صفات الزوج الصالح في الإسلام
الزواج وأضرار تأخيره
سنّ الله تعالى سنّة الزواج لجميع البشر، وجعل لهم الأنبياء قدوةً، ودليلاً في ذلك، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)،[1] وقد أكّد ذلك النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (النِّكَاحُ من سُنَّتِي فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَليسَ مِنِّي، وتَزَوَّجُوا؛ فإني مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ)،[2] وقد رغّب الإسلام بالنكاح لما فيه من خيرٍ يعود على الفرد، والمجتمع المسلم، وحذّر من خطر قلّته، أو تأخيره بين الشباب؛ لما في ذلك من أثرٍ سيءٍ عليهم، إذ إنّ من أضرار بقاء الفتيات والشباب دون زواجٍ انتشار الرذيلة والفساد الأخلاقيّ، فإنّ الميل للجنس الآخر رغبةً وشهوةً جعلها الله تعالى في نفس البشر، فإنّ تأخّر قضاؤها بالشكل السليم، قد يوجه ذلك الفرد إلى قضائها بشكلٍ آثمٍ لا يُرضي الله عزّ وجلّ، وكذلك فإنّ البقاء وقتاً طويلاً دون زواجٍ، يجلب للفتاة أو الشاب أمراضاً نفسيةً، سببها الترقّب والانتظار، خصوصاً إذا دخلا مرحلة العنوسة والعزوبية، وقد يدخل في نفس الفرد منهم المقارنة مع سواهم من أقرانهم، الذين تزوّجوا وأنجبوا الأولاد، وهذه فطرةٌ أخرى قد تأخّر إشباعها، وهي فطرة الأمومة والأبوّة، وكلّ ذلك يجلبه تأخير الزواج.[3]
صفات الزوج الصالح في الإسلام
أولى الإسلام اهتماماً واضحاً ببناء الأسرة بناءً سليماً، وكان من ذلك أن أوضح لكلا الشريكين المقبلين على الزواج الصفات الجيدة المرغوبة بها في الشريك الآخر؛ وذلك حتى يُحسن الشريك اختيار شريكه، ولقد كان من الصفات الرئيسية التي رسمها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- للرجل الصالح، أن يكون مشهوداً له بالخُلق والدين، فإن جمع الرجل بينهما استحقّ أن يُزوّج إذا سأل، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذا خطبَ إليكم مَن ترضَونَ دينَه وخلقَه، فزوِّجوهُ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ، وفسادٌ عريضٌ)،[4] وجاء في تحفة الأحوذي أنّ المقصود من قول النبي -عليه السلام- إذا خطبكم من ترضون دينه وخلقه؛ أي إذا خطب من فتياتكم رجلٌ قد استحسنتم دينه، ورضيتم معاشرته فزوّجوه، ثمّ يستخلص المؤلّف دليلاً على ما ذهب إليه الجمهور في الكفاءة التي تكون في الرجل ليُزوّج، بأن قال: (أنّه يراعى أربعة أشياءٍ: الدين، والحرية، والنسب، والصنعة، فلا تزوج المسلمة من كافرٍ، ولا الصالحة من فاسقٍ، ولا الحرة من عبدٍ، ولا المشهورة نسباً من الخامل، ولا بنت تاجرٍ، أو من له حرفةً طيبةً ممن له حرفةً خبيثةً، أو مكروهةً، فإن رضيت المرأة، أو وليها بغير كفءٍ، صح النكاح كذا في المرقاة).[5]
الخُلق والدين في الزوج
لا بدّ من تفصيلٍ في صفتي الخُلق والدين اللتين ذُكرتا في الحديث الشريف، وفيما يأتي بيانهما:[6]
- التوحيد: وهو أصل الدين وأوّله، وهو الفارق بين الإيمان والشّرك، والموحّد التوحيد الحقّ، يكون بعيداً عن الخزعبلات والخرافات، وتكون عبادته صحيحةً، وأخلاقه متينةً، سهل التعامل والتعاون معه، مدركٌ لمتطلبات الحياة الزوجية، بعيدٌ عن الأوهام، والبدع، والفواحش، وكبائر الإثم، ولأنّ التوحيد هو أساس القبول عند الله تعالى، فإنّ الموحّد مقبولٌ عنده سبحانه، يقبل توبته وإنابته، ولأنّ التوحيد مقابلٌ للنفاق، فإنّ الموحّد كذلك بعيدٌ عن النفاق وأشكاله، كأن يحكّم شرع الله في حياته، وشؤونه في بيته، ومع زوجته، يودّ أهل الإيمان والتقوى، ويعادي أهل الكفر والطغيان، والأمور المترتّبة على النفاق كثيرةٌ متشعّبةٌ: كأن يُبطن المرء في قلبه الحب والودّ لأهل الكفر، أو يرضى بأحكام وأعمال الجاهلية؛ كالربا، والفخر بالنسب، والحسب، والمال، أو النياحة على الأموات، وشقّ الجيوب، وغير ذلك، وخُلاصة القول أنّ من اقترنت من النساء برجلٍ موحّدٍ تطمئنّ لدينه، وإيمانه، فإنّها بذلك قد اختصرت من حياتها جانباً كبيراً من المشاكل والخلافات الزوجية، التي قد تنشأ من كونه منافقاً، أو بعيداً عن التوحيد الحقّ، الذي يرضاه الله تعالى لعباده.
- التقوى: وهي الغاية التي ينشدها كلّ مسلمٍ في حياته، وأول الخطوات لوصول الجنات، قال الله تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)،[7] والتقوى هي السبيل إلى النجاة من النار كذلك، حيث قال أيضاً: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)،[8] والتقوى سببٌ لنيل العلم النافع في الحياة، والميسّر لكلّ عسيرٍ، وسببٌ للبركة في الأرزاق، وجلبٌ المغفرة من الذنوب، وهي رحمةٌ لصاحبها، وقد وعد الله تعالى أهل تقواه أن ينزّل عليهم بركاتٍ من السماء والأرض، كما في قوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)،[9] وحتى تستقرّ التقوى في قلب العبد، فلا بدّ من صفتين رئيسيتين قبل ذلك، هما: الخوف من الله تعالى، والحياء منه، فالحياء يمنعه من ارتكاب المعاصي، وهو يعلم أنّ الله مطّلعٌ عليه، مراقبٌ له، والخوف منه تدفعه إلى الترفّع عن أي أذى قد يُوقعه في أحدٍ من العباد، أو أي ظلمٍ قد يقع منه على أحدٍ، وهاتين الصفتين تتحققا فيمن وقرت تقوى الله في قلبه، وهو ما تحتاجه الزوجة في حياتها الزوجية، فالزوج التقيّ يحبها، ويصونها، ويحفظها، ويكرمها، ويرعى مشاعرها، ويصبر على أخطائها، ولذلك فعندما جاء رجلٌ إلى الحسن البصريّ، يسأله عن صفات الرجل الذي يرضاه لابنته، قال: (ممّن يتقي الله، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها).
- الأمانة: وهي من أهمّ الصفات في الزوج كذلك، فالمرأة تحتاج الرجل الأمين الذي يقبل على عائلته متحمّلاً مسؤوليتها على أكمل وجهٍ، فلا يتهرّب ولا يقصّر في قضاء حوائجهم، وهو كذلك أمينٌ على زوجته، يعفّها، ويحبّها، ويغار عليها، يقضي وطرها كما تحبّ وترجو، يصونها عن الحرام، ومن ثمّ يربّي أبناءها وهو مدركٌ أنّه المسؤول عن رعيّته.
المراجع
- ↑ سورة الرعد، آية: 38.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2383، صحيح.
- ↑ "كيف تحصلين على زوج مناسب"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-10. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1084، حسن صحيح.
- ↑ "الصفات المطلوبة في الرجل الذي تختاره المرأة زوجا"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-9. بتصرّف.
- ↑ "من أسس اختيار الزوج"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-9. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 63.
- ↑ سورة مريم، آية: 72.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 96.