علامات حب الله للعبد
حب الله للعبد
إنَّ اليقين بحب الله -تعالى- أُمنية كل مؤمن، فهو يُحاول جاهداً البحث عن أثر هذا الحب في كل مواقف حياته، فإن أصابته مصيبة واجهها بالصبر واستشعار لطف الله تعالى؛ فقد قد تكون أشد، وإذا أنعم الله -تعالى- عليه وقف مُتَدبراً؛ فقد تكون هذه النعم استدراجاً له، فالمؤمن دائم المحاسبة لنفسه مع إدراك أنَّه لا علاقة بين العطاء والمنع وحب الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ، ولا يُعطي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ)،[1] ولا يتحصل حب الله -تعالى- إلا باتباع منهجه الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالمحب دائم الموالاة للمحبوب، فيُحِب ما يُحبه، ويبغض ما يبغضه، والله يُحب الإيمان ويبغض الكفر والفسوق والعصيان، ويتوافق حب الله -تعالى- مع حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحب الله -سبحانه- للعبد مرتبط بحب العبد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.[2]
ويندرج حب الله للعبد في عدة مراتب؛ فيحظى الأنبياء والمرسلين بالمرتبة الأُولى منه، ثمَّ يأتي بعد ذلك المؤمنين، وتتفاوت مراتب حب الله للمؤمنين بتفاوتهم في الأعمال الصالحة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي عن الله تعالى: (أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكُرني، إن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرني في ملإٍ، ذكرتُه في ملإٍ هم خيرٌ منهم، وإن تقرَّب منِّي شبرًا، تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا، تقرَّبتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيتُه هَرْولةً، وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ، ولم يذكُرْ وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا، تقرَّبتُ منه باعًا)،[3] ويعود حب الله -تعالى- على العبد بالكثير من الفوائد، من أهمها اصطفاء الله له حتى يكون من عباد الله المُخلَصين.[2]
علامات حبّ الله للعبد
تُعدّ معرفة العبد لحب الله -تعالى- له من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، إلا أنَّ الله -تعالى- جعل له علامات يُعرَف بها، ذكر منها الإمام أبو طالب المكي: حب الخير وأهله والمسارعة إليه، والبعد عن الأُمور التي لا تعنيه، وأنْ يُحب للناس ما يحبه لنفسه، كما أنَّه يكون صابراً عند نزول البلاء، وقد ذكر الغزالي أنَّ حبَّ الله -تعالى- يظهر على العبد بتدبير أُموره وتحسين أخلاقه، ومن أبرز هذه العلامات التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية:[4]
- التعامل مع المؤمنين بالتواضع، ومع الكافرين بالشِّدة والغلظة، فقد وردت محبة الله -تعالى- في القرآن الكريم لِمن رحم المؤمنين، وشدَّد على الكافرين.
- الجهاد في سبيل الله -تعالى- دون الخوف من اللَّوم، عن طريق قتال الأعداء وحماية ديار المسلمين، فالجهاد يؤكد حب العبد لله -تعالى- وحب الله له.
- قَبول الناس له في الأرض، فالإنسان الذي يُحبه المؤمنين ويميلون له، هو إنسان حاصل على هيبة ربانية من الله تعالى، فيَهابُه الناس وترضى عنه القلوب حتى مع عدم وجود الأسباب التي من شأنها أن تحقق تلك المحبة؛ من القرابة أو الصداقة أو تقديم المعروف، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)،[5]وقد كان السلف يَعلمون محبة الله -تعالى- لأحد الناس من محبة أهل الإيمان له.
- تدبير الله -تعالى- له وحمايته من الدنيا وما فيها، فلا يُمكن أن يجتمع حب الله -تعالى- وحب الدنيا في قلب من اصطفاه الله -تعالى- لمحبته وقُرْبه، فيكون قلبه دائم الاستقبال لرَحمات الله -تعالى- وتجلِّياته، ومن لم تُشغله الدنيا عن ذكر الله وطاعته فلا يضرّه امتلاكها، فقد كان الصحابي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- من أهل المال الذين امتدحهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يا عمرُو، نِعْمَ المالُ الصَّالحُ للمَرءِ الصَّالحِ).[6]
- تعرّضه للابتلاء في نفسه وماله وولده، فإذا أحب الله -تعالى- عبداً من عباده اختصه بالبلاء، فإن كان راضياً بقضاء الله تعالى وصابراً على البلاء، استحق بهذا الصبر والرضا أن يكون من أهل محبة الله تعالى، ولا يعني هذا أن يطلب الناس من الله أن يبتليهم، إنَّما عليهم الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من طلب العافية والصبر على البلاء، يقول ابن عطاء الاسكندري: (لَيُخَفِّفُ ألمَ البلاء عنك علمُك بأنَّه سبحانه هو المُبلي لك، فالذي واجهتك منه الأقدارُ هو الذي عوَّدك حسنَ الاختيار)، فأقدار الله -تعالى- لا تنفصل عن لطفه.
- حفظ نفسه عن المعاصي، وعدم استخدام جوارحه إلا بطاعة الله تعالى، فلا يسمع ولا يرى إلا ما يُرضي الله، ولا يأنس إلا بطاعة الله تعالى.
- حصوله على إجابة الدعاء وتحقيق مطلوبه، لِشدّة قربه من الله، يقول النبي صلى الله عليه سلم: ( إنَّ من عبادِ اللهِ من لو أقسمَ على اللهِ لأبَرَّهُ )،[7] وقد يكون هذا العبد غير معروف بين الناس وغير مُكترِث بما في الدنيا من الزينة والمتاع الزائل، ولكنَّه ذو منزلة عالية عند الله تعالى.
حب الصحابة لله تعالى
حَرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تربية الصحابة على حب الله -تعالى- والشوق إليه، ففاق حب الله في قلوبهم حب آبائهم وأُمهاتهم وأزواجهم وأبنائهم، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيله، ومن الصحابة الذين ظهرت محبة الله -تعالى- في أقوالهم وأفعالهم؛ الصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه، فقد شعَر بالحزن والضيق لعدم مشاركته في غزوة بدر، وقال: (لئن أراني الله -تعالى- مشهدًا فيما بعد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرين الله -عز وجل- ما أصنع)، فكان ممن شهدوا أُحد، حتى أنه كان يجد ريح الجنة، فقاتل المشركين بشجاعة منقطعة النظير حتى قُتِل، وكان في جسده بِضع وثمانون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف، ولم يُعرف إلا من بنانه، فنزل فيه قول الله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)،[8] فقد شغلهم حب الله -تعالى- عن متاع الدنيا، فاستحقوا حب الله -تعالى- ونعيمه في الآخرة.[9]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2714، إسناده صحيح.
- ^ أ ب د. نهى قاطرجي، "يكفيك حب الله عز وجل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2675، صحيح.
- ↑ د. طه فارس (16-8-2017)، "علامات محبة الله للعبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 96.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 229، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2805، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 23.
- ↑ "حب الصحابة لله تعالى "، akhawat.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2019. بتصرّف.