مفهوم تفاعل الحضارات
الحضارة
تعرف الحضارة لغة على أنها عكس البداوة وهي مرحلة سابقة من مراحل التطور الإنساني، كما أنّها تعني التمدن، وهي مصدر الفعل حضَرَ وجمعها حضارات،[1] ويمكن التعبير عن الحضارة لغة على أنها التمدن والتطور والإقامة في الحضر، أما اصطلاحاً فقد تعددت تعريفات الحضارة، حيث يعرفها ابن خلدون على أنها المفسدة للعمران، فيرى أن الحضارة تُعنى بإنشاء المدن المترفة والثرية التي يميل سكانها إلى الراحة بعد إنشائها، ليطمع بها سكان البادية ويغزوها ويستولوا على أموالها، ثم ما يلبث السكان الحضر أن يبنوا ثورة جديدة لتزول من جديد على أيدي غيرهم، وبالتالي من وجهة نظر ابن خلدون فإنّ الحضارة تفسد العمران؛ ففي البداية تعمر المدن، وتزول ما إن يستريح أهلها،[2] كما يرى ابن خلدون أن الحضارة طور من أطوار المجتمعات، وهي طور طبيعي يعبر عن التفنن في الترف الذي ينقل الناس من البداوة إلى التحضر والذي يؤدي بدوره إلى شيوع مظاهر الفساد، ومن ثم يبدأ الهرم والخراب في المجتمعات.[3]
تفاعل الحضارات
والثقافات التي تنتج عن تفاعل الحضارات هي نتاج إنساني تتغير وتتكيف تبعاً للحضارات المتفاعلة، فيُعاد تشكيل هذه الثقافات مُنتجة ثقافة جديدة في طبيعتها وفلسفتها إلّا أنّها تناسب ثقافة الحضارات المتفاعلة. وتعتمد شدة التأثير والتأثر الحاصل في هذا التفاعل والتبادل على قوة ومدى انتشار وسائل الاتصالات، وعلى الفرق في درجة التقدّم ومقدار القوّة بين الحضارات المتفاعلة، وكذلك على استعداد أفراد تلك الحضارات النفسي والعقلي وجاهزيّتهم لهذا التفاعل.[4]
إن التبادل والتفاعل بين الحضارات لا يلغي خصوصية أي حضارة، وإنما يزيد من وعي الأفراد بقيم الحياة ومقوماتها، كما أن من شأنه تقريب الصلات بين الأفراد وإزالة الكثير من المخاوف، وتخضع جميع الحضارات إلى مبدأ التفاعل. ويعدّ التفاعل الصحيّ بين الحضارات هو الذي يحدث في جو سليم ينعم بالحرية والرضى والتساوي، وتسفر عنه نتائج مثمرة، أما فساد التفاعل الحضاري فيكون عندما يحدث في أجواء الحرب، أو نتيجة الكبت والقهر، أو التفاعل الذي يحدث لمصلحة جهة معينة وإهمال مصالح الجهات الأخرى.[4]
نظرية صدام الحضارات
مما يجدر التطرق إليه عند البحث في مفهوم تفاعل الحضارات هو مفهوم صدام الحضارات (بالإنجليزية: Clash Of Civilizations)، وهي عبارة عن نظرية أو أطروحة ظهرت على يد أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد في عام 1993م، والذي يُدعى صموئيل هنتغتون حيث نشر في عام 1993م مقالة عنوانها صدام الحضارات، وأعاد صياغتها في عام 1996م بعد أن وجدها قد لقيت قبولاً كبيراً، ليصبح عنوانها صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي،[5]
وقد أثارت هذه الأطروحة ردوداً متباينة في الأوساط الأكاديميّة والثقافيّة والسياسيّة؛ فهناك من قام بتأييدها، أو من تحفظ عليها، أو رفضها، كما وقد نشأ جدل ونقاش سياسي واستراتيجي وثقافي حولها. وقامت نظرية صدام الحضارات عند هنغتنتون على فكرة أن الحضارة والثقافة هما العامل الجديد الذي سوف يتحكم فيما ستؤول إليه العلاقات الدولية؛ وأن أي انقسام عالمي سيكون مبنيّاً على أساس حضاري، وأن الصدام سيكون بين مجموعة حضارات متنافسة تنقسم وتتحيّز بناء على مدى انسجامها مع الحضارات الأخرى. ويمكن القول إن هنغتنتون لم يفصل ين الثقافة والحضارة فهما عنده سواء، وقد بين أن الصراع الحضاري هو المحور الأساسي الذي تدور حوله السياسات العالمية وهو الذي يتحكم في مجريات العلاقات بين دول العالم.[6]
وقد قسم هنتغتون الحضارات العالمية إلى ثماني حضارات يُعدّ الدين المعيار الأساسي للفصل بينها، وهي الحضارة الغربية، والحضارة الكونفوشيوسيّة (الصينية)، واليابانية، والإسلامية، والهندية، والأرثوذكسية، واللاتينية، وأخيراً الحضارة الأفريقي.
التفاعل الحضاري في الإسلام
إن التفاعل الحضاري من وجهة نظر الإسلام هو عملية قائمة على التحاور وليس على الصراع، كما يرى الإسلام أن التفاعل الحضاري هو عبارة عن حوار دائم يهدف إلى الخير والعدل والتسامح، وقد قامت الحضارة الإسلامية في أساسها بالتفاعل الحضاري واعتمدت على الحوار في المقام الأول، حيث اقتبست الكثير من الحضارات التي سبقتها، واستفادت من ثقافات الشعوب والأمم المختلفة، كما شهد العديد من المؤرخين على دور الحضارة الإسلامية في نقل المدنية نحو العالم الغربي من خلال تطورها وإبداعها النابع من قوتها الذاتية، وقد احتلت الحضارة الإسلامية الصدارة منذ بدء العصور الوسطى في المشرق والمغرب، فقد نمت الحضارة الغربية في ظل الحضارة الإسلامية والتي كانت تتمتع برقي كبير في ذاك الوقت، كما ساعدت الحضارة الإسلامية العالم المسيحي على استعادة حصته من التراث اليوناني العلمي والفلسفي في العصور الوسطى.[7]
إن الإسلام يدعو دعوة صريحة إلى التفاعل الحضاري من خلال مبدأ الحوار الذي نادى به، كما أن مبدأ التسامح الذي يقوم عليه الإسلام سمح للأمة الإسلامية أن تحتك وتتفاعل مع الأمم الأخرى، حيث يعد التسامح القاعدة الأساسية والأولى في التفاعل الحضاري، ويقصد بذلك التسامح الديني الذي يمنح كل طائفة حرية تأدية شعائرها الدينية وأن يبقى الجميع في ظل الدولة الإسلامية وأمام قوانينها سواء ودون تفرقة،[7] وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى وحرصت على التقرب منها والتعرف عليها، وخير مثال على ذلك اهتمام الخلفاء المسلمين بالميراث العلمي للأمم السابقة والذي استخدموه لبناء نهضة إسلامية وعلمية قوية تمثلت في عملية الترجمة للمؤلفات اليونانية والهندية والفارسية في مختلف المجالات وخاصة مجال الفلسفة ومجال العلم التجريبي، الأمر الذي أدى إلى التعرف على الأمم الأخرى والتقرب منها، وقد أصبحت الحضارة الإسلامية بهذا التعارف خير مكان يتقابل فيه أبناء الأمم الأخرى، ليحدث الحوار والتفاعل الحضاري البناء.[8]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى حضارة "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-1-5. بتصرّف.
- ^ أ ب عبداللطيف بن محمد بن عبدالعزيز الحميدان (2017)، سنن قيام الحضارات وسقوطها: قديمًا وحديثًا بآراء ابن خلدون (الطبعة الأولى)، الرياض- المملكة العربية السعودية: العبيكان للنشر والتوزيع، صفحة 11-12. بتصرّف.
- ^ أ ب عطية محمد عطية (2011)، مقدمة في الحضارة العربية الإسلامية ونظمها (الطبعة الأولى)، عمان- الأدرن: يافا العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 13-17. بتصرف.
- ^ أ ب ت عبد الله سليمان مليطان، الحقيقة السبئية وعمق صلتها بالفكر الشيعي، صفحة 10-12. بتصرّف.
- ↑ د. ليلى مداني، نقد أطروحة صدام الحضارات وواقع تحليلها ضمن مفهومي الاصولية ومفارقة الإرهاب ، صفحة 256-257. بتصرّف.
- ↑ عبد الحكيم سليمان وادي، "بحث اطروحة صدام الحضارات...صمويل هنتغتون"، www.rachelcenter.ps، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-9. بتصرّف.
- ^ أ ب الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري (2015)، الحوار والتفاعل الحضاري مـن مـنظور إسـلامـي (الطبعة الثانية)، الرباط- المملكة المغربية: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة- إيسيسيكو، صفحة 26-28. بتصرّف.
- ↑ أ.د. راغب السرجاني (2017-8-6)، "التفاعل الحضاري في العالم القديم"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-1-5. بتصرّف.