مفهوم الشعر والحرية
الشعر مرادف للحريّة
لا يمكن لقصيدة شعريّةٍ أن تحيا بمنعزلٍ عن الحريّة، فهي ماؤها وهي هواؤها، وهي خميرة الشعر التي تمده بالرؤية والقدرة على التغيير والتأثير، فالشعر حريّة والحريّة في الشعر، ولا بدّ من الوقوف بشكل جادٍ أمام المعوقات والموانع التي من شأنها قمع حريّة القصيدة الشعريّة، فلا معنى لقصيدةٍ لا تحمل تمرد ثائرٍ، وجنون شاعرٍ يهوى التعلّق بالسحاب، وكلمة حقٍ في وجه سلطانٍ جائرٍ، مسترسلاً في صوره الأدبية ونقلاته النوعية بين القضايا العامة والشخصية، وفي كل المحاور المجتمعيّة، والدينيّة، والسياسيّة، والأخلاقيّة.[1]
لا توهب الحريّة للشاعر فهو من يعطيها، وهو من يرسم وطنه ومن يرفع علمه ومن يبدّد الحدود ويفنيها، فلا يجوز التضييق على مانح الحريّة، فكيف نعيق الطريق على شاعرٍ في المهجر يزور محبوبته كلّ ليلةٍ عند عتبة ديارها العتيقة، وكيف نكمّم فاهه فلا نعطيه الفرصة ليتحدّث عن فئات المجتمع المكلومة وعن الأجساد المتناثرة تحت أنقاض الديموقراطية المزعومة! فلا حياة بلا حريّة، ولا مذاق للحريّة بلا شعر لا يتجاوز الفضاء.[1]
التجربة العربية
في التجربة العربية لا يوجد شاعرٌ حرٌ أبداً، وإن اعتقد ذلك فسيأتي يوم ويتعرقل عند منعطفٍ يوقظه من وهمه، وسيعلم أنّ هناك حداً لا يمكنه تجازوه، والشعراء في حالة نضالٍ مستمرٍ لنزع حريتهم من أفواه أصحاب السلطة، ولكنّ الخطر الذي يهدّد المستقبل الشعري هو أن يقضي هذا التخوّف من الاقتراب من المحظور على نزعة الشاعر وفلسفته الخاصّة، ويكوّن لديه هاجساً من كسر القيود والإنطلاق اللاحديّ ما يضع سقفاً للإبداع ويقلّل عدد الشعراء الحقيقيين، ويصبحوا البقية مجرد مسوّقين ومنظّرين ووسطاء وقصائدهم ما هي إلا وجبةٍ خفيفةٍ لصاحب السلطة أو تمجيد لحزبٍ عقيم.[1]
على الرغم من مساحة الحريّة التي أوجدها عالم الشبكة العنكبوتيّة في الوقت الحاليّ التي قد تكون فوضويّة وغير مسؤولة في بعض الأحيان متنافيةً مع الحريّة المسؤولة التي نطالب بها، إلّا أنّ النصوص الورقية لا زالت تتعرّض للضغوط وسياسة التضييق سواء من جهاتٍ عليا أو من قبل العقول الظلامية التي ترفض التنوير وإحراز أي تقدّم في مجتمعاتنا العربيّة، وتتصرّف مع بعض الأفكار المغلوطة على أنّها منزهة، والحديث فيها كفر عظيم.[2]
هناك محاولاتٍ شابةٍ من قبل شبابٍ شغوفٍ وبفطرةٍ شعريةٍ إبداعيةٍ تسترسل في قلمها، وتخلق لغتها الشعرية متماشيةً مع مستجدات العصر ومتطلباته، ولكنّ هذه المحاولات لم تصل للهرم بعد، ولم تلقى الدعم المطلوب.[2]
القالب الشعري
يجد شعراء العصر الحديث في الشعر الحر، مدىً واسعاً في التعبير عن خلجات النفس والأبعاد الأيديولوجية العميقة، فهو لا يشترط التعقيد في الكلام، ولا التقيّد بقالب شعري محكوم بشكلٍ معيّن لا يمكن الخروج عنه، بل وأخذ بعض الشعراء الحديثون يميلون إلى التحرّر من كل القيود الشعريّة السابقة، والبلاغة النمطية، فتجدهم يشكلون مزيجاً رائعاً يجمع بين القالب العمودي وشعر التفعيلة والنثر الأدبي.[3]
لا بدّ أن يرتبط حريّة اختيار القالب والبناء الشعري بحريّة اللغة التي يتحدث بها الشاعر ويخاطب بها أبناء جيله بأسلوبٍ إبداعيّ ، ويتّسم بالحيويّة، والجماليّة، العصريّة، فلم يعد مقبولاً التمجيد بنصر الماضي بينما يبتر الوضع الراهن أصغر حلمٍ في طور التكوين، ولا يجوز أن تختزل القصيدة كل مواضيعها في المعارضة السياسيّة أو ربط التحرّر الفكريّ في تحرّر جسد المرأة وبالتمرد على الدين، ولا بدّ أن يحمل الشعر في متنه رسالةً توعوية، ليكوّن إرثاً فنيّاً يستحق الإنحناء له ورفع القبعة.[3]
مراجع
- ^ أ ب ت "أمجد ناصر: أصبح الجوع والقتل والقمع مفردات يومية لا تشكل اغراء للقصيدة"، www.alghad.com، 15-1-2005، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب د. صالح سليمان (19-10-2007)، "ثقافة الخوف بين الأدب وقلة الأدب"، www.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم هلال (14-2-2018)، "الشعر الحر.. هل تحول لحجة البليد في عالم الأدب؟"، midan.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-6-2018. بتصرّف.