سبب نزول سورة النصر
تعريف عام بسورة النصر
تُعتبر سورة النصر من السور المدنية التي وقع إجماع العلماء على مدنيتها، وعدد آياتها ثلاث آيات وهي: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[1]، وهي من قصار السور، وعَدد كلماتها سبع عشرة كلمة، وعدد حروفها سبعةٌ وسبعون حرفاً، ويُطلق عليها سورة التوديع، ويأتي ترتيبها من حيث النزول بعد سورة التوبة، أمّا ترتيبها في المُصحف فهو بعد سورة الكافرون وتتناسب معها في أنّ الأولى جاء فيها ذكر لاختلاف دين النبي صلى الله عليه وسلم والذي يدعو إليه عن دين الكفار الذي يصرون ويعكفون عليه.
في سورة النّصر إشارة إلى أنّ دين الكفّار سيزول وسيضمحل، فحملت سورة النصر بين طيّاتها البِشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، وانتصاره على المشركين، وانتشار الإسلام، وإتمام الرسالة، وأداء الأمانة، وأخبرت سورة النصر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقرب أجله، وأن يُسبّح بحمد الله ويستغفره.[2][3][4]
سبب نزول سورة النصر
من المُتعارف عليه بين أهل القرآن أنّ لكل سورة هدفاً أو غايةً أو حادثة نزلت من أجلها، أو ما يُعرف بأسباب النزول، أمّا بالنّسبة لسبب نزول سورة النصر فهو إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن دنو أجله، والعلامة على ذلك فتح مكة، والدليل على ذلك كما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: (كان عمرُ يدخلُني مع أشياخِ بدر، فقال بعضُهم: لم تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتُم، قال: فدعاهم ذاتَ يومٍ ودعاني معهم، قال: وما رأيتُه دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) حتى ختم السورةَ، فقال بعضُهم: أمرنا أن نحمد اللهَ ونستغفرَه إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم، لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئًا، فقال لي: يا ابنَ عباسٍ، أكذلك قولك؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أعلمه اللهُ له: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فتح مكةَ، فذاك علامةُ أجلِك: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، قال عمرُ: ما أعلم منها إلا ما تعلمُ).[5]
بالنّسبة لوقت نزول سورة النصر فللعلماء في ذلك قولان: الأول؛ أنّ سورة النصر نزلت بعد فتح مكة، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزولها مدّة سبعين يوماً، وتوفّي في شهر ربيع الأول من السنة العاشرة للهجرة؛ فلذلك أطلق على هذه السورة سورة التوديع، أمّا بالنسبة لفتح مكة فكان في السنة الثامنة من الهجرة، أمّا القول الثاني فيُبيّن أنّ سورة النصر نزلت قبل فتح مكة، وفيها وَعد للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالنصر على أهل مكّة وفتحها لهم.[6]
سورة النصر سورة التوديع
تُسمّى سورة النصر بسورة التوديع؛ وقد اختُلف في أيّ وجهٍ عُلم هذا الاسم لسورة النصر، وليس في ظاهرها ما يدلّ على نعي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقيل: تقدير قول الله سبحانه وتعالى: (فسبح بحمد ربك) هو: فسبّح بحمد ربك فإنّك حينئذ لاحق بالله سبحانه وذائق طعم الموت، كما ذاقه جميع الرسل من قبلك، وقيل عُلم هذا الاسم من خلال أمر الله سبحانه وتعالى الرسول بتجديد التوحيد واستدراك ما فات بالاستغفار، وهذا من لَوازم الانتقالِ من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة.[7]
فقه الأحكام من خلال سورة النصر
دلّت سورة النصر وتضمّنت الأحكام الآتية:[8]
- يتوجّب على المُسلم أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده ويثني عليه بما هو أهل له، وذلك لما أنعم عليه من النِّعم الكثيرة، ومن أعظم النِعم التي منّ الله بها على نبيّه وعلى المؤمنين فتح مكة، وتحقيق النصر على الأعداء.
- ختم اللَّه سبحانه وتعالى سورة النصر بأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة والاستغفار، وتسبيح الله وتنزيهه عمّا لا يَليقُ به سبحانه، وحمده على ما أنعَمَ به عليه من الفتح والنصر؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم وقد خوطب بذلك فمن باب أولى قيام الأمة بالاستغفار.
- دين اللَّه سبحانه وتعالى الإسلام وذلك لقوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ).[9]
- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إيمان الشخص المقلّد صحيح، وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى حكم بصحّته وإيمان أولئك الأفواج الجُدد الذين يَدخلون في دين الله، وجعل ذلك من أعظم المِنن على نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهؤلاء لو لم يَكن إيمانهم صحيحاً لما ورد ذكره هنا.
- ورد أمر اللَّه سبحانه وتعالى بالتّسبيح بدايةً ثم بحمده ثانياً، ثم بالاستغفار ثالثاً، فقدّم الاشتغال بما يتوجّب للخالق؛ وهو التسبيح، والتحميد على الاشتِغال بالنفس، وقدّم الأمر بالتسبيح أيضاً حتى لا يتبادر إلى الذهن أنّ تأخير النصر لعدد من السنين كان لإهمال الحق مثلاً، تعالى الله وتنزّه عن ذلك، والاستغفار حتى لا يفكّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالاشتغال بالانتقام ممن آذاه.
- للتسبيح والتحميد فضل عظيم؛ فقد كانا كافيين لأداء ما وجب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى أمته من شكر نعمة النصر والفتح.
- اتّفق الصّحابة رضوان الله عليهم على أنّ سورة النصر دلّت على نعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
المراجع
- ↑ سورة النصر، آية: 1-3.
- ↑ د. وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الفكر المعاصر، صفحة 445-448، جزء 30، بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 272-274، جزء 12، بتصرّف.
- ↑ الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 403، جزء 32، بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4294، صحيح.
- ↑ د. وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الفكر المعاصر، صفحة 446-448، جزء 30، بتصرّف.
- ↑ الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي (2001)، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 403-404، جزء 32، بتصرّف.
- ↑ د. وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا: دار الفكر المعاصر، صفحة 450-452، جزء 30، بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 19.