أهمية العقل في الإسلام
العقل
وردت كلمة العقل في اللغة العربية بعدّة معانٍ؛ منها الحبس، فهو يحبس العاقل عن ذميم القول والفعل، وقد يأتي بمعنى نقيض الجهل، فبالعقل يصل الإنسان إلى معرفة ما كان يجهله، وقال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)،[1] وتعقلون في الآية الكريمة تأتي بمعنى أفلا تفهمون وتدركون قُبح ما تأتون به من المعصية التي تأمرون النّاس بتركها مع علمكم أنَّ طاعة الله -تعالى- حق عليكم؟ ويسمَّى الرجل عقول إذا كان حسن الفهم، ويأتي العقل بمعنى النهي، وبذلك فإنَّ مجمل معاني العقل تُشير إلى أنَّه أداةٌ للعلم والمعرفة والتمييز بين الأشياء، ولم يُفرّق ابن المنظور في المعنى بين العقل والقلب، وذهب سيبويه إلى أنَّ العقل صفة، وعرَّف بعض العلماء العقل بأنَّه الروح انطلاقاً من أنَّ العقل لا يُدرك من غير روح، والبعض يجعله القلب؛ لأنَّ محل العقل القلب، وبعضهم يقول أنَّ العقل هو الإنسان؛ لأنَّ العقل هو ما يتميّز به الإنسان عن غيره.[2]
يقول أبو الوليد الباجي في العقل بأنَّه: "العلم الضروري الذي يقع ابتداء ويعمّ العقلاء"، والعلم هو ما يلزم المخلوق، ولا يستطيع الانفكاك عنه، ومعنى قوله يقع ابتداء أي أنه يحصل من غير كسبٍ له عن طريق الحواس، كالعلم بأنَّ الضدان لا يجتمعان، ويعم العقلاء فيخرج من ذلك المجانين ومن في حكمهم، ومن الجدير بالذكر أنَّ العلوم تنقسم إلى عدّة أنواعٍ، منها ما يُدرك في الغريزة، ومنها ما يُعلم بالضرورة كالعلم بأنَّ الكل أكثر من الجزء، ومنها العلوم النظريّة التي تحصل بالاستدلال، وتتفاوت من شخصٍ إلى آخر، وبها يُدرك الإنسان ما ينفعه وما يضره.[2]
أهمية العقل في الإسلام
يُعدّ العقل آلة الإدراك التي تميَّز بها البشر عن باقي المخلوقات، ومع ذلك تبقى قدرة العقل محدودة، ففي بعض الأحيان يُدرك العقل ظواهر الأشياء دون الوصول إلى أعماقها، ومن يقرأ القرآن الكريم بتدبّر مُحاولاً فهم معانيه، يجد العديد من الآيات الداعية إلى التعقّل والتفكّر، وقد كان ورود العقل في القرآن الكريم بصيغة الفعل، ولم يَرد في صيغته الاسمية مطلقاً، كما إنَّه اقتصر في وروده على المدح والتبجيل، وقد اشتمل النّص القرآني على جميع معاني التفكير الإنساني، ودعا إلى إعمال العقل ونبذ التقليد والجمود، فمن يغفل نعمة العقل فإنَّه ينزل إلى مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان، قال تعالى: (وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولـئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولـئِكَ هُمُ الغافِلونَ)،[3] وقد أثنى الله -سبحانه- على أصحاب العقول، فالعقل أساس التكليف.[4]
والعقل فيه من الإبداع والذكاء ما يفوق الوصف، ومتى ما أحسن الإنسان في إعمال عقله تمكَّن من الاختراع والإبداع، وتكمن مسؤولية الإنسان في إحسان تحريك عقله في العمل على نفع الناس، وجلب الخير لهم، ولا يكون ذلك إلا عند إدراك قيمة العقل،[5] وقد حرَّم الإسلام جميع ما من شأنه أن يؤدي إلى تغييب العقل، فقد كانت علّة تحريم الخمر هي تغييب العقل، وقد بيَّن القرآن الكريم أنَّ الخمر من الوسائل التي يتّخذها الشّيطان لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)،[6] وينطبق هذا التحريم على المخدّرات وسائر ما يُذهب العقل.[7]
العقل والوحي
يتفاوت النّاس في عقولهم من شخص إلى آخر، ويعود السبب في هذا التفاوت إلى أصل خلقتهم لا إلى ما يحصل عليه الإنسان في الجانب الكسبي، فلو تعرَّض النّاس إلى نفس المستوى التعليمي، سيبقى البعض أكثر حكمةً وعقلانيةً من البعض الآخر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الصحيح الذي عليه جماهير أهل السنة وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، وأصح الروايتين عنه، وقول أكثر أصحابه أنّ العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان"، ويتعلّق العقل في الدماغ والقلب، فمبدأ الفكر والنظر يكون في الدماغ، أمَّا الإرادة والقصد فمحلّها القلب، وقد اعتمد الإسلام في تحصيل المعرفة على طريقتين هما: الوحي؛ أي الخبر الصادق عن الله تعالى، وكل ما يأتي من الوحي هو الحق واليقين، حيث يتعلّق الوحي بالأُمور الغيبية، كالحديث عن الجنّة والنّار، أمَّا الطريقة الثانية للمعرفة فهي التجربة، وتجمع التجربة بين العقل والحس.[8]
وقد حارب الإسلام ما كان في الجاهلية من مخالفة العقل والحس، كما وجَّه الإنسان إلى الاختراع والاكتشاف، وقد استفادت أُوروبا من هذا المنهج عند اتّصالها بالحضارة الإسلامية، كمّا تميَّز أهل السنّة بالجمع بين حسنات العقل والوحي، وعدَّت اتصالهما كاتّصال نور العين بالشمس.[8]
معنى نقص العقل والدين عند النساء
يقول النّبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للبِّ الرَّجل الحازم من إحداكنَّ يا معشر النِّساء)،[9] فعندما سُئل عن نقصان العقل أجاب بأنَّه يعود إلى أنَّ شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل، أمَّا نقصان الدين فيعود السبب فيه إلى أنَّها في حالة الحيض والنفاس لا تصوم ولا تصلّي، وهي غير مؤاخذة على هذا النقص، وإنَّما شُرع ذلك للتخفيف والتيسير عليها، فمن رحمة الله -تعالى- بها أن تترك الصلاة وقت الحيض والنفاس دون قضاء، أمَّا الصيام فإنَّه يسقط أداءً لا قضاءً، وقد تتفوّق المرأة على الرجل في العديد من الأُمور، فقد تُكثر من الأعمال الصالحة التي ترفع منزلتها في الدنيا والآخرة، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على النساء بذكره لهذا النقص، فبالرغم من هذا النقص هي قادرة على إذهاب لبّ الرجل الحازم.[10]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 44.
- ^ أ ب د. سمير الإبارة (23-1-2016)، "مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 179.
- ↑ د. عبد الله الربابعة (22-12-2016)، "العقل ومكانته في الكتاب والسنة"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الله العتيق، "قيمة العقل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 90-91.
- ↑ أحمد قاسم (19-2-2009)، "تحريم الخمر، ومكانة العقل في الإسلام"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد المنجد، "العقل والنقل"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1462، صحيح.
- ↑ عبد العزيز بن باز (11-3-2008)، "معنى نقص العقل والدين عند النساء"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.