قصة الساعة
هل الانتقال عبر الزمن ممكن؟
يقولون أنّ عقارب الساعة لايمكن لها أن تسير إلى الخلف أي أنّ الزمن يمضي قدماً ولا يمكن له ان يعود إلى الماضي في سنة كونية وناموس ازلي مذ أن كانت البشرية إلى أن تنتهي ، غير أنّ ذات القوم يقولون أنّ التاريخ يعيد نفسه بذات أحداثه وظروفه إنما على أجيال متعاقبة في عصور مختلفة يشهد كل واحد منها شيئاً مختلفاً ، قلت في نفسي أستغفر الله عن أي شيء تتحدثون وتفصلون فقد درسنا في مدارسنا أنّ الزمن خط مستقيم بدأ في الماضي وإستمر إلى يومنا الحاضر ويؤخذنا معه نحو المستقبل حينما يمسى الحاضر ماضياً ويصبح المستقبل حاضراً فلا نحن نشعر بوجودنا في الماضي ولا نحن ندرك اننا نعيش المستقبل إنما حاضر مستمر يمشي فينا على ذات الخط من الزمن والزمن هو التاريخ أولاً وأخيراً ثم ها أنتم اليوم تقولون أنّ الزمن دائري يعيد نفسه من حيث إنتهى !
إذا كان الزمن يمكن ان يكون دائرة هندسية تتوالى في العصور في ظلال أحداث تكرّر نفسها ومتغيرات وأزمات مستنسخه وبالتالي نتائج قطعية الثبوت ازليةالحدوث بما انها سبق وحدثت وفق ذات المعطيات مراراً وتكراراً وادت الى ذات النتيجة فلماذ لا يكون الزمن حزمة من خطوط مستقيمه متوازية كل خط فيها يعبر عن حقبة زمنية يسير بموازاة خط زمني آخر يعبر عن حقبة زمنية أخرى أي أن العصور مذ أن كان الماضي فالحاضر إلى ذاك المستقبل الذي لم يكن تجري في وقت واحد وآن واحد وهذا ما يبسط لنا فكرة العبور عبر الزمن التي راودت أحلام الكتاب والعلماء وداعبت خيالهم وما إستنزفت جهودهم إذ أنه من غير المنطقي الحديث عن إنتقال ممكن من الحاضر إلى الماضي لأن الإنتقال بين موجودإلى فاني منتهي تماماً كعدم منطقية فكرة السفر إلى المستقبل لأنه سفر من موجود إلى شيء لم تحصل وجوديته بعد، لكن إذا ما إفترضنا حقيقة أنّ الأزمنة تجري بموازاة بعضها عندها فقط يكون الإنتقال من موجود إلى موجود بصورة ما وبشكل ما يعلم الله أني لو إعتكفت عمراً ما إستطعت إلى ذلك سبيلاً .
سيقولون إفتراض مرفوض ، هرطقة ، نكته ، لكنها تماماً كفكرة ذاك الوقت المستقطع بين الثانية الأولى والثانية المتحررة من الإدراك والوعي والذي تقوم أرواحنا به بأحداث ومغامرات تبقى في ذاكرتها الوجدانية لتولد الأحاسيس تجاه الأشياء والعناصر .
مفهوم الأزمنة المتوازية:
هب أن أحد منا كان لديه عشر مجلدات من تاريخ البشرية المكتوب في مكتبته الصغيرة فيمسك بالمجلد الثالث ويبدأ بالقراءة عن العصور الوسطى في أوروبا والشرق الاوسط فيصيبه بعض الضجر وعدم الإهتمام فينتقل إلى المجلد التاسع حيث بداية الثورة الصناعية في أوربا ، إنتقال لم يستدعي قراءة ما بين العصرين بل القفز من فترة لأخرى دون عبور ما بينهما من فترات ، وعلى هذا الأساس ألا يمكن أن نفترض انّ الحقب الزمنية التي تشكل التاريخ ما هي إلا فترات زمنية متوازية تحدث كل منها في ذات الوقت ، صحيح أنّ السياق التاريخي متتابع ومتسلسل وأن كل حقبة تقوم على منجزات ما قبلها لكن هذا لا ينفي الفرضية ولا ينسفها حيث أن كل فترة زمنية تتمتع باستقلالها تجري بموازاة ما قبلها وما بعدها وهكذا ، والإننتقال المفترض يتطلب فهم رياضي وفيزيائي أعمق للعلاقة بين الحركة والزمن حيث أن نسبية أنشتاين المشهورة تتحدث عن أن" لكل نظام حركي تقويم زمني مختلف" وإذا ما كانت ما صح إفتراضنا يتوازي الفترات الزمنية فلا بد أن هناك نقاط تداخل بين تلك العوالم تسمح بشكل ما العبور فيما بينها ، لكن يبقى الزمن وكما يقول الراحل مصطفى محمود أكبر لغز في الفلسفة وأكبر لغز في الدين .