مراحل قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول
دولة الإسلام
الدولة المسلمة هي الدولة التي تستمدّ أحكامها فيما يتعلق بنظام الحكم وشؤون الدولة من الشريعة الإسلاميّة، فلا يقتصر دور الدولة المسلمة على ضمان الأمن والاستقرار للمجتمع وردّ العدوان الخارجيّ عنه فقط، بل يتعدّاها إلى التكفّل في تنفيذ أحكام الإسلام في جميع مناحي الحياة، وإدارة الدولة بما يتوافق مع أحكام الشريعة، بالإضافة إلى نشر الدعوة الإسلاميّة في جميع أنحاء العالم، وإزالة أيّ عائقٍ يمنع وصول الإسلام إلى الناس، مصداقاً لقول الله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)،[1] ولذلك أطلق الفقهاء على الدولة المسلمة اسم دار الإسلام.[2]
مراحل قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول
على الرغم من أنّ قيام الدولة المسلمة التي أسّسها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن ليتمّ لولا العناية الربانيّة والتوفيق الإلهيّ، إلّا أنّ ثمّة أسباباً دنيويّةً، ومراحل للبناء مرّ خلالها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- إلى أن أقاموا دولةً قويّةً، لم يسجل التاريخ لمجدها وعزّها مثيلاً، وفيما يأتي بيانٌ لمراحل قيام الدولة في عهد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام.[3]
البناء الداخليّ للمجتمع الإسلاميّ في مكّة
ركّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خلال دعوته في مكّة على بناء الأساس والنواة؛ وهم الأشخاص الذين قامت الدولة فيما بعد على اكتافهم، حيث بدأت الدعوة في مكّة سرّيّةً لمدّة ثلاث سنواتٍ، صقل فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شخصيّة بعض الرجال من أصحابه؛ كأبي بكر الصديق، ومصعب بن عمير، وأبي عبيدة عامر بن الجراح وغيرهم رضي الله عنهم، وركّز -عليه الصّلاة والسّلام- خلال هذه الفترة على ترسيخ العقيدة في قلوبهم، وتذكيرهم بأحوال الأمم السابقة، وعاقبة الكافرين والمؤمنين في كلّ أمّةٍ، وأمرهم بالتزام العبادات التي ترتقي بإيمانهم: كقراءة القرآن الكريم وقيام الليل، وبشّرهم بمستقبلٍ مشرقٍ لأمّة الإسلام فيه النصر، والمجد، والتمكين، وكان ذلك بهدف إعدادهم للمرحلة التي تليها؛ وهي الجهر بالدعوة إلى الإسلام، وتهيأهم لاحتمال تبعاتها من الاضطهاد والتعذيب الذي سيحلّ بهم من الكفار، وبعدها انتقلت الدعوة إلى مرحلةٍ جديدةٍ وهي الجهر بالدعوة إلى الإسلام في مكّة واستمرت هذه المرحلة عشر سنواتٍ، مرّ خلالها المجتمع الإسلاميّ بمختلف أنواع الاضطهاد والتعذيب، ولم يكن سلاحهم في مقاومة المعتدين في ذلك الوقت إلّا الصبر على أذاهم والسير قدماً في الدعوة إلى الله، ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حقّق نجاحاً منقطع النظير في التأسيس الداخلي للمجتمع وبناء نواته، والدليل على ذلك؛ ما حقّقته هذه النخبة من الرجال في خدمة الإسلام والمسلمين خلال حياة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبعد وفاته.[3]
تأمين الحماية للمسلمين في مكّة
حاول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حماية أتباعه بكلّ الوسائل المتاحة خلال المرحلة المكيّة، حيث كان المجتمع الجاهليّ محارباً للإسلام بكلّ ما تعنيه الكلمة، فقد عُذّب كثيرٌ من المسلمين وتمّ اضطهادهم، بل وصل حقد الكفّار بهم إلى قتل بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ ولذلك كان من أولويات المرحلة؛ تأمين أكبر قدرٍ ممكنٍ من الحماية للمسلمين، وهذا ما دفع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أن يأمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة الأولى إلى الحبشة، والهجرة الثانية أيضاً، بالإضافة إلى قبول حماية بعض سادة قريش على الرغم من كفرهم، وأخيراً الهجرة إلى المدينة المنوّرة.[3]
قيام الدولة المسلمة في المدينة المنوّرة
شكّلت الهجرة النبويّة إلى المدينة المنوّرة المنعرج الأهمّ في قيام دولة الإسلام، حيث أصبح للمسلمين وطنٌ يعيشون فيه، ورجالٌ يدافعون عنهم بحدّ السيف، وحريّةٌ في إعلان مبادئهم وتطبيق شرائعهم، وكانت أوّل خطوات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في إقامة الأمّة المسلمة بناء المسجد؛ وفي ذلك دلالةٌ على أنّها أمّةٌ قامت على توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، وأنّ في توحيد الأمّة لربها صلاح دينها ودنياها، وقد اختار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- موقع بناء المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته، وكان الموقع لغلامين من الأنصار، فدعاهما النبيّ عليه الصّلاة والسّلام؛ ليشتريه منهم، إلّا أنّهما رفضا ذلك وقالا: (بل نَهِبُه لك يا رسول الله)، ولكنّه أصرّ أن يعطيهما ثمنه، فأعطاهما أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عشرة دنانير، وبنى المسلمون المسجد من الحجارة وجريد النخل، وقد شارك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بنفسه في بناء المسجد، حيث حمل الحجارة مع أصحابه رضي الله عنهم، وكانت الخطوة التالية لبناء المجتمع في المدينة المنوّرة المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين؛ في إشارةٍ إلى ضرورة الترابط بين أبناء المجتمع الإسلاميّ، وقد ضرب الأنصار -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في الكرم والإيثار؛ حيث استقبلوا إخوانهم المهاجرين بالفرح والسرور، وبذلوا الغالي والنفيس في مواساتهم ونصرتهم، وقد خلّد الله تعالى ذكرموقف الأنصار العظيم في كتابه العزيز، حيث قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[4] وبعد أن تمّت المؤاخاة بين الهاجرين والأنصار، وترابط المسلمون فيما بينهم، عقد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المعاهدات بين المسلمين وسكان المدينة من اليهود؛ ليتمّ بذلك بناء المجتمع الآمن، القائم على التعاون والترابط، وأخيراً وبعد أن تمّ تكوين المجتمع الإسلاميّ، فرض الله تعالى الجهاد على المسلمين، فنشأ بذلك جيشٌ للدفاع عن الأمّة، وتأمين الدولة من كيد الأعداء المتربّصين بالإسلام وأهله.[5]
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية: 41.
- ↑ "الدولة بيْن الإسلام والمدنية الحديثة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "كيف بنى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية؟"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 9.
- ↑ "قيام الأمة الإسلامية والأسس التي شيدت عليها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018. بتصرّف.