تعامل الرسول مع اليهود والنصارى
أخلاق رسول الله
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة في حسن الخلق، فقد تجمّعت فيه الصفات الحميدة، ومكارم الأخلاق؛ وقد شهد الله تعالى له بما لم يشد لأحدٍ من قبله، حيث قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[1]فقد عُرف -عليه الصّلاة والسّلام- بالصدق، وشهدت له قريش بذلك، فكان يُلقّب في الجاهليّة بالصادق الأمين، وعُرف أيضاً بالكرم، فكان ينفق الكثير في سبيل الله، على الرغم من حاجته للقليل، فقد جاءه رجلٌ في أحد الأيام فسأله، فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: (أسلموا فإنّ محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة)، وروي أنّه حُمل إليه تسعون ألف درهمٍ فوضعها على حصيرةٍ، ثمّ قسّمها على الناس، فما ردّ سائلاً حتى فرغ منها، وكان -عليه الصّلاة والسّلام- أعدل الناس، وأصبرهم، وأرحمهم، وأشجعهم عند لقاء العدو.[2]
تعامل النبيّ مع اليهود
تعامل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع اليهود بكلّ صدقٍ وأمانةٍ، حيث عقد معهم وثيقة صلح اشتملت على الكثير من العهود والأمانات، وكان من بنودها، أنّ اليهود أمّةٌ واحدةٌ مع المسلمين، ولكلّ فئةٍ دينها، وحقّها في إقامة شعائرها، وأنّ على المسلمين نفقتهم، وعلى اليهود نفقتهم، وعليهم جميعاً نصرة المظلوم، والنصح والإرشاد، والدفاع المشترك عن المدينة المنوّرة أمام كلّ من هاجمها من الأعداء، ولكنّ اليهود لم يراعوا عهدهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفيما يأتي بيان الطريقة التي تعامل فيها رسول الله مع كلّ قبيلةٍ من قبائل اليهود في المدينة:[3]
- يهود بني قينقاع: كان بنو قنقاع من أقوى اليهود وأشجعهم، حيث كان لهم حيٌّ خاصٌّ بهم في المدينة المنوّرة، وعندهم الكثير من الآلات الحربية، وكانوا كثيراً ما يحاولون استفزاز المسلمين، من خلال السخرية منهم، والتعرّض للنساء عند دخول سوقهم، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصبر على ذلك، ويدعوهم إلى الإسلام، ولكنّهم كانوا يتمادون في كلّ مرّةٍ، وفي أحد الأيام ذهبت امرأةٌ مسلمةٌ إلى سوقهم؛ لتبيع شيئاً لها، فقام اليهود بمراودتها لكشف وجهها فأبت، فقام رجل منهم وربط أحد أطراف ثوبها إلى ظهرها، فلما وقفت انكشفت عورتها، وأخذ اليهود بالضحك، فصرخت، فقام رجلٌ من المسلمين فقتل اليهوديّ، فاجتمع اليهود على المسلم فقتلوه، ثمّ وصل الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر الصحابة بالتجهز للقتال، فتجهزوا وخرجوا مسرعين إلى بني قينقاع، وحاصروهم خمسة عشر يوماً، ولكنّ رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول تدخّل وشفع لهم عند النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فأخذ رسول الله أموالهم، وأجلاهم إلى الشام.
- يهود بني النضير: سار يهود بني النضير على خطى من سبقهم من بني قينقاع في الغدر والخيانة، فعندما ذهب إليهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أجل دية القتيلين من بني عامر رحبوا به وقالوا له: (نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت)، ثمّ خلا بعضهم إلى بعضٍ وخطّطوا لقتل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ولكنّ الله تعالى أنزل الوحي على رسوله وأخبره بما خططوا له، فخرج من ديارهم مسرعاً، وعاد إلى المدينة المنوّرة، وقرّر قتالهم، وإجلائهم عن المدينة المنوّرة؛ جزاءً لخيانتهم وغدرهم، ونقضهم للعهد، فحاصرهم المسلمون خمسة عشر يوماً، خرجوا بعدها وهم يخربون بيوتهم، ويحملون ما خفّ من متاعهم.
تعامل النبيّ مع النصارى
تعامل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع النصارى في آخر سنتين من حياته، حيث عقد معهم العديد من المعاهدات والاتفاقيّات، ومنها معاهدة نصارى نجران، حيث قدم منهم وفد من الرجل إلى المدينة المنوّرة؛ لمفاوضة النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، على رأسهم ثلاثة رجالٍ، وهم: أميرالرحلة وهو العاقب، ورجل يتولّى إدارة الرحلة وهو السيد، ورجل مسؤولٌ عن الأمور الدينيّة وهو الأسقف، وكانوا يلبسون الحرير وخواتم الذهب؛ بهدف إبهار المسلمين ولفت أنظارهم، فلما وصلوا إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عرض عليهم الإسلام، فقالوا: (أسلمْنا قبلَك)، قال: (كذبتم، يَمنعُكم مِن الإسلامِ دُعاؤُكم لِلَّهِ وَلَدًا، وعِبادتُكم الصليبَ، وأكلُكم الخِنزيرَ)،[4]وبيّن لهم أنّهم حرّفوا الإنجيل، ولم يسلموا لله ربّ العالمين، ولا يصح أن يطلقوا على أنفسم لقب الإسلام قبل أن يتركوا تلك الاعتقادات الفاسدة، ثمّ قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما لك تشتم صاحبنا -يقصدون عيسى، وتقول: إنّه عبد الله)، فأكّد لهم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- على أن عيسى -عليه السّلام- من أولي العزم من الرسل، وكلمة الله ألقاها إلى مريم، فقالوا: (هل رأيت إنساناً من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله)، فأنزل الله تعالى قوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)،[5] وعلى الرغم من قوّة الحجّة، والكلام المقنع، إلّا أنّ نصارى نجران أصروا على معتقداتهم الباطلة، فدعاهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المباهلة، فرفضوا ذلك؛ لعلمهم أنّه نبيٌّ مرسلٌ، ووصل الحوار معهم إلى طريقٍ مسدودٍ، ولكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قبل مصالحتهم على الجزية، ولم يقاتلهم مع قدرته على ذلك، إذ لم يكنوا أهل قوّةٍ، ولكنّه لم يفعل؛ لأنّه كان يطمح إلى إرساء قواعد السلام بين المسلمين وسائر الأمم.[6]
المراجع
- ↑ سورة القلم، آية: 4.
- ↑ "أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2018. بتصرّف.
- ↑ "من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن محمد بن جعفر بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 427 ، مرسل.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 59-61.
- ↑ "معاهدات الرسول مع النصارى"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.