الفرق بين الثقافة والحضارة
تعريف الحضارة والثقافة
يعد الاختلاف الثقافي بين المجتمعات أحد المعايير التي تميّز المجتمعات عن بعضها البعض، وعند النّظر إلى أصل كلمة الثّقافة نجد أنّها مأخوذة من الكلمة ثَقِفَ، وتحمل كلمة ثَقِفَ عدّة معانٍ كالتّعليم والمعارف والفنون. إنّ أقدم مفهوم للثّقافة هو المفهوم الّذي وضعه إدوارد تايلور، والّذي يتحدّث عن أن الثّقافة هي كل ما يشتمل على العقائد، والمعرفة، وكذلك الفن والأخلاق وغيرها مما يكتسبه الإنسان، وقد تم وضع تعريف لمفهوم الثّقافة واتُّفق عليه في إعلان مكسيكو في السّادس من آب من عام 1982م، وقد نص هذا الإعلان على المعنى الواسع للثّقافة الّذي يشمل جميع السّمات الماديّة والرّوحية، وكذلك العاطفيّة الّتي يتميّز بها مجتمعٌ معين من المجتمعات أو حتّى فئة اجتماعيّة معيّنة، وهذه السّمات تتضمن أساليب الحياة والآداب والفنون والمعتقدات والتّقاليد وكذلك حقوق الإنسان الأساسيّة.[1][2]
وتعني الحضارة الإقامة في الحضر، وهي إحدى مراحل التّطوّر الإنساني وهي عكس البداوة، والحضارة في الاصطلاح هي مجموعة المظاهر العلميّة والأدبيّة والاجتماعيّة والفنيّة لمجتمع معيّن، ويمكن القول أيضاً بأنّ الحضارة هي كل ما يراكمه البشر عبر التاريخ من إرث معنويّ؛ مثل: الآداب، والفنون، والعلوم، وإرث ماديّ، مثل: العمائر، والفخار، والخزف، بالإضافة إلى المسكوكات.[3][4][5]
الفرق بين الحضارة والثّقافة
ظهرت الكثير من النّقاشات حول مفهوم الثّقافة والحضارة والفرق بينهما، والثّقافة في مفهومها الخاص و كما يراها البعض هي حُبّ المعرفة والاطلاع، وقد احتاجت ثقافة المجتمعات إلى أسباب عديدة للبقاء على مرّ الزّمان، وكان ذلك أساس نشأة الحضارة. إنّ العلاقة بين الحضارة والثّقافة تتحدّد عندما ننظر إليهما من منظور الفرع والجذر، وهنا يجدر ذكر الاتّجاهات النّاتجة عن الدّراسات الاجتماعيّة -السّوسيولوجيّة- لمفهومي الحضارة والثّقافة، وهذه الاتّجاهات هي:[6][7][8]
- الاتّجاه الأوّل: يرى أنّ معنى الثّقافة والحضارة واحدٌ، ولذلك استخدم مصطلح (Civilization) للتّعبير عن كليهما معاً دون وجود فرق أو تمييز بينهما، ويُرى هذا الاتجاه عند الفرنسيين الّذين تحدّثوا عن أنّ الثقافة والحضارة لا فرق بينهما، فهما المفهوم الكوني والشّامل لأمّةٍ واحدةٍ.
- الاتّجاه الثّاني: يعتبر الحضارة هي فقط الجزء المادّي من الثّقافة.
- الاتّجاه الثّالث: يعتبر أنّ الثّقافة هي جزء من الحضارة بشقّيها المادي والمعنوي، وهذا الاتّجاه الغالب في الغرب.
عند حديثنا عن الفرق بين الحضارة والثّقافة فلا بدّ لنا من أن نذكر أنّ الثّقافة هي الجانب التّطبيقي أو الشّفهي من حياة الإنسان، وهذا الجانب هو الّذي يتغيّر، في حين أنّ الحضارة هي الجانب الثّابت الّذي لا يتغيّر، والحضارة الإسلاميّة مثال يساعد على توضيح هذا الفرق؛ فالحضارة الإسلاميّة ثابتة وواحدة، في حين أنه لا يمكننا القول إن الثّقافة الإسلاميّة ثقافة واحدة بل إنها متغيّرة، وتختلف من مجتمع إلى آخر.[9]
إنّ العلاقة بين الثّقافة والحضارة في نظر السّياسيين والمفكرين مختلفة، فقد تحدّث تزفيتيان تودوروف عن أنّ الثّقافة والحضارة مستقلّتان في مفهوميهما، كما أنّهما غير متعارضتين، فوجود الثّقافة شرطٌ أساسيٌ لتكوّن الحضارة، وقد فرّق كلٌّ من فضل الله إسماعيل وعبد الرّحمن خليفة بي مفهوم الثّقافة والحضارة بقولهما إنّ الحضارة هي كل ما يصدر عن الإنسان من النّاحية الماديّة، أما الثّقافة في الجانب المعنوي والفكري فقط، وبشكل عامٍّ فقد حدد العرب مفهوم كلٍّ من الثّقافة والحضارة؛ فالحضارة تعني علم العمران أي الإنجاز المادي للإنسان، بينما الثّقافة هي الإنجاز المعنوي.[10]
الحضارة والثّقافة الإسلاميّة
عند الحديث عن الثّقافة والحضارة لا بدّ من ذكر الحضارة والثّقافة الإسلاميّة؛ لما تتميّز به عن غيرها من الثّقافات والحضارات الأخرى، إذ إنّ الثّقافة الإسلاميّة قد أنتجت تراثاً عريقاً وضخماً في جميع مجالات الحياة التي تجب علينا معرفتها، أما الحضارة الإسلاميّة فقد جاءت لتخرج النّاس من الظلمات إلى النّور بما تتضمّنه من مبادئ إصلاحيّة نظّمت العالم وأصلحته ووجّهته نحو الطّريق الصّحيح.[11][12]
خصائص الثّقافة الإسلاميّة
تميّزت الثّقافة الإسلاميّة بعدّة خصائص جعلتها مختلفة عن غيرها من الثّقافات، ومن هذه الخصائص:[13]
- الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةٌ ربّانيّةٌ، وتتمثّل هذه الخاصّيّة من خلال الوحي الّذي جعل منها ثقافة انتماءٍ لعقيدة التّوحيد، فالله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون، وهو من استخلف الإنسان في الأرض.
- الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةٌ متوازنةٌ، وهذا التّوازن يكون بين ما يتلقّاه الإنسان عن الوحي وبين ما يدركه الإنسان من أمورٍ ويسلّم بها، كما أنّ هذا التّوازن يكون بين مشيئة الله المطلقة ومشيئة الإنسان المحدودة، وغيرها من الأمور.
- الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةٌ إنسانيّةٌ، فلا يوجد فيها عنصريّةٌ لأمّةٍ أو لغةٍ أو عرقٍ أو حتّى نسبٍ معيّنٍ فهي لا تفرِّق بين أحد أبداً؛ إذ إنّ ميزان التّفاضل في الثّقافة الإسلاميّة هو التّقوى.
- الثّقافةُ الإسلاميّة هي ثقافةُ توحيد؛ فالدّعامة الأساسيّة والأولى لها هي عبادة الله وحده لا شريك له، فهو من وهب لنا الحياة.
- الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةٌ مطلقةّ عامّةٌ وشاملةٌ، وهي ثقافةٌ متناسقةٌ ومتّصلةٌ ببعضها البعض بقانون واحدٍ، وهذا خلاف ما نراه في الثّقافات الأخرى فهي ثقافاتٌ غير شاملةٍ ومتقطّعة الأوصال.
- الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةٌ إيجابيّةٌ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهذه الإيجابيّة تجعلها قادرة على درء المفاسد وعلى بناء المجتمع إذ إنّ شريعة الله تُطبّق في جميع جوانب الحياة وتخدم جميع البشر.
- أنّ الثّقافة الإسلاميّة هي ثقافةّ متطورةٌ وثابتةٌ، فأصولها ومبادؤها ثابتةٌ، إلّا أنّ العمل بها يتطوّرُ مع تطوّرِ الزّمان والمكان.
المراجع
- ↑ غنى القريشي (23-5-2-11)، "مفهوم الثقافة وخصائصها"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-20182. بتصرّف.
- ↑ أحمد عاشور (28-5-2016)، "تعريف الثقافة لغة واصطلاحا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-3-2018. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى حضارة في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018.
- ↑ عبد الحميد حمودة، الحضارة العربية الإسلامية و تأثيرها العالمى، مصر: الدار الثقافية للنشر، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ ياسر تاج الدين (26-8-2015)، "تعريف الحضارة وأسسها في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-3-2018. بتصرّف.
- ↑ مصعب البوعليان (15-10-2011)، "نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018. بتصرّف.
- ↑ غازي دحمان، "الثقافة والحضارة مقاربة بين الفكرين الغربي والإسلامي"، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018. بتصرّف.
- ↑ يحيى قاعود، أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد : دراسة تحليلية مقارنة، عمان - الأردن: دار المنهل، صفحة 45. بتصرّف.
- ↑ حسن منصور، ماتحت الرماد (الطبعة الثانية)، عمان - الأردن: أمواج للنشر والتوزيع، صفحة 132-135. بتصرّف.
- ↑ يحيى قاعود، أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد : دراسة تحليلية مقارنة، عمان -الاردن: دار المنهل، صفحة 46-47. بتصرّف.
- ↑ أحمد المومني، الثقافة الإسلامية: دراسات ومفاهيم حديثة، عمان - الأردن: دار المنهل، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ ياسر تاج الدين (26-8-2015)، "تعريف الحضارة وأسسها في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2018. بتصرّف.
- ↑ أحمد المومني، الثقافة الإسلامية: دراسات ومفاهيم حديثة، عمان - الأردن: دار المنهل، صفحة 26-29. بتصرّف.