العلامات الكبرى لقيام الساعة
اليوم الآخر
يعدّ الإيمان بيوم القيامة أصلٌ من أصول الإيمان وركنٌ من أركانه، يقول المولى سبحانه: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[1] وفي القرآن الكريم ما يؤكّد وقوع هذا اليوم وقرب أوانه، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا)،[2] أمّا اقتراب أوانه فقد ورد مقروناً بالإشارة إلى حدث انشقاق القمر في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذ يقول تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)،[3] إلّا أنّه لا أحد من الخلق يعلم الوقت الذي اختاره المولى سبحانه لقيام الساعة، ويؤكّد هذا الرواية التي أشارت إلى سؤال جبريل -عليه السلام- للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن موعد قيام الساعة؛ فأجاب عليه السلام: (ما المسؤُولُ عنهَا بأعلمَ بها من السَّائِلِ)،[4] فإذا كان جبريل -عليه السلام- وهو الملَك الأعلى منزلةً، ومحمد -صلّى الله عليه وسلّم- وهو النبيّ الأعلى مكانةً بين البشر لا علم لهما بزمن قيام الساعة؛ فإنّ هذا أبلغ في التأكيد على أنّ أحداً سواهما لا يعلم عن موعد قيامة القيامة شيئاً، ولكنّ إرادة المولى -سبحانه- شاءتْ إذ أخفى عن خلقه زمن وقوعها؛ فإنّه بالعلامات التي تدلّ على قرب وقوعها.[5]
وهذه العلامات تنقسم إلى قسمين؛ علامات صغرى، وعلامات كبرى، وقد أفرد أهل العلم للقسمين مساحاتٍ واسعةٍ في بحوثهم ومصنّفاتهم، وهذا المقال يتناول بالبحث والتفصيل العلامات الكبرى لقيام الساعة، من حيث معناها، وعددها، وأدلتها الشرعية.
علامات الساعة الكبرى
يتّفق أهل العلم على أنّ علامات الساعة الكبرى هي آخر ما تشهده الأرض من أحداث ووقائع قبل قيام الساعة، ويبلغ عدد هذه العلامات الكبرى عشر علاماتٍ، والخلاف بين أهل العلم دار على ترتيبها، وأيّهما تسبق الأخرى بوقوعها، كما اختلف العلماء إلى كونهم لم يقفوا على نصٍ يُصرّح بترتيب العلامات الكبرى ترتيباً زمنيّاً، ذلك أنّ الحديث الذي جمع فيه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- هذه العلامات جاء برواياتٍ مختلفةٍ عن بعضها، في إشارةٍ إلى أنّ النبي -عليه السلام- ما أوردها على قصد الترتيب الزمني، بل على قصد الإخبار بها تعداداً دون ترتيبٍ؛ ففي روايةٍ أخرجها الإمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه- يقول: (اطَّلع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علينا ونحن نتذاكر؛ فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعةَ، قال: إنها لن تقومَ حتى ترَون قبلَها عشرَ آياتٍ؛ فذكر الدخانَ، والدجالَ، والدابةَ، وطلوعَ الشمسِ من مغربِها، ونزولَ عيسى بنِ مريم -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خَسفٌ بالمشرقِ، وخَسفٌ بالمغربِ، وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخرُ ذلك نارٌ تخرج من اليمنِ، تطردُ الناسَ إلى مَحشرِهم)،[6] وفي روايةٍ أخرى لحذيفة بن أسيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الساعةَ لا تكون حتى تكون عشرُ آياتٍ: خسفٌ بالمشرقِ، وخسفٌ بالمغربِ، وخسفٌ في جزيرةِ العربِ، والدخانُ، والدجالُ، ودابةُ الأرضِ، ويأجوجُ ومأجوجُ، وطلوعُ الشمسِ من مغربِها، ونارٌ تخرج من قَعرةِ عدنٍ تُرحِّلُ الناسَ)،[7] وفي روايةٍ: (والعاشرةُ نزولُ عيسى بنُ مريمَ)،[7] وبناءً على التباين السابق في عرض علامات الساعة الكبرى؛ فلا ينبغي القطع بترتيبٍ زمنيٍ لها، إذ لا تتابعَ مقطوع به بينها، وغاية ما يعتقده المسلم أنّ الله -سبحانه- أعلم بترتيبها الزمني، ولكنّ تجدر الإشارة إلى أنّ المستقرّ عند أهل العلم أنّ هذه العلامات إذا ظهرت أولها تبعتها بقية العلامات، فتظهر على إثرها في تتابعٍ سريعٍ؛ وفي هذا يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (خُروجُ الآياتِ بعضُها على بعضٍ تتابَعْنَ كما تتتابَعُ الخَرَزُ)،[8] وقد جاء عن ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- تأكيداً على أنّ الأمارات الكبيرة للساعة تأتي متتابعةً ومتعاقبةً، يلي بعضها بعضاً بشكلٍ سريعٍ، ولا شكّ أنّ علامات الساعة الكبرى تأتي على نحوٍ غير مألوفٍ للبشر، فلم يألفوا في حياتهم شيئاً كهذا، ولذا فإنّها حين تقع ستحدث فزعاً ورعباً خلافاً لما قد يحدث من خوفٍ في علامات الساعة الصغرى، وممّا يثير الهلع في نفوس الناس وقتها علمهم أنّه ليس بعدها إلّا يوم الفزع الأكبر، يوم أنْ ترجف الراجفة، وتتبعها الرادفة، فإذا ظهرت آخر علامةٍ كبرى حلّ النبأ العظيم، وانقلب ميزان الكون رأساً على عقبٍ.[9]
ثمرات الإيمان بعلامات الساعة
الإيمان بعلامات الساعة جزءٌ من الإيمان بركن الإيمان باليوم الآخر، ولهذا الإيمان ثمرات وفوائِد تعود على المؤمن، ويمكن إجمالها فيما يأتي:[10]
- تحقيق ركنٍ من أركان الإيمان، وهو الإيمان باليوم الآخر، على اعتبار أنّ علامات الساعة من مقدماته، فضلاً عن كونه من الإيمان بالغيب الذي أخبر عنه المولى -جلّ شأنه- عندما قال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).[11]
- إشباع الرغبة الفطرية للإنسان؛ حيث إنّه يميل بطبعه إلى استشراف ما غاب عنه، ومعرفة أحداث ووقائع المستقبل، فجاءت نافذة الوحي لتخبره بما تميل إليه فطرته، ولتقطع الطريق على تخريصات العرّافين والكهنة في هذا الأمر.
- الإخبار عن الغيب ووقائع المستقبل وما فيها من خرقٍ للعادات ومألوف البشر تعدّ دليلاً من أهم دلائل النبوة؛ فهي تتضمن حدّياً لعقول البشر أجمعين من حيث كونها أموراً غيبيةً لا يمكن إدراكها بالعقل، وسبيلها الوحيد هو الوحي من الله تعالى.
- معرفة علامات الساعة والإيمان بها سبيلٌ للمنهج الصحيح في التعامل مع تلك الأحداث التي دلّ عليها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمّته؛ حتى لا يلتبس عليهم الحقّ بالباطل، وقد تمرّ بعض الأحداث التي يحتاج من يعايشها إلى معرفة حكمٍ شرعيٍ تفرضه طبيعة الحدث الجديد، مثل الأيام الطويلة التي تكون عند ظهور الدّجال، وكيفية الصلاة فيها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).[12]
- معرفة علامات الساعة تفتح باب الأمل والاستبشار بحُسْن عاقبة أهل الإيمان، خاصةً عند ظهور الفتن وكثرة الخطوب؛ فتكون تلك الأحداث والوقائع بمثابة البشارات النبوية بتمكين الدين في الأرض وظهوره.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 177.
- ↑ سورة غافر، آية: 59.
- ↑ سورة القمر، آية: 1.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن يحيى بن يعمر، الصفحة أو الرقم: 1/182، إسناده صحيح.
- ↑ عمر الأشقر (11-4-2014)، "فوائد دراسة أشراط الساعة"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2901، صحيح.
- ^ أ ب رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2901، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6833، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سامح البلاح (9-1-2014)، "علامات القيامة الكبرى"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أحمد بن إسماعيل (2008)، فقه أشراط الساعة (الطبعة السادسة)، الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 23-30. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 3.
- ↑ سورة التوبة، آية: 128.