صفات المنافقين في القرآن
النفاق
يُعتبر النفاق الأكبر هو النفاق الاعتقادي؛ وهو الذي يُعدّ صاحبه كافراً مخلّداً في الدرك الأسفل من النار، ومن الجدير بالذكر أنّ للنفاق الاعتقادي صورٌ عديدةٌ، منها: بُغض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو بُغض بعض ما جاء به، أو الفرح بانخفاض دين الله عزّ وجلّ، أو كراهية انتصار دين النبي عليه الصلاة والسلام، أو تكذيب رسول الله، أو عدم تصديق بعض ما جاء به، أو عدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر، أو عدم اعتقاد وجوب تصديقه فيما أخبر، أو التعييب عليه، أو أذيته، أو لمزه، كما فعل ذو الخويصرة التميمي، الذي اعترض على قسمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لغنائم حنين، وقال قولته الخبيثة: (اعدل يا محمد)، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ويلكَ، ومن يعدلْ إذا لم أعدلْ، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدلُ)،[1] ومن صور النفاق أيضاً؛ السخرية من المؤمنين، والاستهزاء بهم لأجل إيمانهم وطاعتهم لله تعالى، أو الإعراض والتوالي عن حكم الله، وحكم النبي عليه الصلاة والسلام، أو مناصرة الكفار، ومظاهرتهم على المؤمنين.[2]
صفات المنافقين
يُعرف المنافقون بلؤم سرائرهم، وحقدهم على الإسلام، وجبنهم في المواقف، وامتناعهم عن المصارحة والمواجهة، ومع ذلك هم لا يخفون على من أنار الله بصيرته، فالله تعالى أوضح صفاتهم وجلّاها، ويمكن بيان صفات المنافقين فيما يأتي:[3]
- السخرية من الدين ومن المؤمنين؛ فدائماً ما يتهكّم المنافقون من المؤمنين ومن دينهم، ويصفونهم بالسفه، ويلمزونهم في دينهم، وقد بيّن الله تعالى هذه الصفة للمنافقين في قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗأَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ)،[4] بينما يمدحوا الكفار، ويحاولون التقرّب إليهم، وموالاتهم؛ لأنّ ملّة الكفر واحدةً، فالمنافقين والكفار في خندقٍ واحدٍ، ويجمعهم همٌّ واحدٌ، وهدفٌ واحدٌ، وهو عداوة الإسلام، وصدّ المسليمن عن دينهم، ولذلك يحاولون فضح أسرار المسلمين، ونقل أخبارهم، والتجسّس عليهم.
- توقّع هلاك المؤمنين، وتمنّي ذلك، فقلوب المنافقين ميتةٌ لا حياة فيها، فهي قلوبٌ لا تعرف حُسن الظنّ بالله، فهم لا يؤمنون بأنّ الله سينصر عباده الصالحين، ولذلك دائماً ما يتوقّعون هلاك المؤمنين، وانتهاء دعوتهم عند إقدامهم على الجهاد في سبيل الله، ومواجهة الباطل المدجّج بالقوة المادية، مصداقاً لقول الله تعالى: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا).[5]
- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؛ فالمنافقين نصّبوا أنفسهم خط الدفاع الأول عن الرذائل، وحماية أهل المنكرات، وفي المقابل فإنّهم يبذلون كلّ ما في وُسعهم في محاربة الخير والفضيلة، والنيل من أهل الدين، ويسعون لصدّ الناس عن كلّ بابٍ من أبواب الأخلاق الفاضلة، وقد بيّن الله تعالى أنّ ذلك من صفاتهم في القرآن الكريم، حيث قال: (المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعروفِ وَيَقبِضونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنافِقينَ هُمُ الفاسِقونَ).[6]
- توفير الغطاء الشرعي لأعمالهم؛ إذ إنّ المنافقين دائماً ما يحذرون من ظهور باطنهم للناس؛ لأنّهم يُبطنون النفاق ويظهرون الإيمان، فيحاولون سبغ أعمالهم بصبغة الشرع، وإيهام الناس بأنّ أعمالهم من الدين، وتصبّ في مصلحة الإسلام، وذلك من خلال خداع المسلمين، والكذب عليهم، والمثال على ذلك ما فعله أحد المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، وهو جد بن قيس عندما دعاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الجهاد في سبيل الله، وقال له: (يا جَدُّ هل لكَ في جلادِ بني الأصفرِ، قال جدٌّ: أوْ تأذنْ لي يا رسولَ اللهِ، فإنّي رجلٌ أُحِبُّ النساءَ، وإنّي أخشى إن أنا رأيتُ بناتِ بني الأصفرِ أن أُفتَنَ، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو مُعرضٌ عنهُ: قد أَذِنْتُ لك)،[7] فحاول إخفاء نفاقه، وقعوده عن الجهاد في سبيل الله، بإظهار العفّة والطهارة، والخوف من الوقوع في الفواحش، ولم يكن يتوقّع أنّ الله تعالى سيكون له بالمرصاد، ويكشف خبث سريرته، فالله تعالى كشف لرسوله زيف ادّعاء ذلك المنافق وأمثاله، حيث أنزل قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ).[8]
المنافقون في المدينة
ظهر النفاق في المدينة المنورة، وبلغ عدد المنافقين فيها نحو ثلاثمئةٍ وسبعين رجلاً وامرأةً، وقد حاول المنافقون جاهدين زرع الفرقة، والفتنة، والخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، ولكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المؤيد بالوحي من الله تعالى، استطاع التغلّب على كلّ محاولاتهم، إذ إنّ الله تعالى هيّأ له أسباب القوة، والحكمة، وبُعد النظر، وتجدر الإشارة إلى أنّ المنافقين في المدينة كانوا من بعض الأوس والخزرج الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان، وإمّا من أهل الكتاب الذين تظاهروا بالإسلام، وإمّا من الأعراب الذين سكنوا حول المدينة، وكان من منافقي الأوس والخزرج: عبد الله بن أبي بن سلول، الذي لعب دوراً خطيراً في إثارة الفتن خلال العهد المدني، ونزلت فيه آياتٌ من سورة النور يوم حادثة الإفك، وآياتٌ من سورة الحشر، ومن سورة المنافقون، ومنهم: الحارث بن سويد، وأخوه جلاس بن سويد الذي نزلت فيه آيةٌ من سورة التوبة، وهي قول الله تعالى: (يَحلِفونَ بِاللَّـهِ ما قالوا وَلَقَد قالوا كَلِمَةَ الكُفرِ وَكَفَروا بَعدَ إِسلامِهِم)،[9] ومنهم أيضاً: بجاد بن عامر، وأبو حبيبة بن الأزعر الذي كان من الذين شاركوا ببناء مسجد الضرار، وأمّا من أحبار اليهود الذين ادّعوا الإسلام، فمنهم: عثمان بن أوفى، ونعمان بن أوفى، وزيد بن اللصيت، وسعد بن حنيف.[10]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3610، صحيح.
- ↑ "النفاق.. حقيقته، أنواعه، صوره"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2018. بتصرّف.
- ↑ "صفات المنافقين في القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 13.
- ↑ سورة الفتح، آية: 12.
- ↑ سورة التوبة، آية: 67.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 6/1225، إسناده حسن.
- ↑ سورة التوبة، آية: 49.
- ↑ سورة التوبة، آية: 74.
- ↑ "المنافقون في المدينة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.