-

معنى الحب في الإسلام

معنى الحب في الإسلام
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الحب أسمى المشاعر الإنسانية

يُعرِّف القرآن الكريم الحب بطريقةٍ استثنائيةٍ في آية تُعبّر عن عظيم المودة والرحمة، يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[1] ففي الآية الكريمة تأصيلٌ فريدٌ لأركان الحب الثلاثة؛ أولاً: الحب آية من آيات الله تعالى، ثانياً: التعبير عنه بكونه مودةً ورحمةً، ثالثاً: اتصاله بالزواج الذي يسبقه بالمحل، فلا يُمكن تصوّر علاقة الزّواج من غير حب، وهي التي من شأنها أن تدوم البشرية بدوامها، والحب امتزاجٌ بين المودة والرحمة، والمودة تكون للمُحِب، أمَّا الرحمة فهي للمحبوب،[2] والحب قيمةٌ إنسانيةٌ ساميةٌ تعلو بالمُحب عند اندماج مشاعره مع سلوكه، فلا يكون الدافع وراءه مصلحة أو غاية شخصية مجرّدة، فمن السهل إيجاد أشخاصٍ محبين، لكنَّ الصعب إيجاد محبين صادقين، والحب يأتي بالعفوية التامة، التي لا تُنال إلا بالصدق، فالحب الذي يخلو من الصدق أشبه ما يكون بفقاعة الصابون، أمَّا الحب الصادق فهو محميٌ من الزلازل والمتغيرات.[3]

الحب في الإسلام

الحب من الأسباب التي تُدخل الفرح والسرور على القلب، وبه ترقى النّفس في فضاء السعادة، وللحب في الإسلام صورٌ عديدةٌ منها؛ حب الله تعالى، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديم حب الله ورسوله على كل محبوبٍ؛ لأنَّ هذا الحب هو السبيل الوحيد للنّجاة من المهلكات في الدنيا، ومن العذاب في الآخرة، وهو خير ما يُقبل به العبد على الله تعالى، وقد جاء رجل يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وقت قيام الساعة، فبادر النبي -صلى الله عليه وسلم- بسؤاله عن الذي أعدَّه لها، فقال: لا شيء، إلا أنني أحب الله ورسوله، فبشَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (أنت مع من أحببت)،[4] وكما أنَّ الكافرين يُعرفون ببغضهم لشرع الله تعالى، فإنَّ المؤمنون يُعرفون بحبهم لله ولكتابه ولجميع شعائره.[5]

وقد حثّ الله -تعالى- على المحبة بين الأزواج، ودعا إلى قيامها على المودة والرحمة، أمَّا عن محبة الإخوان، فقد برزت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فكثيراً ما كان يُعلن حبَّه لأصحابه، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ الرَّجل أخاه فليُخبره أنَّه يُحِبُّه)،[6] وقد تَسمّى أسامة بن زيد -رضي الله عنه- بحِب رسول الله،[5] كما أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما قد يقع في قلوب النّاس من مشاعرٍ حب لا حيلة لهم بها، وأرشد إلى الحل الوحيد لهذه المشاعر؛ وهو الزواج، لذلك لم يصمت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حال مغيث الذي أحبَّ بريرة ولم يجد منها إلا الصدَّ والهجران، فقال للعباس رضي الله عنه: (يا عبَّاس، ألا تعجب من حبّ مُغيثٍ برِيرة، ومن بُغض برِيرة مُغِيثاً، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو راجعتِهِ قالت: يا رسول اللَّه تأمُرُنِي؟ قال: إنَّما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه).[7][8]

ومن الغرائب في التاريخ الإسلامي؛ قصة الشّاب العاشق مع المهدي حين قصد بيت الله -تعالى- حاجاً، فأتاه هذا الشاب البدوي، فناداه قائلاً: يا أمير المؤمنين إني عاشق، فأدخله المهدي وسأله: ومن هي عشيقتك؟ فأجاب قائلاً: ابنة عمي، فأرسل المهدي في طلب عمه، وعندما جاءه عرض عليه أن يُزوِّج ابنته للشاب على أن يدفع له عشرين ألف درهم، فقبل والد الفتاة وزوَّج الشاب، فالحب الذي يُقيّد بالتقوى والعفاف لا حرج فيه، على أن يكون سبيله النّكاح، فإن تعثَّر النّكاح، كان الصبر مع مرارته هو الحل، فقد رتَّب الله -تعالى- الأجر والثواب لمن عفَّ نفسه عن الحرام، مع ضرورة التفريق بين الحب كمشاعرٍ والحب كسلوكٍ، فلا حرج بالمشاعر، أمَّا إن تحولت هذه المشاعر إلى سلوك كانت حراماً، والحب في مفهومه السليم يتجسَّد في قصص السلف الصالح؛ كقصة أُم سليم لمّا مضت عدَّتها، فطلبها أبو طلحة للزواج، لكنها رفضت، فعرض عليها الذهب والفضة، فقالت له: إن أسلمت رضيت بك زوجاً، فأسلم أبي طلحة، وكان إسلامه من أغلى المهور على الإطلاق.[8]

حكم الحب في الإسلام

يُقسم الحب من حيث أصله إلى فطريٍ ومكتسبٍ، كما ويقسّم من حيث مشروعيته إلى مشروعٍ ومذمومٍ، فمحبة الله -تعالى- والنّبي -صلى الله عليه وسلم- فرضٌ، ولا يصح الإيمان إلا بهما، فقد أخبر النّبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بضرورة تقديم محبة الله ورسوله على النّفس والمال والولد، مع العلم أنَّ هذه المحبة تتطلب الطاعة، كما أنَّ حب العلماء والصّالحين من أفضل العبادات التي يتقرَّب بها العبد إلى الله، يقول النّبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهما والرَّجلُ يحِبُّ القوم لا يُحِبُّهم إلَّا في الله والرَّجل إن قُذف في النَّار أحبُّ إليه من أن يرجع يهوديّاً أو نصرانيّاً)،[9] أمَّا عن محبة الزّوجة فهو من الأمور الفطرية المكتسبة، ومحبة الأولاد من الأُمور التي فُطر عليها الإنسان ولا عمل له بها، على أن لا يتحول هذا الشعور القلبي بالميل إلى أحد الأولاد وتفضيله بالنّفقة والاهتمام وتمييزه عن باقي إخوته.[10]

بالحب تحل المشكلات

إذا حلَّ الحب في المجتمعات محلَّ البغض والمشاحنات، حُلَّت المشكلات، فالبغض داءٌ والحب دواءٌ، وأكبر رأس مال للمؤمنين اليوم هو الحب، فالأعداء يسعون إلى دمار المؤمنين، وإفقارهم، وانتشار العداوة والبغضاء بينهم عن طريق إبعادهم عن نهج الله تعالى، فكلما ابتعد المسلم عن الله امتلأ قلبه بالحسد، والبُغض، والإساءة، وكلما اقترب من الله امتلأ بالرحمة، والحب، والطمأنينة، ولما دخل النّبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فاتحاً، قال عنه أهل مكة عندما علموا سعة صدره، وجمال أخلاقه، والحب الذي في قلبه: "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم"، فعاملهم بالحب والمسامحة وأطلق سراحهم.[11]

المراجع

  1. ↑ سورة الروم، آية: 21.
  2. ↑ محمد عبد المؤمن (11-2-2013)، "ما هو الحب؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2019. بتصرّف.
  3. ↑ أمين أمكاح (25-5-2017)، "الصدق عنوان الحب"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2019. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3688، صحيح.
  5. ^ أ ب د. مهران عثمان، "الحب في الإسلام"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن المقداد بن معد يكرب الكندي، الصفحة أو الرقم: 5124، صحيح.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5283، صحيح.
  8. ^ أ ب براء العبيدي (27-5-2013)، "الحب قبل الزواج"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-3-2019. بتصرّف.
  9. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 237، أخرجه في صحيحه.
  10. ↑ "حكم الحب في الإسلام"، www.islamweb.net، 27-9-2001، اطّلع عليه بتاريخ 3-3-2019. بتصرّف.
  11. ↑ "مفهوم الحب في الإسلام "، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-3-2019. بتصرّف.