الفرق بين الابتلاء والعقوبة
الفرق بين الابتلاء والعقوبة
من الأمور التي يتعرض لها الإنسان في الحياة دائما بعض المحن والمصائب والتي تأخذ مسميات الابتلاء والعقوبة، ومع أنّ كلاهما فيه شدّة ومعاناة عند صاحبه ويتّفق في درجة قسوته إلّا أنّ ثمّة فرق بينهما، وهذا الفرق يتميّز به شخص عن آخر، وأمّة عن أخرى.
ما يميز الابتلاء عن العقوبة
الابتلاء يتعلّق بالمؤمن، وله أغراض أهمّها اختبار صدق إيمانه وتربيته على الصبر وتمحيصه، فهو تزكية متواصلة للمؤمن وهو بهذا الوصف كله خير؛ لأنّ الله لن يختار للمؤمن إلّا الخير، مصداقاً؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "عجباً لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صب، فكان خيراً له"، فالمؤمن بصبره على هذا الابتلاء يحقق معاني العبودية الحقّة لله سبحانه وتعلى كما وفيه تقويم دائم لسلوكه فعند وقوع الابتلاء يقف المسلم مع نفسه وقفة تدبر وتمحيص وتفكر، فيتلمس خطى سيره أهي في الصواب أم الخطأ، أمّا العقوبة، فهي للكفار والفسقة ممّن انحرفوا عن جادة الصواب، فاغتروا بالحياة الدنيا وزينتها وشهواتها.
من صور الابتلاء للمؤمن
تتعدّد صور وأشكال الابتلاء، فتكون في بدنه بالمرض، أو في ماله بالفقر، ليعلم صبره من عدمه أو الغنى أحياناَ ليعلم شكره من عدمه وعدم إداراك بعض الأعمال والتوفيق فيها، أو في عداء الناس له أو في النسيج الاجتماعي بعداء الناس له ومقاطعتهم له، وخاصّة ممّن لا يعجبهم التزامه وصدقه، وقوامة سلوكه، وقد يكون فردياً يتعلّق بشخص المؤمن وقد يكون جماعياً يتعلق بالمؤمنين مجموعهم كإبطاء النصر وتأخره لحكم يريدها الله أن يحققها، من تمحيص وتربية، واختبار وإعداد للأمّة، قال تعالى: "الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت:1-3)
واجب المؤمن نحو الابتلاء
المؤمن الصادق يجب أن يقابل الابتلاء بالرضى والصبر، واللجوء إلى الله ـ سبحانه ـ وعدم الجزع عند وقوع المصيبة، وعليه أن يعلم أنّ الخير كل الخير فيما يختاره الله له، ويعلم أيضاً أنّ الله أبصر به من إبصاره هو بنفسه، فيكون بهذا الصبر محققاً لمعاني العبودية الصحيحة لله سبحانه وتعالى وأن يلوذ إلى الله سبحانه بالتضرّع والدعاء بان يختار له ما هو خير دائماً، ويخفف عنه، ويلهمه رشده، ويرزقه الصبر في النوائب.
موقف الكافر والعاصي من العقوبة
أمّا الكافر والعاصي فيقابل العقوبة بالجزع، والتمادي في المعصية، وعدم الاكتراث بها، بل وينسبها إلى أسباب ماديّة، قد تكون في ظاهرها على ضوء ما وصف، لكن الحقيقة، هي عقوبة وإن ظهرت أسبابها الماديّة أمامه، فأعميت عيناه عن إدراك الحقيقة، وأغشي على قلبه وعقله من إدراكها.
هكذا نجد في حياتنا أحداثاً تؤلمنا تتشابه في ظاهرها، ولكن تختلف في حقيقتها وجوهرها من شخص لآخر، فتكون ابتلاء وحباً لشخص أو أمّة، وتكون غضباً من الله وعقوبة لآخر ، ثبت الله قلوبنا وأفئدتنا وعقولنا عند تراكم المحن، واشتداد النوائب، وهدانا سبلنا نحوها وبها.