أول من استشهد من الأنصار يوم بدر
غزوة بدر الكبرى
رغّب الله تعالى الكفار والمكذّبين ورهّبهم، وحذّرهم من عقابه، فقد أمهلهم فترةً من الزمن، إلا أنه استوجب عليهم الشقاء بعد أن غرقوا في الأسباب الموصلة إليه، وكتب النجاة لأهل الإيمان والهداية، وذلك ما كان في غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، بعد أن خرجت جنود الباطل والشرك رياءً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حتى ينقذوا قوافلهم من الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم، وقد تحدّى الكفار في غزوة بدر الرسول والصحابة، وسعوا إلى استعادة مكانتهم التي تزعزعت بعد الدعوة إلى التوحيد، فأمر الله تعالى بقطع دابر الكفار والمشركين، حيث قال: (وَإِذ يَعِدُكُمُ اللَّـهُ إِحدَى الطّائِفَتَينِ أَنَّها لَكُم وَتَوَدّونَ أَنَّ غَيرَ ذاتِ الشَّوكَةِ تَكونُ لَكُم وَيُريدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقطَعَ دابِرَ الكافِرينَ)،[1] ولتحقيق ذلك قدّر الله أن يصل المسلمون إلى أرض المعركة قبل المشركين، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام على يقين بنصر الله تعالى له لدرجة إشارته إلى مواضع قتل المشركين.[2]
بدأ القتال بين المسلمين والمشركين، وأصيب بعض المشركين بالخوف، فأشاروا إلى أبي جهل بالانسحاب من القتال، إلا أنّه رفض مقابل الحفاظ على الكبرياء، فعزم على القتال، وخرج المبارزون للمواجهة، وتحقق ما أراده الله سبحانه، وقطع دابر المشركين، حيث قال الله عز وجل: (وَيُريدُ اللَّـهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقطَعَ دابِرَ الكافِرينَ)،[1] ثمّ انتهت معركة بدر بقتل سبعين منهم، وأسر سبعين آخرين، وكان من ضمن القتلى الكثير من كبراء قريش وساداتهم، وكان النصر حليفاً للمسلمين، ونالوا ممّن كانوا يعذبونهم في مكة المكرمة، فبلال بن رباح رأى أمية بن خلف الذي كان يعذبه مقتولاً، فقال بلال له: (كاتَبْتُ أُميَّةَ بنَ خَلفٍ، فلمَّا كان يومَ بَدرٍ، فذكرَ قَتلَهُ وَقَتلَ ابنِهِ، فقال بِلالٌ : لا نَجَوْتُ إن نَجا أُمَيَّةُ)،[3] ومن الذين شهدوا بدراً حكيم بن حزام الذي كان كافراً حينها، وبعد ذلك أسلم وأصبح من سادات الإسلام.[2]
أول من استشهد من الأنصار يوم بدر
بيّنت نصوص القرآن الكريم السنة النبوية فضل الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، حيث قال الله سبحانه: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ)،[4] كما روى البخاري في صحيحه الحديث الذي يخاطب فيه جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما تعُدُّون أهلَ بدرٍ فيكم ؟ قال : ( من أفضلِ المسلمين ) . أو كلمةً نحوَها، قال : وكذلك من شَهِد بدرًا من الملائكةِ)،[5] فالشهداء من المسلمين الذين ارتقوا يوم بدر بلغوا أربعة عشر؛ منهم ستة من المهاجرين، والآخرون كانوا من الأنصار، وهم: عبيدة بن الحارث، وعمير بن أبي وقاص، وعمير بن الحمام، وسعد بن خيثمة، وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة، ومبشر بن عبد المنذر، وعاقل بن بكير الليثي، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وصفوان بن بيضاء الفهري، ويزيد بن الحارث الأنصاري، ورافع بن المعلى، وحارثة بن سراقة الأنصاري، وعوف ومعوذ ابنا العفراء، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ حارثة بن سراقة كان أول شهيد ارتقى يومها رغم صغر سنه، ويرجه نسبه إلى ابن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، وأمه هي الربيع بنت النضر، وعمه أنس بن مالك رضي الله عنه.[6]
استشهد حارثة بن سراقة على يد حبان بن العرقة عندما كان يرتوي من الحوض، فرماه بسهمٍ أصاب حنجرة حارث فاستشهد، حيث كانت مهمتمه تتمثل بالنظر إلى أحداث المعركة، ومراقبتها عن بُعد دون المشاركة في القتال، ويسمّى الذي يقوم بذلك نظّاراً، ورغم أنه لم يشارك في القتال إلا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام أكّد أنه من أهل الجنة، وقال لأمه: (يا أُمَّ حارثَةَ إنها جِنانٌ في الجنَّةِ، وإنَّ ابنَكِ أصابَ الفِردَوسَ الأعْلَى)،[7] فرضيت أمه بقضاء الله وأمره بموت ابنها الشاب الصغير، فأكرم الله تعالى شهداء بدر بالفضل العظيم في الدنيا والآخرة، وغفر لهم ذنوبهم، ورفع ذكرهم.[6]
عبر وعظات من غزوة بدر
احتوت أحداث غزوة بدر على العديد من الدروس والعبر التي تعدّ من أهم العظات للمسلم، وفيما يأتي بيان البعض منها:[8]
- الإيمان بأنّ النصر من الله سبحانه، حيث قال: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)،[9] فالنصر لا يكون إلا من الله صاحب العزة التي لا ترام، وصاحب الحكمة أيضاً في تشريع قتال الكفار، وبالرغم قدرته على تدميرهم وإهلاكهم بقدرته وإرادته، إلا أنه يجب على المسلمين الاعتماد والتوكل على الله وحده، مع وجوب الإيمان بأن النصر من عنده وحده، لا من الملائكة أو غيرهم.
- ظهور الولاء والبراء بلقاء الآباء مع الأبناء، والإخوة مع بعضهم البعض، والأبناء مع الأعمام والأخوال، وذلك لإظهار الحق ونصرته، والسعي لنصر الإسلام والمسلمين، فالرابطة ليست رابطة عرق أو دم أو لون أو لغة أو وطن، وإنما الرابطة الحقيقية هي رابطة الإيمان بالله سبحانه فقط. ؛ لذلك كان شعار المسلمين في غزوة بدر: "أحد أحد"؛ أي أنّ القتال في سبيل الله لا يكون إلا بامتثال العبودية لله تعالى، بلا عصبية أو قبلية أو أحقاد أو ضغائن.
المراجع
- ^ أ ب سورة الأنفال، آية: 7.
- ^ أ ب "غزوة بدر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 3971، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 13.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن رفاعة بن رافع، الصفحة أو الرقم: 3992، صحيح.
- ^ أ ب "حارثة بن سراقة من شهداء بدر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2809، صحيح.
- ↑ "معجزات ودروس غزوة بدر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 126.