قيام دولة المماليك في مصر والشام
دولة المماليك
المماليك هم مجموعة من العبيد استقدمهم أمراء الأيُّوبيين من بلدان غير عربيَّة عن طريق شَّرائهم من سوق النِّخاسة، أو الأسر من الحروب لتقوية الجيش وزيادة عدده، لذلك فهم خليط من التُّرك، والرُّوم، والشَّراكسة، والأوروبيين، ربّوهم منذ طفولتهم على العقيدة الإسلاميَّة واللُّغة العربيَّة، ثمَّ درّبوهم بعد البلوغ على الفروسيَّة وفنون القتال.
دارت في أيام دولة المماليك معارك عدَّة ضدَّ أكبر قوتين من قوى الشَّرِّ في ذلك الوقت؛ وهما: التَّتار والصَّليبيون، ومن أبرز الوقائع التي حدثت في عهد دولة المماليك موقعةُ عين جالوت بقيادة قطز، وأوقعت هزيمةً قاسيَّةً بالمغول الذين عجزت الدَّولة العباسيَّة والدَّولة الخوارزميَّة عن التَّصدِّي لهم، بالإضافة إلى قيام المماليك بالقضاء على آخر مَعقلٍ للصَّليبيين في الشَّام، واستعادة عكَّا في عهد الأشرف صلاح الدِّين خليل.
وصول المماليك إلى الحكم
وصل المماليك إلى الحكم بعد الأيوبيين، وتمكَّنوا من حكم مصر، والشَّام، والعراق، وأجزاء من الحجاز، وحملت دولة المماليك راية الإسلام لمدة ثلاثة قرون إلى أن استلمت الرَّاية بعدها الدَّولة العثمانية بعد قضاء السُّلطان سليم الاوَّل على دولتهم، وضمِّ الحجاز، ومصر، والشَّام إلى الدَّولة العثمانيَّة.
استطاع الملك الصَّالح نجم الدِّين أيوب توطيد حكمه بمساعدة المماليك، وأسند قيادة الجيش إلى اثنين من المماليك؛ هما: فارس الدِّين أقطاي، وركن الدِّين الظَّاهر بيبرس، وفي آخر أيَّام نجم الدِّين هجمت حملةٌ صليبيَّةٌ على دمياط، فرابط لها نجم الدِّين في المنصورة، واشتدَّ عليه المرض في أثناء ذلك، وتوفِّي هناك، فأخفت جاريته شجرة الدُّر خبر موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه الذي قاد بدوره الجيوش المصريَّة، وحقق انتصاراً كبيراً بمُساعدة المماليك على الصَّليبيين، وخطَّط توران بعد ذلك للتَّخلص من شجرة الدُّر والمماليك، ممَّا دفعها إلى التآمر مع المماليك وقتل توران شاه الَّذي انتهت بقتله الدَّولة الأيُّوبيَّة.
شجرة الدر حاكمة المماليك
تولت شجرة الدرّ الحُكم بعد قتل توران شاه بدعمٍ وتأييد من المماليك البحريَّة، ولم يرض الأيوبيون في الشَّام، والعباسيون في مصر بحكمها، وأخذ المماليك يبحثون عن وسيلةٍ تُعطي الشرعيَّة لحكمهم؛ فزوّجوا شجرة الدُّرِّ من عزِّ الدِّين أيبك، ثمَّ تنازلت له عن عرش البلاد بعد أن حكمت مصر لمدَّة ثمانين يوماً.
ينقسم عصر دولة المماليك إلى عصرين هما: عصر المماليك البحرية؛ وهم مماليك الملك الصَّالح نجم الدين الأيوبي، وعصر المماليك البرجيَّة أو الجراكسة، واتَّخذت الدَّولتان من القاهرة عاصمة لهما.
المماليك البحريَّة
هم مماليك الملك نجم الدين أيوب، وقد أسكنهم في قلعة مُجاورة لقصره تماماً في جزيرة الرَّوضة في القاهرة على النِّيل، لذلك عُرف هؤلاء المماليك بالمماليك البحريَّة، ودامت دولة المماليك البحريَّة من عام 648هـ إلى عام 784هـ حكم خلالها سبعة وعشرون حاكماً أغلبهم من أسرتين هما: أسرة الظَّاهر بيبرس، والمنصور قلاوون.
كان أوَّل حكَّام المماليك البحريَّة الملك عزُ الدِّين أيبك، ومن أبرز سلاطينها قطز الذي هزم المغول في عهده في موقعه عين جالوت، والظَّاهر بيبرس الذي حكم لمدة 17 عاماً، وكانت له إنجازات عظيمة، والمنصور قلاوون، وكانت دولة المماليك البحريَّة تُعاني طوال فترة حكمها من اضطراباتٍ وانقلاباتٍ عسكريَّة، وقُتل من سلاطينها عشرة، وخُلع اثنا عشر.
المماليك البرجيَّة
موطن هؤلاء المماليك هو بلاد القفجاق؛ وهي المنطقة المشرفة على البحر الأسود من الجهة الشماليَّة الشرقيَّة، وقد كانت تلك البلاد تعاني من صراعات عدَّة في ذلك الوقت، ممَّا دعى بكثير من أبناء تلك البلاد إلى دخول سوق النِّخاسة، فاشترى السُّلطان المنصور قلاوون أعداداً منهم، وأُطلق عليهم اسم المماليك الجراكسة نسبة إلى أصولهم، وأُطلق عليهم أيضاً اسم المماليك البرجيَّة نسبة إلى أبراج قلعة الجبل الَّتي سكنوا فيها.
دامت مدَّة حكم دولة المماليك البرجيَّة لمصر والشَّام والحجاز من عام 784هـ إلى عام 923هـ، تعاقب فيها خمسة وعشرون سلطاناً على الحكم، ومن أبرز سلاطينها برقوق، وابنه فرج، وإينال، وقد تولَّت المماليك البرجيَّة الحُكم إثر انقلاب عسكري قام به السُّلطان برقوق الشَّركسي.