-

أول من صام من الأنبياء

أول من صام من الأنبياء
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الصيام ومشروعيته في الإسلام

عرّف علماء اللغة الصيام بأنّه الإمساك أو الترك، فمن صام عن شيء فهو تاركٌ له، فيقال صامت الفرس إذا قامت ولم تعتلف، والصائم عن الكلام هو الممتنع عنه،[1] وكذلك أورد علماء الفقه تعاريف مخصوصة للصيام فقال فيه ابن حجر: إمساكٌ مخصوص، في زمن مخصوص، من شيء مخصوص، بشرائطَ مخصوصةٍ. فالفرد المخصوص هو المسلم العاقل الذي لم يمنعه عذر من الصيام، والزمن المخصوص هو من طلوع الفجر الثاني حتى حلول وقت المغرب، والشروط المخصوصة هي عدم إتيان مبطلات الصوم أثناء نهار شهر رمضان،[2] والصيام في تعريف عامّ يشمل الفريضة والنافلة هو: الإمساك عن شهوتي الفم والفرج، أو ما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في طاعة الله -تعالى- في جميع أجزاء النهار بنيَّة قبل الفجر أو معه إن أمكن، فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد.[3]

ولقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يدلل على وجوب الصيام وفرضيته، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[4] ولقد ذكر اسم شهر رمضان في القرآن كذلك في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)،[5] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاكراً الصيام في أركان الإسلام: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[6] ولذلك فقد أجمع العلماء على وجوب الصيام وفرضيته على المسلم، ومن أنكر وجوبه فهو كافر، وقال شيخ الإسلام فيمن ترك صيامه عامداً مستحلاً الفطر فإنه واجب قتله، وإن كان فاسقاً فتترتب عليه العقوبة للزجر.[2]

أول من صام من الأنبياء

لم يكن المسلمون أول من فرض عليهم الصيام، بل إنه كان مفروضاً على الأمم السابقة كما ذكر الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[4] ولقد ذكر السيوطي في كتابه الوسائل إلى معرفة الأوائل أنّ نبي الله آدم -عليه السلام- كان يصوم لله -تعالى- ثلاثة أيام من كل شهر، وورد عن الضّحّاك أنّ نوحاً -عليه السلام- هو أول من صام من النبيين، وبالرغم من أنّ الله -تعالى- ذكر أنّ الصيام كان مفروضاً على الأمم السابقة إلا أنّه -سبحانه- لم يذكر كيف كانت طبيعة الصوم سابقاً. فذكر بعض العلماء أنّ التشبيه الوارد في الآية الكريمة هو تشبيه الوجوب، لا تشبيه الكيفيّة، ولا الفترة الزمنية. فقد صام آدم -عليه السلام- الأيام البيض، وصام موسى -عليه السلام- عاشوراء هو وقومه، وصام نوحٌ -عليه السلام- يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، وظلّ الصيام على هذه الشاكلة بحسب أقوال الصحابة كعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- حتى جاء الإسلام ناسخاً لما سبق، وشرع فريضة الصيام في شهر رمضان.[7][8]

الحكمة من الصيام

شُرع الصيام لحِكمٍ كثيرة، وفيما يأتي ذكر جانب منها:[3]

  • في الصيام يتحقق كسر شهوات النفس الأمارة بالسوء، فتسكن عن كل فضول متعلق بالجوارح، كشهوة الفرج والبطن واللسان. فالجوع يضعف حركة الجسم ويكسر شيئاً من قوته فيكفّ عن إتيان المعاصي والشهوات.
  • في الصيام يحقق القلب الصفاء من كدره، فإنّه كثيراً ما يتكدّر ممّا يعلق به من مداخل العين واللسان والفم، فإن صامت الجوارح عن الفضول والشهوات، صفا القلب من الأكدار والعوالق.
  • في الصيام استشعار الرحمة والشفقة على الفقير والمحتاج، فإنّ الصائم يدخل فعلاً مرحلة الجوع والعطش بصيامه، فيرقّ قلبه على المحتاج على الدوام، فيمدّ يد العون لهم في الصدقات وغير ذلك من المعونات.
  • في الصيام استشعارٌ لوحدة الأمة وتقارب أفرادها، فالغني والفقير كلّهم يمسكون عن الطعام معاً، ويأكلون معاً، فيشعر الغنيّ بحاجة وجوع الفقير. ولقد روي أن رجلاً دخل على بشر الحافيّ في الشتاء فوجده مرتعداً من البرد، ورداؤه معلق، فسأله عن حاله فقال الحافيّ: الفقراء كثير، وليس لي طاقة مواساتهم بالثياب، فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملون.
  • في الصيام تتحقق وحدة الأمّة جمعاء حين يمسك أفرادها جميعهم عن الصيام لحظة انفلاق الفجر، ثم يفطر جميعهم عند غروب الشمس، فيعطي هذا الفعل المسلمين الشعور بالقرب من بعضهم وتوحّدهم الذي حققه له دينهم.
  • في الصيام صحة جسديّة للصائم، ففيه يكون طرد السموم من الجسم بسبب الامتناع الطويل عن الطعام، وفي الصيام صحة نفسيّة كذلك، فإنّ الروح إن سلمت من الأكدار تعلّقت بالله تعالى، وأدى الجسم مهمته في العبادة والتوجه إلى ربه سبحانه، فبذلك تسعد الأرواح وتطمئنّ، وتسلم الأبدان من أمراض القلوب والأجسام، وينال المسلم الخير في دنياه وآخرته.

أفضل الصيام وأجره

جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن أفضل الصيام وأحبه إلى الله تعالى، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، قال عليه السلام: (فصُمْ يوماً وأفطِرَ يوماً فذلك صيامُ داودَ عليه السلامُ، وهو أفضلُ الصيامِ)،[9] ولا يستحبّ أن يزيد الإنسان على هذا الصيام، فإنّه قد يلحق به الضرر والتعب، ويقعده عن عباداتٍ أخرى وفرائض مفروضة عليه كالصّلاة، وإن أراد الإنسان أن يتطوّع لله -تعالى- وفق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان -عليه السلام- يصوم الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وكان يصوم عاشوراء ويوم عرفة، وستة أيام من شوال، ويكثر الصيام في شعبان، فتلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم.[10]

المراجع

  1. ↑ "معنى كلمة الصيام"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "تعريف الصيام وحكمه والحكمة من مشروعيته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الصيام معنًى وحكمة ومشروعية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة البقرة، آية: 183.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 185.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
  7. ↑ "الصيام في الأمم السابقة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.
  8. ↑ "أول من صام في الإسلام"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1976، صحيح.
  10. ↑ "أفضل الصيام صيام داود عليه السلام"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-12. بتصرّف.