مفهوم مجتمع المعرفة
مجتمع المعرفة
تسبَّبت التكنولوجيا في إحداث تَطوُّر كبير في المجتمعات، حيث أصبح العالَم قريةً صغيرة ليس فيها أيّ حواجز ثقافيّة، أو جغرافيّة، أو حتى زمانيّة، كما أنّ المجتمع المُعاصر أصبح يُوصَف بأنّه مجتمع المعلومات، أو المعرفة؛ نظراً لأنّ المعلومات تتدفَّق فيه بسهولة، دون جهد، ولا تكاليف باهظة، ومن الجدير بالذكر أنّ المعرفة ساهمت بدورها في تغيير المجتمعات بشكل عامّ، والاقتصاديّة منها بشكل خاصّ، فأصبحت بذلك ذات أهمّية في بناء القرارات الفعّالة، وبالتالي التصرُّف الحكيم، ممّا جعلها العنصر الحيويّ في تقدُّم الأُمَم، وتطوُّرها. ومن هنا كان لا بُدَّ من إلقاء الضوء على مفهوم مجتمع المعرفة، وأبرز خصائصه، وأبعاده، وأُسس بنائه.[1]
مفهوم مجتمع المعرفة
تُعَدُّ المعرفة مصدراً للفعل (عَرَفَ)، وهي ضِدّ النكرة، وجَمعها (معارف)، وهي تعني: إدراك الشَّيء على ما هو عليه، يُقال: يَعرِفُه حقَّ المَعرِفة؛ أي يعرفه جيِّداً، وتعني مَعرِفة الذَّات: تفهُّمُ الشَّخص لطبيعته، أو قدراته، أو حدوده ، ووعيه بالمُميِّزات، والخصائص المُكوِّنة لذاته،[2] أمّا اصطلاحاً فهي تعني: ما يتكوَّن لدى الإنسان من مفاهيم، ومُعتقَدات، وأحكام، وتصوُّرات تتعلَّق بكلّ ما يحيط، ويتَّصل به؛ بسبب محولاته المُتكرِّرة لفهم ما يدور حوله من ظواهر.[3]
وبالنظر إلى المفهوم السابق للمعرفة، فإنّه يجدر القول إنّ مجتمع المعرفة هو مصطلحٌ حديث لم تتمخَّض الدراسات عن تعريف واضح، ودقيق له، إلّا أنّ هناك من حاول تعريفه من المُختصِّين؛ بهدف تقديم تعريف شامل يتعلَّق به، وفي ما يأتي بعض هذه التعريفات:[4]
- عرَّفه (تقرير برنامج الأُمَم المُتَّحِدة الإنمائيّ لعام 2003م) على أنّه: "ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة، وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعيّ: الاقتصاد، والمجتمع المدنيّ، والسياسة، والحياة الخاصّة، وصولاً لترقية الحالة الإنسانيّة باطِّراد؛ أي إقامة التنمية الإنسانيّة".[4]
- عرَّفه (التركمانيّ) على أنّه: "ذلك المجتمع الذي يتَّخذ المعرفة هدفاً رئيسيّاً، تخطيطيّاً، وتطبيقيّاً، في شتّى مجالات حياته، ويُحسِن استعمال المعرفة في تسيير أموره، وفي اتِّخاذ القرارات السليمة، والرشيدة، وهو ذلك المجتمع الذي ينتج المعلومة؛ لمعرفة خلفيّات، وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها، ليس في بلده فقط، بل في أرجاء العالَم كلّه".[5]
- عرَّفه (المؤتمر الإقليميّ الأوروبّي لعام 2002م) على أنّه: "المجتمع الذي يُتاح فيه للأشخاص جميعاً، بدون تمييز من أيّ نوعٍ كان، ممارسة حقّهم في حُرّية الرأي، والتعبير، بما في ذلك حُرّية اعتناق الآراء بدون تدخُّل، وحُرّية التماس، وتلقّي، وإصدار المعلومات، والآراء، من خلال أيّ وسيلة اتِّصال، وعَبر الحدود الجغرافيّة".[5]
ومن خلال التعريفات السابقة، فإنّه يمكن استنتاج أنّ مجتمع المعرفة يعني: المجتمع الذي يُتيحُ لأفراده حُرّية امتلاك المعلومات، ونقلها، وبثّها، وتبادلها، عن طريق التقنيات الحاسوبيّة، والمعلوماتيّة، والفضائيّة المُتعدِّدة، وتوظيفها؛ لتحسين مستوى حياة الإنسان، وخدمته.[3]
خصائص مجتمع المعرفة
تعدّدت سمات، وخصائص مجتمع المعرفة تبعاً لتعدُّد آراء الباحثين في هذا المجال، وفي ما يأتي ذِكرٌ لبعض هذه الخصائص:[5]
- توفُّر البُنية التحتيّة، والتي تكون مَبنيّة على تكنولوجيا الاتِّصالات، والمعلومات.
- تبادل المعلومات بكلّ سهولة، بحيث تكون مُتاحة للأفراد جميعهم.
- المقدرة على الابتكار، حيث إنّ استخدام العقل يساهم في إنتاج المعارف، وتوليدها.
- توفُّر المشاركة من قِبَل جماهير واسعة، وأفراد ينتجون المعرفة، كالعلماء، والباحثين، والمُبدعين، وغيرهم.
- التغيُّر نحو التعليم الإلكترونيّ بدلاً من النمطيّة السائدة في التعليم.
- تجدُّد المعرفة باستمرار.
- إتقان صناعة المعلومات، ونشرها، وتوزيعها، وتبادلها، واستخدامها، وما إلى ذلك من أمور.
- الاعتماد على أنظمة الإدارة الإلكترونيّة، والإدارة الإبداعيّة، وإدارة المعرفة، حيث تُعتبَر هذه الطُّرُق غير نمطيّة في المؤسَّسات.
- زيادة أعداد الموارد البشريّة المُدرَّبة، والمُتميِّزة، والتي تتَّصف بالمقدرة على الإبداع، والابتكار.
- توفُّر مراكز البحوث، والتطوير، بإمكانيّاتها البشريّة، والمادّية.
- نموّ ثقافة التعلُّم الذاتيّ، والتعليم المستمرّ مدى الحياة.
- تنمية المقدرة على اتِّخاذ أكثر القرارات فعاليّة.[6]
- التركيز على العمل الذهنيّ، وذلك من خلال حلّ المشكلات، وتنمية الفُرَص أمام الفرد، وغيرها من الأمور.[6]
أبعاد مجتمع المعرفة
لمجتمع المعرفة عدّة أبعاد يمكن تلخيصها في ما يأتي:[4]
- البُعد التكنولوجيّ: حيث يتمّ تطبيق التكنولوجيا في مجالات الحياة المختلفة جميعها.
- البُعد الاقتصاديّ: حيث تُعَدّ المعرفة الركن الأساسيّ لترشيد الاقتصاد، وتوفير فُرَص العمل، والقيمة المُضافة، ويُقصَد بهذا أنّ المجتمع الذي يستخدم المعلومة في نشاطاته الاقتصاديّة كلّها هو المجتمع الذي يفرض نفسه، ويكون قادراً على المُنافسة.
- البُعد السياسيّ: حيث يكون للأفراد جميعهم دورٌ في اتِّخاذ القرارات بطريقة رشيدة تُبنى على الاستعمال الفعّال للمعرفة، وهذا يتأتّى بتوسيع دائرة الحُرّية في تبادل المعلومات، وتحقيق مفاهيم العدالة، والديمقراطيّة، والمساواة، والمشاركة السياسيّة الفاعلة.
- البُعد الاجتماعيّ: حيث يُعَدُّ الاهتمام بزيادة مستوى الوعي بأهمية المعرفة، وتكنولوجيا المعلومات في حياة الفرد اليوميّة أمراً مهمّاً، وذلك من خلال الاهتمام بمُعدَّل التجدُّد، والكمّ، والكيف، وسرعة التطوُّر، وغيرها من الأمور.
أسس بناء مجتمع المعرفة
أوردَ تقرير التنمية الإنسانيّة العربيّة مجموعةً من الأُسُس التي لا بُدّ منها؛ لبناء مجتمع المعرفة، وهي:[1]
- إنشاء نموذج معرفيّ عامّ، بحيث يكون مُنفتحاً، ومُستنيراً، وأصيلاً.
- الاهتمام ببناء المقدرة الذاتيّة على البحث، والتطوير التكنولوجيّ في الأنشطة المجتمعيّة جميعها، وتوطين العلم.
- الاهتمام بحُرّيات التعبير، والرأي، وضمانها، حيث إنّ من شأنها أن تؤدّي إلى إنتاج المعرفة، ممّا يعني الإبداع، والتطوير، والابتكار التكنولوجيّ، وما إلى ذلك من أمور.
- الاهتمام بنشر التعليم الراقي بشكل كامل، مع الحرص على التعليم المستمرّ مدى الحياة، وإعطاء الأولويّة للتعليم في مرحلة الطفولة المُبكِّرة، وتحسين جودة التعليم في المراحل جميعها، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير التعليم العالي، كما لا بُدّ من تعميم التعليم الأساسيّ بحيث يكون مُتاحاً للجميع، مع زيادة الفترة الخاصّة به إلى عشرة صفوف كحدٍّ أدنى.
- الاهتمام بالتحوُّل إلى إنتاج المعرفة بشكلٍ حثيث في البيئة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، وذلك عن طريق التنويع في الأسواق، والاعتماد على المعرفة الذاتيّة، والقدرات التكنولوجيّة، وتطوير الموارد القابلة للتجدُّد.
المراجع
- ^ أ ب د/ عبدالرحمن عبدالسلام جامل، ود/ محمد عبدالرازق إبراهيم ويح (2006م)، التعليم الالكتروني كآليّة لتحقيق مجتمع المعرفة ، البحرين: جامعة البحرين- مركز التعليم الإلكتروني، صفحة 11، 1. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى معرفة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2018.
- ^ أ ب صالح شاكر حسين (2016م)، إسهامات الجامعات العراقية في بناء مجتمع المعرفة، العراق: جامعة القادسية، صفحة 8-9. بتصرّف.
- ^ أ ب ت لامية حروش، د.محمد طوالبية، دور مجتمع المعرفة في تحقيق التنمية المستدامة في الجزائر، الجزائر- الشلف: جامعة حسيبة بن بوعلي، صفحة 2-3.بتصرّف.
- ^ أ ب ت نهلة عبدالقادر إبراهيم قيطة (2011م)، دور الجامعات الفلسطينية في بناء مجتمع المعرفة و سبل تفعيله، غزّة: الجامعة الإسلاميّة، صفحة 28، 22-21. بتصرّف.
- ^ أ ب أ.د ربحي مصطفى عليان (2012م)، مجتمع المعرفة: مفاهيم أساسيّة، قطر- الدوحة: المؤتمر ال23 للاتّحاد العربيّ للمكتبات والمعلومات، صفحة 2137. بتصرّف.