-

أحلى قصائد نزار قباني

أحلى قصائد نزار قباني
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

اختاري

قال نزار قباني مخاطباً محبوبته:[1]

إني خيرتُكِ فاختاري

ما بينَ الموتِ على صدري..

أو فوقَ دفاترِ أشعاري..

اِختاري الحبَّ.. أو اللاحبَّ

فجُبنٌ ألا تختاري..

لا توجدُ منطقةٌ وسطى

ما بينَ الجنّةِ والنارِ..

اِرمي أوراقكِ كاملةً..

وسأرضى عن أيِّ قرارِ..

قولي. اِنفعلي. اِنفجري

لا تقفي مثلَ المسمارِ..

لا يمكنُ أن أبقى أبداً

كالقشّةِ تحتَ الأمطارِ

اِختاري قدراً بين اثنينِ

وما أعنفَها أقداري..

مُرهقةٌ أنتِ.. وخائفةٌ

وطويلٌ جداً.. مشواري

غوصي في البحرِ.. أو ابتعدي

لا بحرٌ من غيرِ دوارِ..

الحبُّ مواجهةٌ كبرى

إبحارٌ ضدَّ التيارِ

صَلبٌ.. وعذابٌ.. ودموعٌ

ورحيلٌ بينَ الأقمارِ..

يقتُلني جبنُكِ يا امرأةً

تتسلى من خلفِ ستارِ..

إني لا أؤمنُ في حبٍّ..

لا يحملُ نزقَ الثوارِ..

لا يكسرُ كلَّ الأسوارِ

لا يضربُ مثلَ الإعصارِ..

آهٍ.. لو حبُّكِ يبلعُني

يقلعُني.. مثلَ الإعصارِ..

إنّي خيرتك.. فاختاري

ما بينَ الموتِ على صدري

أو فوقَ دفاترِ أشعاري

لا توجدُ منطقةٌ وسطى

ما بينَ الجنّةِ والنّارِ..

الوضوء بماء العشق والياسمين

وقال في دمشق:[2]

ينطلقُ صوتي، هذه المرة، من دمشقْ.

ينطلقُ من بيت أُمّي وأبي.

في الشام. تتغيَّرُ جغرافيّةُ جَسَدي.

تُصْبح كُريَّاتُ دمي خضراءْ.

وأبجديتي خضراءْ.

في الشام. ينبتُ لفمي فمٌ جديدْ

وينبُتُ لصوتي، صوتٌ جديدْ

وتصبحُ أصابعي،

قبيلةً من الأصابعْ.

أعودُ إلى دمشقْ

ممتطياً صَهْوَةَ سَحَابَهْ

ممتطياً أجملَ حصانينِ في الدنيا

حصانِ العِشْقْ.

وحصانِ الشِعْرْ ..

أعودُ بعد ستّينَ عاماً

لأبحثَ عن حبل مشيمتي ،

وعن الحلاق الدمشقيّ الذي خَتَنَنِي ،

وعن القابلة التي رَمَتْني في طَسْتٍ تحت السريرْ

وقبضتْ من أبي ليرةً ذهبيَّة

وخرجت من بيتنا ..

في ذلك اليوم من شهر آذار عام 1923

ويَدَاها مُلَطَّخَتانِ بدم القصيدَهْ ....

من جهة (باب البريدْ).

حاملاً معي ،

عَشْرَةَ أطنانٍ من مكاتيبِ الهَوَى

كنتُ قد أرسلتُها في القرن الأوّلِ للهُجْرَة

ولكنها لم تصِلْ إلى عُنْوانِ الحبيبْ

أو فَرَمَها مِقصُّ الرقيبْ ..

لذلك.. قرَّرتُ أن أحمل بريدي على كتفي

لعلَّ التي أحببتُها ..

وهي تلميذةٌ في المدرسة الثانويَّة

قبل خمسةَ عشرَ قرناً

لا تزال ترسُبُ في امتحاناتها

تضامناً مع ليلى العامريَّهْ

ومريمَ المجدليَّهْ

ورابعةَ العدويَّةْ

وكلِّ المعذَّبات في الحبِّ .. في هذا العالم الثالثْ.

أو لعلَّ الرقيبَ الذي كان يغتالُ رسائلي

قد نقلوهُ إلى مصلحة تسجيل السيَّارات

أو أدخلوه إلى مدرسةٍ لمحْوِ الأميَّةْ

أو تزوَّجَ ممَّنْ كانَ يقرأ لها رسائلي

منتحلاً اسْمي..

وإمضائي ..

وجُرْأةَ قصائدي ..

أعودُ إلى الرَحِمِ الذي تشكّلتُ فيه..

وإلى المرأةِ الأولى التي علَّمَتْني

جُغْرَافِيَّةَ الحُبّْ ..

وجُغْرَافيّةَ النساءْ..

أعودُ..

بعدما تناثَرَتْ أجزائي في كل القاراتْ

وتناثر سُعالي في كل الفنادق

فبعد شراشفِ أمي المعطرة بصابون الغارْ

لم أجد سريراً أنام عليه..

وبعدَ عَرُوسة الزيت والزعترْ ..

التي كانت تلفُّها لي،

لم تعدْ تُعجبني أيُّ عروسٍ في الدنيا..

وبَعْدَ مُربَّى السَفَرجَل الذي كانت تصنعه بيدَيْها

لم أعدْ متحمساً لإفطار الصباحْ

وبعد شراب التُوتِ الذي كانت تعصرُهُ

لم يَعُدْ يُسْكِرُني أي نبيذْ ...

أدخل صحنَ الجامع الأمويّْ

أُسلِّمُ على كلِّ من فيهْ

بَلاطةً .. بلاطهْ

حمامةً .. حمامَهْ

أتجولُ في بساتين الخطِّ الكُوفيّْ

وأقطفُ أزهاراً جميلةً من كلام اللهْ ...

وأسمعُ بعينيَّ صوتَ الفُسَيْفُسَاءْ ..

وموسيقى مسابح العقيقْ ..

تأخذني حالةٌ من التجلِّي والانخِطَافْ ،

فأصعدُ دَرَجاتِ أوَّلِ مئذنةٍ تُصادِفُني

مُنَادياً:

" حَيَّ على الياسمينْ ".

"حيَّ على الياسمينْ ".

عائدٌ إليكمْ ..

وأنا مضرَّجٌ بأمطار حنيني

عائدٌ .. لأملأَ جُيُوبي

عائدٌ إلى مَحَارَتي .

عائدٌ إلى سرير ولادتي.

فلا نوافيرُ فرسايْ

عوَّضتْني عن (مقهى النوفَرَهْ)..

ولا سُوقُ الهال في باريس

عوَّضَني عن (سوق الجُمْعَهْ) ..

ولا قصرُ باكِنْغهَامْ في لندنْ

عوَّضَني عن (قصر العَظمْ)..

ولا حمائم ساحة (سان ماركو) في فينيسيا

أكثرُ بَرَكةً من حَمَائم الجامع الأمويّْ

ولا قبرُ نابوليون في الأنفاليدْ

أكثرُ جلالاً من قبر صلاح الدين الأيُّوبي ..

قد يتَّهِمُني البعض ..

بأنني عدتُ إلى السباحة في بحار الرومانسيَّةْ

إنني لا أرفضُ التُهْمةْ .

فكما للأسماكِ مياهُها الإقليميةْ

فإن للقصائد أيضاً مياهها الإقليميةْ .

وأنا ـ كأيِّ سَمَكةٍ تكتبُ شِعْراً ـ

لا أريدُ أن أموتَ اخْتِنَاقاً ....

أتجوَّلُ في حارات دمشقَ الضَيِّقةْ .

تستيقظُ العيونُ العسليَّةُ ، خلفَ الشبابيكْ

وتُسلِّمُ عليّْ ..

تلبسُ النجوم أساورها الذهبيةْ ..

تحطُّ الحمائمُ من أبْراجها ..

وتُسلِّمُ عليّْ ..

تخرجُ لي القِطَطُ الشاميَّةُ النظيفَهْ

التي وُلِدَتْ مَعَنا ..

وراهقتْ معنا ..

وتزوَّجتْ مَعَنا ..

لتُسَلِّمَ عليّْ ...

تضعُ قليلاً من الماكياج على وجهها ..

شأن كلِّ النساءْ ..

تصنعُ لي قهوةً طيِّبَهْ .

وتُعَرِّفُني على أولادها .. وأصْهارِها .. وأحفادها ..

وتخبرني أن أكبر أولادها ..

سيتخرجُ هذا العامَ ، طبيباً من جامعة دمشقْ

وأن أصغرَ بناتها تزوَّجتْ من أميرٍ عربيّ

وسافَرَتْ معهُ إلى الخليجْ ..

تكرُجُ الدَمْعَةُ في عيني ..

وأَستأذِنُ بالإنصرافْ ..

وأنا مطمَئِنٌّ على شجرة العائلَةْ

ومُسْتَقْبَلِ السُلالاتْ ...

إلى مُصْطَافة

وقال في الحب:[3]

أأنتِ على المُنْحَنى تقعدينْ؟

لها رئتي هذه القاعدَهْ..

مشاوير تموز .. عادت وعدنا

لننهبَ داليةً راقِدَهْ..

لنسرقَ تيناً من الحقل فَجَّاً

لننقف عصفورة شاردة

لأغزل غيم بلادي شريطاً

يلفّ جدائلك الراعدة

لأغسِلَ رجليْكِ يا طفلتي

بماءِ ينابيعها الباردَهْ

سَمَاويّةَ العَيْن .. مُصْطَافتي

على كَتِف القرية الساجدَهْ

أحبك في لهو بيض الخراف

وفي مَرَح العَنْزَة الصاعدهْ

وفي زُمَر السَرْو والسنديانِ

وفي كل صفصافة ماردة

وفي مقطعٍ من أغاني جبالي

تغنيه فلاحة عائدة

صديقةُ . إن العصافيرَ عادتْ

لتنقر من جعبة الحاصدة

أًُحبُّكِ أنقى من الثلج قلباً

وأطهرَ من سُبْحة العابدَهْ

حلمت اندفاعة هذا الصبي

كما احتملتْ طفلَها الوالدَهْ

أُحبُّكِ .. زوبعةً من شبابٍ

بعشرين لا تعرف العاقبة

جُمُوعُ السُنُونُو على الأفق لاحَتْ

فَلُوحي .. ولو مرةً واحدهْ..

المراجع

  1. ↑ "إختاري"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019.
  2. ↑ "الوضوءُ بماءِ العْشق والياسمينْ"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019.
  3. ↑ نزار قبانى، قالت لي السمراء، صفحة 40.