجع
- ↑ ابن فارس (2002)، مقاييس اللغة، دمشق: دار اتّحاد الكُتّاب العرب، صفحة: 30، جزء: 3. بتصرّف.
- ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة: 202، جزء: 13. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3581.
- ↑ سورة الأعراف، آية: من الآية 31.
- ↑ سورة الزّخرف، آية: 18.
- ↑ سورة النّور، آية: 31.
- ↑ ابن فارس (2002)، مقاييس اللغة، دمشق: دار اتّحاد الكُتّاب العرب، صفحة: 86، جزء: 6. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة الكويتيّة، صفحة: 157-159، جزء: 43. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2125.
- ↑ خالد بن سعود البليهد (2-8-1431هـ)، "حكم فعل الوشم وإبقائه في الجسم"، https://saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 119.
- ↑ الألمانية (30-9-2013)، "احذر من الوشم على الجسم"، http://www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.