سبب نزول سورة الفلق
تعريف عام بسورة الفلق
قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ*وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).[1]
اختلف العلماء في مكية سورة الفلق ومدنيتها؛ فذهب الحسن، وعطاء، وعكرمة وجابر، إلى أنّها سورة مكية، وروي عن ابن عباس وقتادة أنّها سورة مدنية، عدد آياتها خمسة، ويأتي ترتيبها من حيث النزول بعد سورة الفيل؛ أي في الفترة بين بدء نزول الوحي والهجرة إلى الحبشة، أما ترتيبها في المصحف فيأتي بعد سورة الإخلاص، وسميت سورة الفلق بهذا الاسم لابتدائها بقول الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)،[2] ويُقصد بالفلق الصبح؛ وذلك لأنّ الليل يتفلّق عنه، وتناولت سورة الفلق في ثناياها موضوع الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، والتحصن بقدرته من شر المخلوقات، ومن شر الظلام إذا انتشر، ومن شر النساء الساحرات، ومن شر أهل الفتن، ومن شر أهل الغيبة والنميمة، ومن شر الحسود، وتهدف سورة الفلق إلى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعاً إلى اللجوء والاعتصام بقدرة الله سبحانه وتعالى، والاحتماء بجلاله من شر مخلوقاته وما يصدر عنهم من حسد أو أذى.[3][4]
سبب نزول سورة الفلق
ذكرت كتب التفسير والكتب التي تعنى بأسباب نزول السور والآيات القرآنية في ثناياها سبب النزول، حيث ذكرت أنّه كان غلام من اليهود يقوم على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأتت إليه اليهود فطلبوا منه بعضاً من مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد من أسنان مشطه، فما زالوا به حتى أعطاهم ما طلبوه منه؛ فعملوا سحراً للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة ما أخذوه من مشاطة الشعر وأسنان المشط، وكان الذي تولى هذه المهمة منهم اليهودي لبيد بن الأعصم؛ حيث دسّها في بئر للماء لبني زريق يقال لها ذروان.[5]
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة وانتثر شعر رأسه، وكان يخيل إليه أنّه يأتي نساءه وفي الحقيقة لا يأتيهن، وفي يوم جاءه ملكان وهو نائم؛ فقعد أحدهما عند رأسه عليه الصلاة والسلام وقعد الآخر عند رجليه، فقال الملك الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ فقال الآخر: طب (سحر)، قال: ومن سحره؟ قـال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم سحره؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في قشر الطلع (الجف) تحت حجر في أسفل البئر، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديث الذي دار بين الملكين، ثمّ أرسل كلاً من علي بن أبي طالب والزبير وعمار بن ياسر رَضي الله عنهم إلى تلك البئر فأخرجوا ماء ها وإذ به وكأنه نقاعة الحناء، ثمّ رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم، وأسنان من مشطه، وفيه أيضاً وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله سُبحانه وتعالى المَعوذتين الفلق والناس، فجعل كلما قرأ آية منهما انحلّت عقدة، وكان جبريل عليه السلام يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين، الله يشفيك)، حتى انحلّت آخر عقدة.[5]
وردت قصة سحر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الكتب، ومنها كتاب صحيح البخاري؛ حيث ذكرها الإمام البخاري من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (سُحِرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أنه يَفعَلُ الشيءَ وما فعَله، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ وهو عِندي، دَعا اللهَ ودَعاه، ثم قال: (أشعَرْتِ يا عائشةُ أن اللهَ قد أفتاني فيما استفتَيْتُه فيه)، قلتُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: (جاءَني رجلانِ، فجلَس أحدُهما عِندَ رأسي، والآخَرُ عِندَ رِجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبِه: ما وجَعُ الرجلِ؟ قال: مَطبوبٌ، قال: ومَن طَبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ اليهودِيُّ من بني زُرَيقٍ، قال: في ماذا؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلعَةٍ ذكَرٍ، قال: فأين هو؟ قال: في بئرِ ذي أَروانَ)، قال: فذهَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أُناسٍ من أصحابِه إلى البئرِ، فنظَر إليها وعليها نخلٌ، ثم رجَع إلى عائشةَ فقال: (واللهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشياطينِ)، قلتُ: يا رسولَ اللهِ أفأخرَجتَه؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخَشِيتُ أن أثَوِّرَ على الناسِ منه شَرًّا)، وأمَر بها فدُفِنَتْ)[6]
مناسبة سورة الفلق للسورة التي قبلها
تتناسب سورة الفلق مع السورة التي تسبقها في ترتيب المصحف (سورة الإخلاص)، حيث أمر الله سبحانه وتعالى في سورة الإخلاص بتوحيد الألوهية وتنزيهه عما لا يليق به، وتتناسب سورة الفلق أيضاً والسورة التي بعدها (سورة الناس) بين ما يُستعاذ بالله سبحانه وتعالى منه من الشر، وبين مراتب ودرجات المخلوقات الذين يصدون ويمتنعون عن توحيد الله كالمشركين والشياطين، وغيرهم.[7]
فقه الأحكام في سورة الفلق
تحتوي سورة الفلق على العديد من الأحكام، منها:[7]
- تعليم الناس كيفية الاستعاذة من كل شر؛ في الدنيا أو في الآخرة، من الإنس أو الجن، ومن النار أو الذنوب.
- ليس هناك مانع يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة بهذه السورة.
- ورود الإرشاد إلى الاستعاذة من ثلاثة أصناف في الآيات الكريمة وهي: الليل إذا أظلم وانتشر الفساد، ومن الساحرات اللواتي ينفخن في عقد الخيط، ومن الحاسد الذي يحسد غيره ويتمنى زوال النعم عنه.
- أجاز كثير من أهل العلم الاستعانة بالرقية، وذلك استناداً إلى رقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم.
المراجع
- ↑ سورة الفلق، آية: 1-5.
- ↑ سورة الفلق، آية: 1.
- ↑ جعفر شرف الدين (1420هـ)، الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 323-325، بتصرّف.
- ↑ د وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الفكر المعاصر، صفحة 469، جزء 30، بتصرّف.
- ^ أ ب "سبب نزول جبريل بالمعوذتين"، إسلام ويب، 3-11-2010، اطّلع عليه بتاريخ 14-8-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5766، صحيح.
- ^ أ ب د وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الفكر المعاصر، صفحة 469-476، جزء 30، بتصرّف.