عدد زوجات سيدنا محمد
تعدد الزوجات
إن تعدد الزوجات كان أمراً معروفاً في الجاهلية، ثم جاء الإسلام ووضع له القيود والضوابط، وفيما يأتي بيانٌ لذلك بشيء من التفصيل:
- تعدد الزوجات في الجاهلية: كان تعدد الزوجات في الجاهلية أمراً مباحاً متعارفاً عليه بين الناس؛ فقد أباح الجاهليّون للرجل أن ينكح ما شاء من النساء، وأن يجمع بين أي عدد شاء من النساء دون تحديد، فقد كان الرجل من قريش يتزوّج العشر من النساء، ورُوي أن الرجل في الجاهلية كان ينكح العشرة منهنّ فأكثر وأقل، وكان الجاهليّون يتزوّجون نساء آبائهم، ولم يكونوا يعدلون بين زوجاتهم، بل كان الرجل يُفضّل بعض نسائه على بعض.[1]
- تعدد الزوجات في الإسلام: جاء الإسلام بمشروعية التعدد، ولكن وضع للتعدد ضوابط ومحدّدات، قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا)،[2] فلا يجوز للمسلم أن يجمع بين أكثر من أربعة نسوة في وقتٍ واحد، كما ينبغي للمسلم أن يعدل بين نسائه، و شرع الله تعالى التعدد؛ لما فيه من المصالح لكلٍ من الذَكر والأنثى؛ فالزواج من أسباب العفة للرجل والمرأة، وبقاء الرجل دون زوجة أو بقاء المرأة دون زوج قد يُعرّض كلاً من الرجل والمرأة لِما حرَّم الله تعالى، وقد لا تحصل العِفة للرجل بزوجة واحدة؛ لكونه شديد الشهوة، أو كون الرجل يُقيم في أكثر من بلدٍ، فيكون له في كل بلدٍ زوجةٌ ترعاه، وتحفظ حقوقه؛ فشرع الله تعالى للرجل التعدد صيانةً له عن الحرام.[3]
عدد زوجات سيدنا محمد
تزوّج النبي -صلى الله عليه وسلم- من النساء إحدى عشرة، وفيما ما يأتي ذكر زوجاته صلى الله عليه وسلم:[4]
- خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية: كانت أول زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان زواجه منها قبل النبوة، وكانت تبلغ من العمر أربعين سنة، ولم يتزوج عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ماتت، وأنجبت للنبي -صلى الله عليه وسلم- جميع أولاده إلا إبراهيم، وتوفّيت -رحمها الله- قبل الهجرة بثلاث سنين.
- حفصة بنت عمر بن الخطاب: وقال أبو داود -رحمه الله- أنه طلّقها ثم أرجعها لعصمته.
- زينب بنت خزيمة: وقد توفّيت -رحمها الله- بعد زواجها بشهرين.
- أم سلمة هند بنت أبي أمية: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موت زوجها أبو سلمة، وتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال سنة أربعٍ، وقيل: كانت آخر نسائه وفاةً.
- زينب بنت جحش: ابنة عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خواصّها أن الله -تعالى- هو الذي كان وليُّها في الزواج بعد أن طلّقها زيد بن حارثة، قال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ مَفْعُولًا)،[5] وتوفّيَت -رحمها الله- في أول خلافة عمر بن الخطاب.
- جويرية بنت الحارث: كانت من سبايا بني المصطلق، فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تستعين به على أداء ما عليها حتى تُعتق، فأدّى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما عليها وتزوجها.
- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان: قيل إن اسمها هند، تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي في بلاد الحبشة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وتوفّيت -رحمها الله- في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان.
- ميمونة بنت الحارث: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة في عمرة القضاء بعد أن حلَّ من العمرة، وهي آخر من تزوّج بها النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفّيت -رحمها الله- في أيام معاوية بن أبي سفيان.
- صفية بنت حيي بن أخطب: أعتقها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة خيبر ثم تزوجها، وجعل عِتقها صداقها.
- عائشة بنت أبي بكر الصديق: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل زواجه من سودة، ولكن بنى بها بعد سودة، وتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- في شوال، وكان عمرها ستُّ سنوات، وبنى بها في شوال من السنة الأولى للهجرة، وكان عمرها تسع سنين، ولم يتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بِكراً غيرها، وكانت أفقه نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها أسقطت من النبي -صلى الله عليه وسلم- حملاً ولم يثبت، وكانت أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.[6]
- سودة بنت زمعة: تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موت خديجة سنة عشر من النبوة، وهي التي وهبت يومها لعائشة.[7]
قيل: ومن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ريحانة بنت زيد النضرية، وقيل: القرظية، سُبيت في يوم بني قريظة، فاصطفاها النبي -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، فأعتقها وتزوجها، ثم طلقها تطليقةً ثم راجعها، وقيل: كانت أَمَتَه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطؤها بملك اليمين حتى توفّي عنها، فلم تكن من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.[4]
الحكمة من تعدد زوجات النبي
كان تعدد زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- لعدة حِكم، وهي على النحو الآتي:[8]
- الحكمة التعليمية: كانت أمهات الؤمنين بمثابة المعلمات لبقية المسلمات في المجتمع المسلم، فكانت زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- يأخذن العلم من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينشرنه بين نساء المسلمين، خصوصاً ما يخص المرأة من الأحكام؛ كأحكام الطُهر، والحيض، والنفاس، التي يصعب على الرجل شرحها للنساء؛ لما في ذلك من الحرج، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الحياء، فعن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ، فأمَرَهَا كيفَ تَغْتَسِلُ، قالَ: خُذِي فِرْصَةً مِن مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بهَا قالَتْ: كيفَ أتَطَهَّرُ؟ قالَ: تَطَهَّرِي بهَا، قالَتْ: كيفَ؟ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ، فَقُلتُ: تَتَبَّعِي بهَا أثَرَ الدَّمِ)،[9] فكانت الغاية الأساسية من زواجه -صلى الله عليه وسلم- هو تخريج نساءٍ معلمات، يُعلّمْن الناس الأحكام الشرعية.
- الحكمة التشريعية: تظهر هذه الحكمة في حادثة زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش الأسدية، فقد كانت -رضي الله عنها- زوجة زيد بن حارثة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تبنّى زيد بن حارثة حتى أصبح يُسمى زيد بن محمد، وكان التبني في الجاهلية يأخذ أحكام النسب؛ من جيث حرمة المصاهرة، وحرمة النكاح، حتى نزل قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ)،[10] ثم أمر الله تعالى نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوّج امرأة زيد بن حارثة بعد أن طلّقها؛ حتى يُبطل أحكام الجاهلية، فقال تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ مَفْعُولًا)،[11] فكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش لحكمة تشريعية، وهي إنهاء حكم التبني.
- الحكمة الاجتماعية: كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بابنة خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه مُجازاةً له على ما بذله لدين الله تعالى، وتوثيقاً للروابط بالمصاهرة، ثم تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بابنة وزيره الثاني عمر بن الخطاب قُرةَ عينٍ له، وتشريفاً له بالمصاهرة؛ لِما قدَّم للإسلام من تضحياتٍ، وبذلٍ، وعطاءٍ، وكذلك كان زواجه -صلى الله عليه وسلم- من قبائل أُخرى من العرب؛ تأليفاً لقلوبهم، وترسيخاً للإيمان في صدورهم، ورفعاً لمكانتهم.
- الحكمة السياسية: كانت حماية الإسلام ودعوته تقتضي تأليف القبائل، وجمع كلمتهم تحت راية الإسلام، وتوثيق الروابط بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فزواج الرجل من قومٍ سببٌ يدعوهم إلى حمايته ونصرته، ومن ذلك زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من جويريّة؛ ترغيباً لها ولقومها في الإسلام، فقد وقعت -رحمها الله- سبيَّة في سهم ثابت بن قيس، وكانت امرأةً جميلةً، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تستعين به في قضاء ما عليها من مكاتبةٍ حتى تُعتِق نفسها، فعرض عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- الزواج، ويكون مهرها بأن يقضي ما عليها وتنال حريّتها، فوافقت -رضي الله عنها- على طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتزوجت به، فلما علم الناس بزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بجويرية بنت الحارث، أعتقوا ما عندهم من سبايا بني المصطلق، فكانت -رحمها الله- بركةً على قومها؛ وكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- منها سبباً لدخولها وقومها في الإسلام.
المراجع
- ↑ جواد علي (2001)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الساقي، صفحة 219، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 3.
- ↑ "مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام "، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن القيم (1994)، زاد المعاد في هدي خير العباد (الطبعة السابعة والعشرون)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 102-110، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 37.
- ↑ ابن كثير (1986)، البداية والنهاية، دمشق: دار الفكر، صفحة 130-133، جزء 3.
- ↑ "أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمهات المؤمنين رضي الله عنهن"، www.islamqa.info، 2004-7-18، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2019. بتصرّف.
- ↑ "حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2019.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 314، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 5.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 37.