أبغض الحلال عند الله الطلاق
الحكمة من مشروعية الطلاق وحكمه
وجّه الإسلام كلّاً من الرجل والمرأة إلى إحسان اختيار شريك حياته عند الخطبة، إلّا أنّ ذلك -على أهمية الاعتناء به والحرص عليه- قد لا يضمن استقرار الحياة الزوجية بينهما، فربما تهاون أحدهما في تحرّي اختيار الشريك المناسب له، وربما استجدّت في حياتهما بعد عقد القِران أمورٌ أثارت القلق والمشاكل بينهما، كأن يمرض أحدهما، أو يعجز عن أداء واجباته، ووظائفه الزوجية، وقد يكون السبب في الشقاق بينها أمراً خارجاً عن إرادتهما، كتدخّل الأهل، والجيران، ونحو ذلك، وربما كان بسبب انصراف قلب أحدهما عن الآخر، وأول ما يجدر بهما فعله حينها الصبر، والاحتمال، والتغاضي عن تقصير كلّ طرفٍ منهما، فإن لم يتمكّنا من فعل ذلك؛ لأنّ ما بينهما من أسباب النزاع أكبر ممّا يمكن تحمّله، أو لأنّهما في حالةٍ نفسيةٍ لا تسمح لهما بالصبر والاحتمال، فقد أذنت لهما الشريعة الإسلامية حينها الطلاق، والحكمة في ذلك إنهاء ما بينهما من كدرٍ وصعوباتٍ، وليستأنف كلٌّ منهما حياته منفرداً، أو برابطةٍ زوجيةٍ جديدةٍ تضمن له العيش الهانئ المستقرّ.[1].
والطلاق يدور في حُكمه الشرعي على الأحكام التكليفية الخمسة؛ بناءً على الحالة التي يكون عليها الزوجان، فقد يكون الطلاق في حقّهما واجباً، كطلاق المولّي لزوجته، وهو من أقسم أن يمتنع عن جماع زوجته، فهذا يمهل لمدة أربعة أشهرٍ، وبعدها إمّا أن يرجع لجماع زوجته، أو أن يصبح الطلاق واجباً عليه، وكذلك حال الطلاق بالتحكيم بين الزوجين، إذا قرّر الحكمان إيقاع الطلاق بينهما، فحينها يجب على الزوج تطليق زوجته، وقد يكون الطلاق مستحبّاً أيضاً، وذلك في حال كانت الزوجة مفرّطةً في حقوق الله، كالصلاة، ونحوها، أو كانت المعيشة بين الزوجين مستحيلةً، لما فيها من شقاقٍ مستمرٍ، أو إذا طلبت الزوجة الخلع، فيستحبّ للزوج حينها أن يطلّقها منعاً للضرر، وقد يكون الطلاق مباحاً في أحوالٍ أيضاً، وذلك في حال الحاجة إليه لسوء عشرة المرأة، أو التضرّر بها، أمّا إن لم يكن هناك حاجةً للطلاق، فإنّه يأخذ حكم الكراهة حينها، ويكون الطلاق حراماً في حال إيقاعه على غير الوجه المشروع له، كأن يطلق الزوج زوجته، وهي في فترة الحيض، أو النفاس.[2]
أبغض الحلال عند الله الطلاق
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حديثٌ قال فيه: (أبغَضُ الحلالِ إلى اللهِ الطَّلاقُ، ما أحلَّ اللهُ شيئاً أبغضَ إليهِ من الطَّلاقِ)،[3] ومدار هذا الحديث حول الراوي الثقة معرف بن واصل، عن الإمام الثقة أيضاً محارب بن دثار، ولكنّه نقل عن معرف على وجهين: الأول منهما جاء متصلاً مُسنداً؛ عن معرف عن محارب عن ابن عمر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والثاني جاء مُرسلاً عن معرف عن محارب عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- دون ذكر ابن عمر -رضي الله عنه- في السند، وعندما درس المحدّثون هذين الوجهين، وجدوا أنّ من رووا الوجه المُرسل منهما كانوا أوثق، وأكثر ممّن رووه في الوجه المتصل، ممّا دفعهم إلى ترجيح الوجه المرسل منه، والحديث المرسل هو أحد أنواع الحديث الضعيف، بالتالي فقد حكموا بضعف الحديث السابق لما فيه من الإرسال.[4]
وعلى الرغم من ترجيح عدم ثبوت ذلك الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لما فيه من ضعفٍ، وإرسالٍ، إلّا أنّ معناه صحيحٌ، وقد ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين حين قال: (إنّ الله يكره الطلاق، إلّا أنّه لم يُحرّمه على عباده، حتى يوسّع عليهم، ويرفع عنهم الحرج، فإن كان هناك سبباً شرعياً، أو عادياً يدعو إلى الطلاق، فإنّه يكون جائزاً حينها، وكذلك إن كان إبقاء المرأة في عصمة الرجل يؤدي إلى حدوث محظورٍ شرعي، ولا يمكن منع ذلك إلّا بطلاقها، كأن تكون ناقصةٌ في دينها، أو ناقصةٌ في عفتها، فالأولى حينها أن يطلّقها الرجل، أمّا الطلاق بدون سببٍ فهو مكروهٌ)، وقال الشيخ ابن باز في ذلك أيضاً: (إنّ الطلاق حلالٌ، ولكنّه أبغض الحلال، لأنّه سببٌ في التفريق بين الزوج وأهله، والمراد من الحديث السابق ذكره الترغيب في عدم إيقاع الطلاق، والحرص على البقاء مع الزوجة، لأنّ ذلك سبباً في عفة المرأة والرجل، وسبباً في حصول الأولاد لكلٍّ منهما، وسبباً في حفظ البصر، وغضّه عن المحرمات، وغيرها من المصالح أيضاً).[4][5]
آداب إيقاع الطلاق
إنّ لتطليق الرجل زوجته آداباً شرعيةً يجدر به مراعاتها عند إيقاع الطلاق، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[6]
- الحرص على رعاية المصلحة قبل إيقاع الطلاق، وذلك من خلال التروّي، والتحاكم إلى حكمين، فمن تعجّل في إيقاع الطلاق، وترك الاحتكام إلى حكمين فيه قد تلبّس بفعل المنهي عنه، ومخالفة المأمور به.
- إيقاع الطلاق في حالة الخوف من عدم إقامة حدود الله بين الزوجين؛ كأن تتضرّر المرأة بزواجها لما تراه من انكبابه على الفواحش، والمنكرات، أو إغراءٍ لها بترك الواجبات، أو ترغيبها بمشاهدة ما يأتيه من الموبقات، ونحو ذلك.
- عدم قصد إيذاء الزوجة، والإضرار بها من خلال إيقاع الطلاق عليها؛ لأنّ الضرر ممنوعٌ شرعاً، وقد نهى الله تعالى عنه في قوله: (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ).[7]
- ألّا يكون الطلاق بثلاثة طلقاتٍ دفعةً واحدةً، لنهي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن فعل ذلك.
- الإشهاد على حدوث الطلاق، وعلى حدوث الرجعة أيضاً إن حصلت.
- ألّا يكون الطلاق في حالة الغضب.
- أن يقع الطلاق على الوجه المأذون به شرعاً، فلا يكون طلاقاً بدعياً محرّماً في وقت الحيض، أو النفاس، بل في طهرٍ لم يجامع الرجل فيه زوجته.
- إيقاع الطلاق بإحسان؛ أي دون كلامٍ فاحشٍ بذيءٍ، ودون بغيٍ، أو عدوانٍ على المرأة.
المراجع
- ↑ " حكمة تشريع الطّلاق"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-11. بتصرّف.
- ↑ الشيخ الدكتور عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي (2013-3-26)، "حكم الطلاق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-11. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 253، ضعيف.
- ^ أ ب "حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)"، www.islamqa.info، 2008-9-24، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-11. بتصرّف.
- ↑ "شرح حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-11. بتصرّف.
- ↑ جمال الدين القاسمي (2011-7-14)، "آداب التطليق"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2018-11-11. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 6.