طه حسين والشعر الجاهلي
الشّك في الشعر الجاهلي
أثار كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين الصادر سنة 1926م ردوداً عنيفةً من قبل النقّاد وعلماء الدين، فقد تطرّق الأديب المصري طه حسين إلى قضية الشعر العربي الجاهلي بمنظور الشكّ وأنّه شعر منحول لا ينتمي لقائله، وكُتب بعد الإسلام ونُسب لشعراء ما قبل الإسلام من الشعراء الجاهليين، واعتبره من وضع الرواة في القرنين السابع والثامن الملادي، وهذا تشكيك في قيمة الشعر الجاهلي، وأنّه يصور جوانب من الحياة في العصر الأموي وبداية العصر العباسي أكثر منه في تصوير الحياة الجاهلية.[1]
لغة الشعر الجاهلي
تناول الأديب المصري طه حسين قضية الشعر الجاهلي من منظور الشك، فهو يرى أنّه ينتمي إلى قبائل متفرقة كالقحطانيين: قبائل اليمن والعدنانيين: قبائل الحجاز، وبطبيعة الحال فإنّ لهجاتهم مختلفة، وقد استند في ذلك على النقوش والنصوص التي وُجِدت في الجزيرة، ممّا أدّى به للخروج باستنتاج هو أنّ هناك اختلاف جوهري بين لغة القحطانيين من أهل اليمن والحجازيين من أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة في ذلك الزّمان، ولا يرى اختلافًا في لغة الشعر الجاهلي لاختلاف لهجات القبائل العربية، ومن منظوره أنْ يكون هذا الاختلاف واضحًا جليًا في الشعر الجاهلي، فهو ينظر إلى الشعر الجاهلي من جانب أنّه شعر في مجمله مستقيم الوزن والقافية على الرغم من اختلاف لهجات الشعراء، فمثلاً امرؤ القيس قحطاني من اليمن بحسب ما جاء به رواة الشعر وشعره بلغة قريش ولهجتها، فالأديب المصري طه حسين لا يرى فرقًا بينه وبين لهجة أهل قريش من حيث اللفظ والإعراب وقواعد اللغة، فقد استبعد هذا الأمر، وخرج بنتيجة أنّ الشعر الجاهلي لا يُمثل اللغة الجاهلية، وبعيد كل البعد عن أن يُمثل اللغة العربية في العصر الذي يزعم الرواة أنّه قيل فيه، وما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدًا ولا يُمثل كمًّا واضحًا، ولا يدلّ على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصور الأدبية الصحيحة للعصر الجاهلي.[2]
زمن كتابة الشعر الجاهلي
إنّ مجمل ما توصّل إليه طه حسين أنّ أغلب الشعر الجاهلي كُتب بعد مجيء الإسلام ونُسِبَ لشعراء من العصر الجاهلي، وأنّه من تأليف النحاة أو رواة القصص أو اختراع المفسرين والمحدثين؛ لأسباب سياسية: كالعصبية والشعوبية وذلك لصناعة أمجاد لقبائل العرب وأمجاد للماضي الفارسي تقربًا من وزراء الفرس، فقد أُلّف الشعر ونُسب إلى الشعراء الجاهليين، فالطريقة التي وصل إلينا بها طريقة القصص والأساطير، فلا يمكن الاطمئنان أنّ أخبارهم وأشعارهم صحيحة، والأمر فيه خطورة لأنّه ينفي قوّة العرب في الشعر في ذلك الوقت.[3]
الهدف من كتابة الشعر الجاهلي
استدلّ طه حسين في الهدف من تأليف الشعر الجاهلي بعد مجيء الإسلام على مجموعة من المصادر في تاريخ الأدب منها: أنّ الفضل الضبي كما يروي أبو الفرج في كتاب الأغاني يذكر عن حماد أنّه رجل مُلِم بلغات العرب وأشعارها وطريقة الشعراء ومعانيهم، فهو لديه القدرة على تأليف الشعر مثل الشعراء وشعره لا يستطيع أحد تميزه عن غيره، ويدخله في شعره فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها من المزيّف إلا عند الناقد الملم بمذاهب وطريقة الشعراء القدماء، واعتراف حمّاد الراوي في مجلس الخليفة المهدي العباسي بأنّه زاد في شعر زهير، وأنّ خلفاء الأحمر وغيرهم من الشعراء اخترعوا من الشعر وأسندوه إلى شعراء في الجاهلية، ويذكر طه حسين أنّ العصبية القبلية وبعض الأسباب السياسية أدّت إلى انتحال الشعر الجاهلي ونسبه إلى شعراء عاشوا في الجاهلية.[2]
منهج البحث في الشعر الجاهلي
اعتمد طه حسين منهج الشك لديكارت في البحث عن حقائق الأشياء، وهو منهج فلسفي قائم على الحريّة في البحث والاستقصاء والتحليل في البحث العلمي والتاريخي، والحاجة إلى التجرد من العصبية القومية وكل ما يقيد الفكر، وإتاحة المجال أمام حرية التفكير دون تقييد وما يؤثر عليه للبحث عن الأدب العربي القديم والبحث عن تاريخه، باتخاذ منهج علمي صحيح لعدم ثأثير العواطف على مجال البحث في الأدب العربي القديم، لأنّ في رأيه أنّ جميع النقاد المحدثين والقدماء تناولوا قضية الشعر الجاهلي بشيء من التعصب للعرب وللأدب الجاهلي.[4]
المراجع
- ↑ نجم الدين خلف الله (22-4-2017)، "صدر قديماً: "في الشعر الجاهلي" لـ طه حسين"، www.alaraby.co.uk، اطّلع عليه بتاريخ 15-3-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب "رأي طه حسين في الشعر الجاهلي"، habous.gov.ma، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2018. بتصرّف.
- ↑ خالد بيومي (2-4-2016)، "طبعة جديدة من «الشعر الجاهلي» لطه حسين"، www.alhayat.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-3-2018. بتصرّف.
- ↑ طه حسين (1926)، في الشعر الجاهلي، سوسة - تونس: دار المعارف للطباعة والنشر، صفحة 23-24. بتصرّف.