أحكام ذبح الأضحية
الأضحية
تُعرّف الأضحية لغةً على أنها اسمٌ لِما يُضحّى به من الحيوان،[1] أما اصطلاحاً فتُعرّف الأضحية على أنها ما يُذبح من بهيمة الأنعام تقرّباً لله -تعالى- في أيام عيد الأضحى، وتجدر الإشارة إلى أن الأضحية شعيرةٌ من شعائر الإسلام التي دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع أهل العلم، فقد قال الله تعالى: (قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ)،[2] ورُوي عن سعيد بن جبير أنّه فسّر النسك بالذبح، ومما ينبغي الإشارة إليه أن ذبح الأضحية يوم العيد من الأعمال العظيمة عند الله تعالى، مصداقاً لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما عمِلَ ابنُ آدمَ من عملٍ يومَ النَّحرِ أحبَّ إلى اللَّهِ من هِراقةِ الدَّمِ وإنَّهُ لتأتي يومَ القيامةِ بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها وإنَّ الدَّمَ ليقعُ منَ اللَّهِ بمَكانٍ قبلَ أن يقعَ بالأرضِ فطِيبوا بِها نفسًا).[3][4][5]
أحكام ذبح الأضحية
حكم ذبح الأضحية
أجمع أهل العلم على مشروعية الأضحية، وقد نقل الإجماع ابن حجر، والشوكاني، وابن قدامة، وابن دقيق العيد رحمهم الله جميعاً،[6] ودلّ على مشروعية الأضحية قول الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)،[7] وقد ذهب جمهور المُفسّرين ومنهم ابن عباس -رضي الله عنه- إلى أن المقصود بالنحر في الآية الكريمة النسك والذبح يوم العيد، بالإضافة إلى ما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ)،[8] ولكن على الرغم من إجماع العلماء على مشروعية الأضحية إلا إنهم اختلفوا في حكمها، حيث ذهب الإمام أبو حنيفة والأوزاعي -رحمهما الله- إلى وجوب الأضحية على القادر، واستدلّوا بما ثبت من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا بأن الأصل الاقتداء به، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن كان له سَعَةٌ ولم يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا).[9][10]
بينما ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأضحية سنّةٌ مؤكّدةٌ، واستدلوا على قولهم بما روته أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (دَخَلَتِ العَشْرُ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وبَشَرِهِ شيئًا)،[11]وتعليق الأضحية على الإرادة بقوله عليه الصلاة والسلام: "وأراد أحدكم"، يدلّ على عدم وجوبها، ومما يدلّ على عدم وجوب الأضحية فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حيث ثبت أنهما كانا لا يضحّيان مخافة أن يعتقد الناس بوجوب الأضحية، ومن الجدير بالذكر أن الأضحية تُجزيء عن أهل البيت جميعاً، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ على أهلِ كلِّ بيتٍ في كلِّ عامٍ أَضْحاةً).[12][10]
شروط الأضحية
بيّن أهل العلم أن جميع العبادات لا تصحّ إلا بتوفّر شرطين أساسيين: أوّلهما إخلاص العمل لله تعالى، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)،[13] والثاني متابعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، مصداقاً لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)،[14] وبما أن الأضحية عبادةٌ من العبادات فإنها لا تصحّ إلا بالشرطين السابقين، وعدد من الشروط الأخرى فيما يأتي بيانها:[15]
- أن تكون من بهيمة الأنعام: بيّن الإمام الشنقيطي -رحمه الله- أن الأضحية لا تصحّ إلا من بهيمة الأنعام؛ وهي الماعز، والضأن، والإبل، والبقر، واستدلّ بقول الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)،[16] وتجدر الإشارة إلى أن أفضل الأنعام للأضحية الإبل، ثم البقر، ثم الضأن والماعز، حيث تُجزئ البدنة أو البقرة الواحدة عن سبعةٍ من المسلمين، أما الضأن والماعز فلا تُجزئ إلا عن مسلمٍ واحدٍ وأهل بيته، مصداقاً لما رُوي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: (نَحَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ).[17]
- السلامة من العيوب: يُشترط لصحّة الأضحية سلامتها من العيوب المبيّنة شرعاً، وتشمل هذه العيوب العَوَر البَيِّن، فلا يجوز التضحية ببهيمة عينها مخسوفة ولا تبصر بها، والمريضة وهي البهيمة التي يظهر عليها أثر المرض كالحمّى، والعرجاء بيّن ظلعها، وهي التي لا تتمكن من السير مع السليمة في المشي، والجعفاء وهي الهزيلة، ويلحق بها مقطوعة أحد الأيدي أو الأرجل، والعمياء التي لا ترى، والمبشومة وهي التي أكلت حتى انتفخت، لأنها أشدّ من المرض البيّن، والتي أصابها سبب الموت كالمتردّية، والنطيحة، والموقوذة، والمنخنقة، وما أكل السبع.
- ملكيّة الأضحية: لا تصحّ الأضحية إلا إذا كانت مملوكةً للمضحّي، كأن يشتريها أو تُهدى له، أو غيرها من وسائل التملّك المشروعة، أما إن كانت الأضحية مسروقة، أو تعلّق فيها حقٌ للغير كالمرهونة، فلا يجوز التضحية بها.
- السنّ المعتبرة شرعاً: لا تصحّ الأضحية إلا إذا بلغت العمر المعتبر شرعاً، حيث يجب أن تكون الإبل قد بلغت خمس سنوات ودخلت في السادسة، والبقر سنتان ودخلت في الثالثة، والمعز سنة ودخل في الثانية، والضأن ستة أشهر، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ).[18]
وقت ذبح الأضحية ومستحباتها
أجمع أهل العلم على أن وقت ذبح الأضحية يبدأ صباح يوم العيد بعد الصلاة، ولا تُقبل قبل ذلك الوقت نهائياً، وعند الذبح يجب التسمية، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللَّـهِ عَلَيهِ)،[19] ويُستحبّ القيام ببعض الأمور، منها توجيه الأضحية نحو القبلة، والإحسان في الذبح، مصداقاً لما رواه شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)،[20] ويُستحبّ أيضاً وضع قدم المضحّي عند صفحة عنق الذبيحة حتى لا تضطرب عند ذبحها، وبعد الذبح يُستحبّ تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أقسام: ثلثٌ للفقراء والمساكين، وثلثٌ لأهل البيت، وثلثٌ للأصدقاء والأقارب.[21]
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى الأضحية في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الانعام، آية: 162.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2/132، حسن.
- ↑ "تعريف الأضحية وحكمها"، www.islamqa.info، 08-12-2007، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "فضل الأضحية وثوابها"، www.islamweb.net، 2006-1-5، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ " ذَبحُ الأضْحِيَّةِ"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الكوثر، آية: 2.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5558، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6490، صحيح.
- ^ أ ب عقيل بن سالم الشمري، "ثمانون مسألة في أحكام الأضحية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 1977، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن مخنف بن سليم، الصفحة أو الرقم: 1058، حسن لغيره.
- ↑ سورة البينة، آية: 5.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718، صحيح.
- ↑ يحيى خلة (16-9-2015)، " شروط الأضحية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 28.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1318، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1963، صحيح.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 121.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 1955، صحيح.
- ↑ "الأضحية وأحكامها"، www.ar.islamway.net، 2015-9-14، اطّلع عليه بتاريخ 19-5-2019. بتصرّف.