-

بحث عن الوالدين

بحث عن الوالدين
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

برّ الوالدين في الإسلام

يعدّ برّ الوالدين من أعظم العبادات التي أمر بها الإسلام وحثّ عليها، ولقد عدّ الإسلام برّ الوالدين من كمال الإيمان، وأفضل القربات إلى الله تعالى، ورتّب على فعل برّ الوالدين الخير الكثير، والأجر العظيم، فالأبوان هما سبب الحياة لابنهما، وأول المضحّين لراحته، وهما الباذلين في سبيل تحقيق سرور ابنهم ورضاه، وبهما ينال الابن تمام العاطفة والحنان، والرعاية التي يحتاجها منذ أن كان طفلاً رضيعاً، وحتى بلوغه أشده، والإنسان محتاجٌ لدعوته والديه، ورضاهما على الدوام، لِما قرن الله -تعالى- رضاه برضى الوالدين، ولذلك فقد كثُرت الوصايا في الإسلام على برّ الوالدين، والإحسان إليهما، مهما كبُرا أو عجِزا، وتأكيداً لذلك أيضاً فقد قرن الله -تعالى- في كتابه الكريم بين طاعته وتوحيده، وبين برّ الوالدين والإحسان إليهما، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[1] وكما قال الله -تعالى- أيضاً: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[2] وكذلك فقد عدّ الإسلام عقوق الوالدين من أكبر الكبائر التي قد يأتيها المرء، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ألا أخبرُكُم بأَكْبرِ الكبائرِ؟ قالوا: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قالَ الإشراكُ باللَّهِ، وعقوقُ الوالدَينِ)،[3] وإنّ ذلك يدلّ على عظم الاهتمام الذي أولاه الإسلام بالوالدين، وتوصيته على برّهما.[4]

أسباب برّ الوالدين

يُعرّف برّ الوالدين بأنّه الإحسان إلى الوالدين قولاً وفعلاً، طلباً لمرضاة الله تعالى، ولقد أوصى الله -تعالى- عباده ببرّ الوالدين في القرآن الكريم، وفيما يأتي بيان بعض الأسباب التي تدعو المرء لبرّ والديه:[5][6]

  • التقرب إلى الله تعالى، والاستجابة لأوامره، فإنّ الله -تعالى- أورد وجوب برّ الوالدين في القرآن الكريم، والمسلم يؤدّي ذلك الفعل استجابةً لأمر الله تعالى، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا).[7]
  • إتيان أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حين سُئل عن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فأجاب أنّه برّ الوالدين.
  • الاستكثار من الأجر، فأجر برّ الوالدين كالجهاد في سبيل الله تعالى، ولقد أتى آتٍ من الصحابة يستأذن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للخروج معه إلى الجهاد، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أحَيٌّ والِداكَ؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِما فَجاهِدْ).[8]
  • الوالدان هما أولى النّاس بالإحسان والفضل، فقد جاء رجلٌ يسأل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن أولى الناس بإحسانه وصحبته، فأجابه النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أمُّك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك).[9]
  • رضا الوالدين وبرّهما سببٌ في دخول الجنّة، فقد جاء إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- رجلٌ يبتغي الجهاد في سبيل الله، فلمّا عرف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أمّه حيةٌ، قال له الزم والدتك، فكرر الرجل السؤال مراراً، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ).[10]
  • الفوز بدعاء الوالدين، فقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ دعوة الوالد لولده لا تُردّ عند الله سبحانه.
  • نيل رضا الله تعالى، فرضا الله -تعالى- في رضا الوالد، وسخط الله -تعالى- في سخط الوالد.
  • نيل البركة في العمر والرزق، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن سَرَّه أن يُمَدَّ لهُ في عُمرِه، ويُزادَ في رِزقِه؛ فَلْيبرَّ وَالدَيهِ، ولْيصِلْ رَحِمَه).[11]
  • الخشية من ورود النار، والحرمان من الجنة، فإنّ ممن قال فيهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّهم لا يدخلون الجنة؛ العاقّ لوالديه.
  • كسبُ مغفرة الذنوب العظيمة، جاء رجلٌ لابن عباسٍ يخبره بأنّه قد قتل امرأةً، ويسأل ابن غباس عن توبةٍ له، فسأله ابن عباس عن والدته، فأجاب أنّها متوفيةٌ، فأرشده إلى الإكثار المستمرّ من الحسنات حتى يتوب الله -تعالى- عليه، فلمّا تولى الرجل سأل بعض السامعين ابن عباس عن سؤاله للرجل عن والدته فقال ابن عباس: إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ -عَزّ وَجَلّ- مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ.
  • المحافظة على الأجور والحسنات من الزوال، فأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قرن بين قبول الأعمال عند الله -تعالى- يوم القيامة، وبين برّ الوالدين، حيث قال: (من مات على هذا كان مع النَّبيِّين والصدِّيقينَ والشُّهداءِ يومَ القيامةِ هكذا ونصب إصبعَيه ما لم يَعَقَّ والدَيه).[12]

بر إبراهيم -عليه السلام- لوالده

ضرب الله -تعالى- الأمثلة في القرآن الكريم عن أنبياءٍ كانوا بارّين بوالديهم، من هؤلاء؛ النبي إبراهيم عليه السلام، فلقد كان إبراهيم -عليه السلام- حريصاً على دعوة أبيه وقومه إلى توحيد الله تعالى، وترك الإشراك به منذ صغره، فكان يتحيّن لأبيه موعد النصح والأسلوب؛ علّه يصل إلى قلبه، فيقنعه بقوله، ولقد وثّق الله -تعالى- أسلوب النبي إبراهيم في دعوة والده في القرآن الكريم في أكثر من موضع، حيث قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)،[13] ففي لفظ (يا أبتِ) الذي تكرر مراراً بخطاب إبراهيم -عليه السلام- لوالده، إشارةٌ إلى الأدب، واللطف، والتوقير، واللين، والرحمة، والشفقة، من النبي إبراهيم تجاه والده.[14]

بالرغم من كلّ ذلك التحين في الأسلوب والخطاب من إبراهيم -عليه السلام- لوالده، إلّا أنّ والده أغلظ عليه القول، ولم يستجب لإبراهيم كما كان قد توقع، بل استكبر، وكفر بالله تعالى، بل وتوعده بالعقاب والهجر، إن استمرّ في ذلك النهج والفكر، ومع ذلك الأسلوب الحادّ، والقول الفظّ، إلّا أنّ إبراهيم -عليه السلام- لم يغضب من والده، ولم يُحزنه، بل استجاب بكلّ إيجابيةٍ، وقال: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا* وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)؛[15] أيّ أنّني لن أؤذيك بسيء كلامٍ أو خلقٍ، بل سأستغفر لك الله -تعالى- على ذنبك وشركك، وأهاجر إليه سبحانه متبرّأً من الشرك والأوثان.[16]

المراجع

  1. ↑ سورة النساء، آية: 36.
  2. ↑ سورة الإسراء، آية: 23.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، الصفحة أو الرقم: 6273 ، صحيح.
  4. ↑ "بر الوالدين"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-22. بتصرّف.
  5. ↑ "فضائل بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-23. بتصرّف.
  6. ↑ "أسباب بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-23. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الأحقاف، آية: 15.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3004، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2548 ، صحيح.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن معاوية بن جاهمة السلمي، الصفحة أو الرقم: 2259، صحيح.
  11. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2488 ، حسن لغيره.
  12. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمرو بن مرة الجهني، الصفحة أو الرقم: 2515، صحيح.
  13. ↑ سورة مريم، آية: 41-45.
  14. ↑ "دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-22. بتصرّف.
  15. ↑ سورة مريم، آية: 47،48.
  16. ↑ "إن إبراهيم كان أمة "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-23. بتصرّف.