-

مفهوم الحج لغة وشرعاً

مفهوم الحج لغة وشرعاً
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

فريضة الحج

شرع الإسلامُ جملةً من الأعمال الصّالحة والعبادات التي تهدفُ إلى تحقيق أهدافٍ عظيمةٍ في نفس المُسلم وحياته؛ فهي تزيدُه قرباً من خالقه وتقوّي علاقته به، كما تُساهمُ في تنقية قلبه وتطهيره وتزكية نفسه، كما أنّ لجميع العبادات معانٍ مشتركة فيما بينها، بيدَ أنّ لكلّ عبادةٍ معنًى خاصّ تتفرّد به دون غيرها، ومنها عبادةُ الحجّ التي تعدُّ من أكثر العبادات التي تُنمّي في نفس المسلمين تعظيم حرمات الله وشعائره وتُعلي من مخافة الله وخشيته، كما تُربّي المسلمين على الصّبر والرّحمة وغيرها من الأخلاق الفاضلة.[1] فما هو مفهوم الحجّ لغةً وشرعاً؟ وما أنواع نسكه؟ وما الحكمة المرجوة منه؟ هذا ما سيناقشه المقال.

مفهوم الحجّ

الحجُّ لغةً

يُعرّف الحجُّ لغةً بأنّه القصدُ والإرادة، والتردّد عليه مرة بعد مرة،[2] كما أنّ الحجّ هو قصدٌ لشخصٍ مُعظّمٍ صاحبُ مكانةٍ عظيمة، فيُقال: هذا الشّخصُ مقصودٌ ومحجوج لكونه يتمتّع بصفاتٍ عظيمة، ومن يؤدي فرضِ الحجّ يُقالُ له: رجلٌ حاجٌّ، والجمعُ حجيجٌ وحُجّاج،[3] وقد يُعبّر عن الجمعِ كذلك بكلمة المفرد: الحاجّ، لكونِ الكلمة هذه تُطلقُ في سبيل الإفراد والجمع، كما في قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ)[4]، حيثُ قصدَ الله تعالى هُنا سقاية الحُجّاج بالجمع.[2]

الحجُّ شرعاً

يُعرّف الحجُ شرعاً بأنّه قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة، أو هو زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص، أما المكان هو الكعبةُ المُشرّفة وجبلُ عرفة، وأما الوقتُ هو أشهرُ الحجّ الثلاث: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، ولكلّ فعلٍ ومنسكٍ وقتٌ خاصّ شُرعَ له، فالوقوفُ بعرفة مثلاً يبتدئ من زوال شمسِ يومِ عرفة لطلوعِ فجرِ يومِ النَّحر، ومعنى الفعلِ المخصوص أن يكون الحاجُّ مُحرماً ويأتي بنيّة الحجّ لمناطق معيّنة.[5]

لا يُطلقُ الحج شرعاً لمن قصدَ غير مكّة والبيت الحرام، فمن قصدَ الذّهاب للمسجدِ النّبوي مثلاً لقصدِ الصّلاة فيه، فلا يُعدّ هذا حجّاً إنّما يُعدُّ زيارةً، ومن قصدَ مكّة لغرضِ الزيارة أو التّجارة أو أيّ من الأغراض المُباحة الأخرى، فلا يُعدّ هذا حجّاً أيضاً، فليسَ كلّ من قصدَ مكّة حاجّاً إنّما الحاجُّ هو من قصدَ مكّة بنيةٍ مخصوصةٍ لأداءِ مناسكَ مخصوصة في وقتٍ مخصوص سبقَ ذكره.[2]

أنواع نسك الحجّ

حجّ التمتّع

يُعرّفُ حجّ التمتّع بأنّه أن يؤدي الحاجّ عمرةٍ خلالَ أشهرِ الحجّ ليتحلّلّ منها بعد ذلك ويؤدّي مناسك الحجّ جميعها، ويبدأ الإحرامُ للحاجّ المُتمتّع من بداية اليوم الثامن من ذي الحجة،[6] وقد أطلقُ اسم (التّمتعُّ) على هذا الحجّ لأنّ الحاجّ يتمتّع بالتّحللّ من إحرامه ويُمارس ما أحلّ له من مباحات بين العمرة وفريضة الحج، بالإضافة إلى كونه قد تمتّع وانتفع بأداء النُّسكين؛ الحجّ والعمرة في أشهرِ الحجّ في عامٍ واحد دون أن يتكلّف عناء الرّجوع لبلده والعودة مرّة أخرى.[7]

حجّ القران

يُعرف حجّ القران بأن ينوي الحاجّ أداء عمرة وحجّ معاً فيقول: (لبيك حجّاً وعمرة)، أو يُحرَم للعمرة من الميقات ليُدخِل عليه الحجّ بعد ذلك قبل شروعه في الطّواف، ثمّ يتوجه إلى مكة ويؤدي طواف القدوم، ولو أراد أن يُقدّم السّعي بين الصّفا والمروة فليفعل، وإلّا يؤخّره لما بعد طواف الإفاضة، ويبقى محرّماً ليؤدي كافةّ مناسك الحجّ من الوقوف بعرفة ورمي الجمرات وغيرها، ويتحلّل من إحرامه يومَ النّحر، ومن الجدير بالذّكر أنّ على المُتمتّع والقارن هديٌ إن لم يكونا من حاضري البيت الحرام؛ وذلك شكراً لله على نعمته التي تفضّل عليهما بها حيثُ يسّر لهما تأدية نُسكين في سفرٍ واحد.[6]

حجّ الإفراد

يعرفُ حجّ المُفرد بأنّه أن يُحرم المُسلم بنيّة الحجّ وحده، دون أن يُحرمَ للعمرةِ أولاً، ويكون ذلك في أشهرِ الحجّ حيثُ يقولُ عند الإحرام: (لبيك حجًّا)، وعليه حين يصل إلى مكّة أن يطوفَ طوافَ القدوم، كما أنّ له إن أراد أن يسعى للحجّ، أو يُؤخِّر ذلك لما بعد طواف الإفاضة، ومن المهمّ أن يتذكّر الحاجُّ في هذا النّوع من الحجّ أن عليه أن يبقى مُحرماً بالإحرام ذاته الذي ابتدأ به الحجّ حتّى يأتي يوم العيد ويتحلّل منه.[6]

إنّ هُناك خلافاً بين العلماء في أكثرِ أنواع الحجّ فضلاً، فهُناك من يقول إنّ حجّ التّمتُّعِ أكثر أجراً وهُناك من يقول إنّ المُفرد أكثر أجراً وأعظم، فقد قال المالكية والشّافعية بكونِ حجّ المفردِ هو الأفضل، وقد عدّ الأحنافُ حجّ القِران أفضل، أما قولُ الحنابلة ففحواه أنّ حجّ التّمتّع أفضل،[8] وأخيراً ذهبَ جمهورُ العلماء إلى أنّ حجّ التّمتُّع أفضل اتّباعاً لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع وذلك بأن يجعل الصحابة نيّة الحجّة تمتّعاً،[9] إلّا أن أهل العلم قد أجمعوا على جواز الإحرامِ بأيّ نوعٍ من أنواع النُّسك الثلاثة هذه والحجّ بها.[6]

حكمة مشروعية الحجّ

تنطوي الكثير من الحِكم والأسرار والمنافع على أداء فريضة الحجّ منها:[5]

  • يُعتبرُ الحجّ مُعلّماً للإيمان والأعمال الصّالحة، ففيه يعتاد المسلمون على الأخلاق والأعمال الفاضلة كالرّحمة، والصّبر، والتّواضع، وفيه تزيد خشيتهم من خالقهم لتذكّرهم أهوال اليوم الآخر، كما يستشعرون لذّة العبودية ويعرفون عظّمة الخالق وحاجتهم إليهم.
  • يُعدّ الحجُّ مظهراً يُبيّن مقدار الوحدة والإخوّة الإسلاميّة، ففيه تُنحّى الفوارق والاختلافات، فلا تعود فوارق الألوان، ولا اللغات، ولا الأوطان، والطبقات، والأجناس ذات أهميّة أو جدوى، فالجميعُ بلباسٍ واحدٍ، قاصدونَ قبلةً واحدةً ويعبدون ربّاً واحداً.
  • يُعتبر الحجُّ موسماً عظيماً يكتسبُ منه المسلمَ الكثير من الأجر والثّواب، ففيه تُنقّى نفسه وتغسلُ ذنوبه وتنزل عليه الرّحمات، حيثُ يقفُ الحجّاج جميعاً بين يدي ربٍّ كريم مُعظّمين له ومُعترفين بعظمته وذنوبهم، مُظهرين عجزهم عن أداء حقّه عليهم، فيتوبُ الله عليهم جميعاً، ويغفرُ ما كان منهم قبل ذلك.

المراجع

  1. ↑ "أسرار ومقاصد الحج"، اسلام ويب ، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2017.
  2. ^ أ ب ت د. سلمان العودة، "تعريف الحج لغة واصطلاحاً"، موسوعة د.سلمان العودة، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2017.
  3. ↑ صلاح عباس (27-7-2017)، "مفهوم الحجِّ في اللُّغة العربيَّة"، الملتقى الفقهي، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2017.
  4. ↑ سورة التوبة، آية: 19.
  5. ^ أ ب "مفهوم الحج والعمرة "، طريق الاسلام، 30-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2017.
  6. ^ أ ب ت ث "أنواع النسك"، اسلام ويب ، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2017.
  7. ↑ "التمتع والقران والإفراد"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2017.
  8. ↑ "الحج على المذاهب الأربعة"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2017.
  9. ↑ محمد ناصر الدين الألباني (2-12-2007)، "حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2017.