-

عشر ذي الحجة وفضلها

عشر ذي الحجة وفضلها
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

عشر ذي الحجّة

قد يختصّ الله تعالى بعض الأشياء ويفضّلها على أخرى؛ وذلك من كمال ربوبيّته، حيث إنّه يخلق ما يشاء، ويفضّل بعض المخلوقات على بعضها الآخر، والأمر ذاته بالنسبة للملائكة، فالله تعالى فضّل جبريل -عليه السّلام- على غيره من الملائكة، وفضل أيضاً الملائكة الذين شهدوا غزوة بدر على غيرهم، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة للبشر؛ حيث إنّ المؤمنين مفضّلين عمّن سواهم، وفضّلوا الأنبياء -عليهم السّلام- من المؤمنين، وفضّلوا الرسل عن الأنبياء برسالاتهم، كما أنّ أولي العزم من الرسل تميّزوا بصبرهم وعزمهم، وخصّ الله تعالى نبيّاه إبراهيم ومحمد -عليهما السّلام- بالخُلّة، واختص كلّاً من محمد وموسى -عليهما السّلام- بكلام الله تعالى لهما، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى اختار لعباده أفضل الدين، فجعل الإسلام دينهم ومنهجهم، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ)،[1] ومن التفضيل الذي سنّه الله تعالى تفضيل بعض الأزمان والأوقات على بعضها البعض، ومن ذلك تفضيل العشر الأولى من شهر ذي الحجّة بالأعمال، وتخصيصها بأمهات الفضائل والعبادات، حيث قال الله تعالى: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ)،[2] والليال العشر الواردة في الآية؛ هي عشر ذي الحجة كما ورد في حديث جابر عن الإمام أحمد.[3]

فضل عشر ذي الحجّة

إنّ أيام العشر من ذي الحجّة من أيام العام المفضّلة لعدّة أسبابٍ، وبيان بعضها فيما يأتي:[4]

  • أقسم الله تعالى بالأيام العشر من ذي الحجّة؛ ممّا يدلّ على مكانتها العظيمة ومنزلتها الرفيعة، حيث إنّ الليالي العشر الواردة في سورة الفجر هي الليالي من ذي الحجّة، كما ورد عن الكثير من المفسّرين، وقال ابن كثير: إنّ ذلك هو الصحيح.
  • إنّ الأيام العشر من ذي الحجّة هي الأيام المعلومات التي شُرع فيها ذكر الله عزّ وجلّ، حيث قال الله تعالى عنها في القرآن الكريم: (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ)،[5] حيث ورد عن جمهور المفسّرين ومنهم: ابن عباس، وابن عمر، أنّ المقصود بالأيام المعلومات؛ أيام العشر من ذي الحجّة.
  • شهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الأيام العشر من ذي الحجّة من أفضل أيام الدنيا، ودليل ذلك قوله كما روى الألباني: (أفضلُ أيامِ الدُّنيا العشرُ –يعني: عشرَ ذي الحِجَّةِ-، قيل: ولا مثلهنَّ في سبيلِ اللهِ؟ قال: ولا مثلهنَّ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ عفَّر وجهَه بالتُّراب).[6]
  • إنّ من أيام ذي الحجّة يوم عرفة، الذي يسمّى أيضاً بيوم الحجّ الأكبر، وفيه تعتق الرقاب من النار، وتغفر ذنوب العباد، ومن الأيام الفضيلة في ذي الحجّة؛ يوم النحر، حيث إنّ بعض العلماء يعدّونه أفضل أيام السنة، واستدلوا بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحرِ، ثمَّ يومُ الْقَرِّ).[7]
  • تجتمع في عشر ذي الحجّة أمّهات العبادات؛ ومن ذلك ما ورد عن الحافظ ابن حجر في كتاب الفتح، حيث قال: (والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجّة؛ لمكان اجتماع أمّهات العبادة فيه، وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيرها).

أعمال عشر ذي الحجّة

لا بُدّ من المسلم أن يحرص على العبادات والطاعات في العشر الأولى من ذي الحجّة، وبذلك يتحقّق القرب من الله تعالى، ومن الأعمال التي تحقّق ذلك:[8]

  • التوبة والرجوع إلى الله تعالى؛ حيث إنّ التوبة تطلب وتتأكد في العشر من ذي الحجّة، مع واجب ترك الأعمال الظاهرة والباطنة التي يبغضها الله تعالى، والندم على فعلها، مع العزم وعقد النيّة على عدم الرجوع إليها، وسلوك طريق الحقّ والصواب، حيث قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[9]
  • صيام عشر ذي الحجّة، ويخصّ منها صيام يوم عرفة؛ حيث إنّ الله تعالى يعتق رقاب الكثيرين من عباده من النار وذلك يوم عرفة، كما أنّه يوم الدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به، وبذلك يباهي الله تعالى نفسه بعباده يوم عرفة، وورد في صحيح مسلم أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما من يومٍ أكثرَ من أن يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبدًا من النارِ، من يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكةُ، فيقول: ما أراد هؤلاءِ؟).[10]
  • الحرص على ذكر الله تعالى وتسيبحه وتحميده وتهليله وتقديسه، حيث ورد أنّ بعض السلف -رحمهم الله- كانوا يدخلون إلى السوق؛ ليكبّروا الله تعالى في الأسواق.
  • عزم النيّة وعقدها على ذبح الأضحية تقرّباً إلى الله تعالى، مع الحرص على الالتزام بسنن الذبح والهدي، حيث ورد كراهة أخذ شيءٍ من الشعر، وكذلك الأخذ من الأظافر، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا رأيتم هلالَ ذي الحجةِ، وأراد أحدكم أن يُضحِّي، فليُمسك عن شعرِهِ وأظفارِهِ).[11]
  • الإكثار من الصدقة باختلاف أنواعها، سواءً أكانت ماديّةً أم معنويّةً، وبذلك يتقرّب العبد إلى ربه بالعطاء والإحسان إلى الآخرين، وتتوثّق الروابط الاجتماعيّة بين الناس، وخاصّةً بين الفقراء المحتاجين إلى الطعام والكساء وقت العيد.
  • الإكثار من الأعمال الصالحة على حدٍ سواء، ومن ذلك: الحجّ إلى بيت الله الحرام، وأداء العمرة، وقراءة القرآن بخشوعٍ وتدبّرٍ، والاستغفار، والحرص على برّ الوالدين، وصلة الأرحام والأقارب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكفالة الأيتام، وعيادة المرضى، وأداء الصلوات في أوقاتها والسنن الرواتب الخاصة بها.

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 19.
  2. ↑ سورة الفجر، آية: 1-2.
  3. ↑ "عشر ذي الحجة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  4. ↑ "عشر ذي الحجة فضائلها والأعمال المستحبة فيها"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة الحج، آية: 28.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1150، صحيح لغيره.
  7. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن قرط، الصفحة أو الرقم: 1174، صحيح.
  8. ↑ "العشر الأُول من ذي الحِجّة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  9. ↑ سورة النور، آية: 31.
  10. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1348، صحيح.
  11. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1977، صحيح.