أفضل أوقات الاستغفار
الاستغفار
إن الوقت الذي تكثر فيه الذنوب التي يفعلها الإنسان، يجعل عزيمته تلين، وهمّته تضعف، ونفسه تتأثّر، فتراه ينهزم عند أوّل مشكلةٍ يتعرّض لها، وحين ينهزم فإنه يُصاب بالإحباط الذي يمنعه من العيش بصورةٍ طبيعية، وما ذلك إلّا لعدم استغفاره، وكثرة ذنوبه، وسيطرة الإحباط على نفسه، وخوفه مما سيواجهه في المستقبل، وهو بهذه الحالة غافلٌ عن حقيقة الاستغفار التي بها يتقرّب إلى ربّه، وينطرح بين يديه، ويحصل على كل ما تمنّاه، وإن العبد المؤمن الذي يكثر من الاستغفار ويحرص عليه لا يمكن لليأس أن يصيبه، ولا يعرف الإحباط له طريقاً، فهو يواجه ما يصيبه في الحياة بالاستغفار، حيث إن إرادته تكون قويه، وثقته بالله ثابتة لا تتزعزع، فينبعث منه الأمل والتفاؤل حين يقرأ قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)،[1] وهو متيقّنٌ أن الأمور مهما تعقّدت واشتدّت فلا بدّ لها أن تنفرج ما دامت الألسن تلهج بذكر الله وتستغفره ليل نهار، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).[2][3]
أفضل أوقات الاستغفار
الاستغفار من العبادات التي شُرعت في كلّ وقتٍ، ولكن هناك أوقات وأحوال يكون للاستغفار فيها مزيداً من الفضل، ومنها ما يكون بعد الانتهاء من أداء العبادات، وفيما يأتي بيانٌ لهذه الأوقات:[4]
- الاستغفار أثناء القيام بالعبادات؛ ولذلك لِما يقع فيها أثناء الأداء من الخلل أو التقصير، فقد قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).[5]
- الاستغفار بعد الانتهاء من الصلوات المفروضة، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذا سلّم من صلاته استغفر ربّه ثلاثاً، وذلك لأن صلاة العبد معرّضة للنقص بسبب غفلة منه أو سهو.
- الاستغفار في وقت السحر، فقد أثنى الله -عز وجل- على عباده المستغفرين بالأسحار، فقال: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار).[6]
- الاستغفار عندما يقوم الإنسان من مجلسه، خاصة إذا كان مع إخوانه، أو في عمله، أو اجتماعه، فقد روت سيّدتنا عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ما كان يقوم من مجلسه إلا حمد الله واستغفره.
- الاستغفار للأموات، فما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ من دفن أحداً من المسلمين إلا قال: (استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ).[7]
مكانة الاستغفار ومنزلته
الاستغفار هو طلب المغفرة، وستر الذنوب والتجاوز عنها، ويعدّ الاستغفار من أفضل العبادات وأكثرها نفعاً، وقد أمر الله -تعالى- به في الكثير من مواضع القرآن الكريم، فقال: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم)،[8] وذُكر في بعض المواضع أيضاً الأنبياء والرسل وهم يستغفرون الله، ويأمرون أقوامهم بالاستغفار، ويذكرون لهم الآثار المترتبة عليه، وما ذلك إلا لعظيم منزلته في الدين، وله فوائد وفضائل كثيرة منها: أنه سببٌ لمحو الذنوب ورفع العقوبة، وسببٌ في جلب النعم ودفع النقم، وانشراح الصدر، وغير ذلك من الفوائد.[9]
كيفية الاستغفار وعدده
جاء الأمر من الشرع بالاستغفار وتشريعه، فالإنسان بحاجةٍ شديدةٍ إليه، وقد أُمر به في جميع الأوقات، وحتى النبي مع أنه سيّد ابن آدم إلا إنه كان كثير الاستغفار، وكان يقول: (واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً)،[10] فهو أمرٌ مطلوبٌ من المؤمن والمؤمنة وينبغي الإكثار منه، وصيغة الاستغفار أن يقول بعد التسليم من صلاة: (أستغفر الله) ثلاث مرات كما كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يفعل، وتُقال أيضاً في كل الأوقات، كأن يقول: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، والمقصود من ذلك أن يطلب المغفرة من الله بأيّ صيغةٍ كانت، فكلّه طيّب وكلّه من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما إن الإنسان يحرص على دعاء الله بمغفرة ذنوبه، كأن يقول: "اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي ذنوبي".[11]
فضائل الاستغفار
بيّن الله -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرةٍ مكانة وفضل الاستغفار، وفيما يأتي بيان هذه الفضائل:[12][13]
- الاستغفار من صفات المتّقين، وقد قال العلماء أن الاستغفار المطلوب هو الذي يثبت معناه في القلب، أما ما يكون باللسان مع الإصرار على المعصية فذلك الاستغفار يحتاج إلى استغفار.
- جلب الخيرات والبركات ودفع البلاء، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[14] فبه يكثر الرزق، ويسقي الله عباده من بركات السماء، وينبت لهم من بركات الأرض والزرع، ويمدّهم بالأموال والأولاد، ويجعل لهم الجنات والثمرات.
- الاستغفار من موجبات رحمة الله تعالى، ومبعدات عذابه، قال تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[15]
- إذا اقترن الاستغفار بالتوبة فإنه يجلب القوة والخير.
- سنةٌ من سنن الأنبياء والمرسلين، وطريق أولياء الله الصالحين، فهم يلجأون إليه في السراء والضراء وفي كل وقت، ويتضرّعون به إلى الله، ويتقرّبون به إليه.
- نقاء القلب وتطهيره من ظلمات المعاصي والذنوب.
- مغفرة الذنوب، وهو وعدٌ من الله لعباده المستغفرين.
- مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات، فمن كان ملازماً للاستغفار في حياته، جاءت صحيفة أعماله يوم القيامة وقد ذهبت سيّئاته وتضاعفت حسناته.
- دخول الجنة ورفعة الدرجات فيها.
- سببٌ لسعة الرزق ونزول المطر، قال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)،[16] وسببٌ لكثرة الولد، والقوة، وتفريج الهموم والكربات، ودفع العذاب في الدنيا، والنصر على الأعداء.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 8.
- ↑ سورة يوسف، آية: 110.
- ↑ نبيل جلهوم (26-11-2011)، "الاستغفار فتح رباني"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "أحوال وأوقات يستحب فيها الاستغفار "، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 199.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 17.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 3221، صحيح.
- ↑ سورة المزمل، آية: 20.
- ↑ "منزلة الاستغفار والآثار المترتبة عليه"، www.islamweb.net، 2003-10-22، اطّلع عليه بتاريخ 21-5-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6307، صحيح.
- ↑ "الاستغفار .. وكيفيته وعدده"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 22-5-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد عرفة، "الاستغفار فضائله وفوائده"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "عشر ثمار لمن لزم الاستغفار "، www.ar.islamway.net، 11-10-2018، اطّلع عليه بتاريخ 23-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
- ↑ سورة هود، آية: 3.