آثار صلة الرحم
تعريف صلة الرحم
حثّت جميع الشرائع السماوية على صلة الرحم؛ لما لها من عظيم الفضل والأهمية البالغة، فعلى الإنسان أن يحرص على صلة أقاربه والسؤال عنهم وتفقّد أحوالهم، قال الله سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ)،[1] ويُقصد بذي القربى أي: "الأرحام عموماً"، وكان نبيّنا المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلّم- يوصي ويحثّ بكثيرٍ من الأحاديث بصلة الأرحام والأقارب ويبيّن فضلها العظيم،[2] وتعرّف صلة الرحم في اللغة والاصطلاح بما يأتي:
- الصلة لغة: ضمّ الشيء وجمع بعضه إلى بعضٍ، يُقال عند وصل الشيء بالشيء ضممته به، وجمعته، ويطلق الوصل على ضد الفصل، ويطلق على المكافأة والجائزة، وترد الصلة أيضاً بمعنى الانتهاء من الشيء وبلوغ أقصاه، كما تُستعمل في المعنى المقابل لهجران الإنسان أهله وأقاربه.[3]
- الأرحام لغةً: هي جمع رحمٍ، وأصل معناها هو مكان تَخلُّق الجنين وتكوّنه في بطن أمّه، ثم اشتهرت كلمة الرحم كلقبٍ يُطلق على القرابة المطلقة بين الناس؛ لاجتماعهم في رحمٍ واحدة، ولأنها من أسباب التراحم بين الأقرباء، فأصبحت كلمة الرحم اسماً يُطلق على جميع الأقارب، كالأب والأم، والأخ والأخت، والابن والابنة، وغير ذلك ممن بينهم قرابة من هذه الجهات، ويدخل في معنى الأرحام أيضاً الأجداد والجدّات، والأبناء والبنات، وكذلك الإخوان والأخوات، والأعمام والعمّات، والأخوال والخالات، وأبناؤهم، ولا فرق في كون القرابة مباشرة أو غير مباشرة، أو كون الشخص مَحرَماً أو غير مَحرَم، وتكون درجة الصلة لكل واحدٍ منهم بناءً على درجة قرابته، وظروفه، واحتياجاته.[4]
- معنى صلة الرحم اصطلاحا: هي الإحسان إلى الأقربين ممن يرتبط بهم الإنسان بعلاقة نسبٍ أو مصاهرةٍ، ومعاملتهم برفقٍ ولينٍ، وإظهار العطف عليهم، وتفقّد أحوالهم، ورعاية شؤونهم، حتى إن ابتعدت مساكنهم أو أظهرو سوءاً في المعاملة، وتكون قطيعة الرحم بضد ذلك كلِّه.[3]
وحقيقة الصلة هي العطف والرحمة، ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ حتَّى إذا فَرَغَ منهمْ قامَتِ الرَّحِمُ، فقالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى، قالَ: فَذاكِ لَكِ)،[5] وصلة الله -تعالى- لعباده المسلمين تكون بلطفه -سبحانه وتعالى- بهم، و إنزال رحمته عليهم، ونشر عطفه وإحسانه بينهم، وكذلك الإنعام عليهم بأنواع الخيرات.[3]
فضائل وفوائد صلة الرحم
جعل الله تعالى لصلة الأرحام فوائد وآثاراً كثيرةً تعود على المسلم في دينه ودنياه بالخير، وهي كالآتي:[6]
- الفوائد الدينية: رتّب الله تعالى كثيراً من الآثار الدينية على صلة الأرحام، وهي على النحو الآتي:
- الفوائد الدنيوية: وهي الفوائد التي يكون أثرها ملموساً في حياة الإنسان الدنيوية، وخاصة في النواحي المادّية، وهذه الآثار كالآتي:
- جعل الله -تعالى- صلة الرحم سبباً لغفران الذنوب والمعاصي، وتهوين الحساب على المسلم، فقد ورد في الحديث: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ؟ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: لا، قالَ: هل لَكَ من خالةٍ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها).[7]
- اقتران البركة في عمر الإنسان بصلة الرحم، وتكون البركة بتوفيق المسلم لعمل الخير في الحياة الدنيا، فتكون حياته مليئة بالإنجازات على الرغم من قصر عمره، ويبقى أثر صلة الأرحام بعد الموت، ويكون بالذكر الطيب، والذرية الصالحة التي تدعوا لواصل رحمه بعد موته، والصدقة الجارية، والعلم النافع، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).[8]
- تقي الإنسان من ميتة السوء، وتحميه من المكروه، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن سرَّه أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُوَسَّعَ له في رِزقِه، ويُدفَعَ عنه مِيتةُ السُّوءِ، فلْيَتَّقِ اللهَ ولْيَصِلْ رَحِمَه).[9]
- تعدّ صلة الرحم من أسباب الفوز برضوان الله تعالى، ودخول الجنة يوم القيامة، فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن أعرابياً عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أحد أسفاره، فسأله عن عملٍ يُقربه من الجنة، ويُباعده عن النار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تعبدُ اللهَ ولا تشركُ به شيئًا، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحمَ).[10][11]
- تعتبر صلة الرحم من أهم الدلائل على إيمان الإنسان بالله تعالى واليوم الآخر، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).[12][13]
- صلة الرحم من الأمور التي تترتّب عليها صلة الله ومعونته لعبده المسلم، فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ}).[14][13]
- تُعد صلة الرحم من أنواع الطاعات التي أمر الله -تعالى- بها، وقد أثنى الله تعالى في كتابه العزيز على الواصلين لأرحامهم، قال الله تعالى: (وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِسابِ)،[15][13] ثم قال -تعالى- على ذلك: (أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ * جَنّاتُ عَدنٍ يَدخُلونَها).[16]
- سببٌ لرفعة المتواصلين وعزّتهم؛ فبتواصلهم يرتفع شأنهم بين الناس، ويعلو قدرهم.[13]
- الزيادة في مال الإنسان، واتساع رزقه، وكثرة الخير لديه.
- ظهور أثر البركة على عمل الإنسان وسعيه، وحصول نتائجها في ماله.
- النهوض بالأسرة المسلمة، وتمكينها من التصدي للأمراض الاجتماعية والسلوكية التي تنتشر في المجتمع، والوقاية منها.
- تكاتف الناس وإعانتهم لبعضهم البعض، والسعي في نصرة المظلوم وأخذ حقه من الظالم.
- كثرة الخيرات في أرجاء المجتمع المسلم، وانتشار روح المحبة والألفة بين الناس.
أقسام الرحم
تنقسم الأرحام إلى ثلاثة أقسام، وبيانها على النحو الآتي:[17]
- الأصول: وهي تتضمن الوالدان وأصولهما، كالأجداد وإن علوا؛ كالجد وجد الجد، ويدخل في ذلك أيضاً أبناء الأصول؛ كالإخوان والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ويُطلق عليهم مسمّى الحواشي.[18]
- الفروع: وهم الأبناء، وأبناء الأبناء وما نزل في النسب، ومن ذلك أيضاً ما ثبت بالرَّضاع.
- الرحم العامة: وهم جميع المسلمين الذين يجمعهم الإيمان بالله تعالى، فقد قال الله تعالى: (وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ).[19]
وتُقدَّم الأم على الأب في البِّر والصلة، لقوله -صلى الله عليه وسلم- لسائله: (مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ)،[20]، ويُقَدم الوالدان على الأولاد، ويليهم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والأخوات، ثم بقية المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ثم يُقدم الأقرب فالأقرب في النسب، ويُقدّم من قرابته بكلا الأبوين معاً على من قرابته من جهة أحدهما، ثم يأتي بعد ذلك الرحم غير المحرّم كأولاد الأعمام، وأولاد الأخوال، وأولاد الخالات وغيرهم، ثم من كانت قرابتهم بالمصاهرة*، ثم الجيران، ويُقدّم جاره الذي من أقربائه وإن كان بعيد المسكن على الجار الذي ليس من أقربائه وإن كان أقرب مسكناً.[21]
آداب صلة الرحم
جعلت الشريعة الإسلامية لصلة الرحم مجموعةً من الآداب يجب مراعاتها، وهي كالآتي:[22]
- مراعاة المسلم أن أرحامه هم الأحق ببذل المعروف، والخير، والبِّر، والعطف، والتوجيه.
- صبر المسلم على الأذى الحاصل منهم، وسعة الصدر في معاملتهم.
- التعامل مع صغيرهم بالرحمة، ومع كبيرهم بالاحترام والتوقير.
- السعي في الإصلاح بين المتخاصمين منهم، وتجنب مقاطعتهم.
- التجاوز عن أخطائهم؛ بقبول أعذارهم، ونسيان ما وقع منهم من عيوب.
- المبادرة بتقديم النصيحة لمن يحتاجها منهم، وتقبل النصيحة منهم.
- القيام بنصرتهم عند الحاجة، وعدم تركهم في ذلك، والستر عليهم.
- المداومة على زيارتهم، وتتأكد عند مرض أحدهم أو تشييع ميتٍ منهم.
أما الآداب المتعلقة بالزيارة فهي:[22]
- طلب الإذن من أصحاب البيت قبل دخوله.
- التزام المرأة المسلمة بحجابها، والحرص على عدم إظهار زينتها عند صلتها لأرحامها من غير المحارم.
- تجنّب الخلوة المحرمة بغير المحارم؛ كبنات العم والعمة والخال والخالة.
- يحرص المسلم والمسلمة على عدم مصافحة من ليس بمَحرمٍ له.
- تجنّب الاختلاط المحرم عند صلة الرحم.
القيام بحقوق الأرحام
أولى الإسلام صلة الأرحام أهميةً عظيمةً، وقدّمها على كثيرٍ من الأعمال الصالحة، ومما يدل على ذلك ذكرها مقرونةً في القرآن مع الوصيّة بالتقوى، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)،[23] فقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بصلة الأرحام بعد أمره لهم بتقواه، ليُبيّن سبحانه أن صلة الرحم إن فعلها الإنسان ابتغاء وجه ربه الكريم وطلباً للأجر في الآخرة فهي من علامات تحقّق التقوى في قلب العبد المسلم، وتُعدُّ صلة الرحم بُرهاناً دالّاً على صدق الإيمان؛ فالواصلون لأرحامهم من أهل الإيمان بالله تعالى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)،[24] والنبي- صلى الله عليه وسلم- هو أوصل الناس لرحمه، وأتقاهم لربه.[25]
وقد دعا النبي- صلى الله عليه وسلم- قومه في بداية بعثته في مكة المكرمة إلى صلة أرحامهم، وجعلها من واجبات الإيمان وعلاماته، وحثَّ النبي الكريم أمّته على صلة الأرحام، ونهاهم عن قطيعتها، مبيناً سرعة ظهور آثار الصلة أو القطيعة في حياة الإنسان، فذلك مما يُجازى به الإنسان في دنياه، وصلة الأرحام من أحب الأعمال إلى الله تعالى،[25] وللرحم حقوقٌ واجبة لا بد للمسلم من أدائها، وبيان هذه الحقوق على الوجه الآتي:[26]
- الإنفاق عليهم، وإعانتهم على حوائجهم، ودفع الضرر الواقع عليهم، والقيام بخدمتهم.
- بشاشة الوجه وطلاقته عند رؤيتهم.
- تخصيص الدعاء لهم بالخير.
- نصحهم وإرشادهم للخيرات في أمور دينهم ودنياهم، وذلك بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وطلب الهداية لهم من الله تعالى.
- مؤازرتهم في أفراحهم وأحزانهم، وذلك بعيادة المريض منهم، وتعزيتهم عند وقوع مصيبة أو موت أحدهم، وتلبية دعوتهم، ومشاركتهم في أفراحهم ومناسباتهم.
- مساعدتهم في كافة شؤونهم، وتفريج كرباتهم ومصائبهم.
- زيارتهم وحسن مخاطبتهم، وتحمّل الأذى والجفاء الصادر منهم.[27]
- تقديم الهدايا والهبات والأعطيات لهم.[28]
- تخصيص الأيتام منهم بالعناية والرعاية.[28]
- تشميت أحدهم إذا عطس، وإبرار قسمه إذا أقسم.[27]
حكم صلة الرحم
اتفق الفقهاء على أن حكم صلة الرحم هو الوجوب، وأن قطيعة الرحم معصيةٌ كبيرةٌ لله تعالى، وتأتي صلة الرحم على رتبٍ متفاوتةٍ بعضها أعلى من بعض، وأدنى رتبةٍ في الصلة هي ترك الإنسان قطيعة أهله وإعراضه عنهم، ويكون ذلك بالتحدّث إليهم ولو بإلقاء السلام فقط، ولكن اختلف الفقهاء في حد الرحم التي يجب صلتها، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:[29]
- ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب على المسلم وصلها هي كل رحمٍ محرّم، بحيث يحرم على الذكر منهم أن يتزوج الأنثى، وعلى هذا الوصف لا يدخل أولاد الأعمام، ولا أولاد الأخوال لكونهم غير محارم.
- يرى بعض الفقهاء أن الرحم عام، فيدخل فيه كل ذوي الأرحام من الميراث، ويستوي في ذلك المحرّم وغيره، وقد رجَّح النووي- رحمه الله- هذا القول.
وبيَّن الله جل جلاله في كتابه الكريم وجوب صلة الرحم، فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)،[30] فقد أوصى الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية الكريمة بالإحسان والصلة إلى أهل القُربى من الرجال والنساء على حدٍّ سواء.[31]
قطيعة الرحم
ورد في تعريف قطيعة الرحم لغةً واصطلاحاً ما يأتي:[32]
- القطيعة لغةً: هي اسمٌ مأخوذٌ من الفعل قطع بمعنى فصل بعض أجزاء الشيء عن بعضه الآخر، والقطيعة بمعنى الهجران، وهي خلاف الوصل.
- القطيعة اصطلاحاً: فهو عقوق الإنسان لأهله، وذوي قرابته، فيقطع عنهم بِرَّه، ويمنع عنهم يد العون والإحسان، وتختلف طبيعة القطيعة بحسب حال الشخص القاطع، والشخص المقطوع.
وتعتبر القطيعة معصيةٌ من كبائر الذنوب، ويتحمل الإنسان من الصلة بحسب قدرته عليها وحسب حاجة الإنسان الموصول إلى ذلك، وتكون الصلة واجبةً تارة، ومستحبةً تارةً أخرى، فلو وصل الإنسان قرابته بعض الشيء لكنه لم يصل إلى غاية الصلة فلا يُسمى قاطعاً، ولكنه لو قصَّر عما يقدر ويتوجّب عليه بذله فإنه لا يُسمى واصلاً للرحم، وتكون قطيعة الرحم بمنع المال والإنفاق، وقد تكون بترك الخدمة والزيارة والسلام، وترك العناية والرعاية وعدم تفقّد أحوال الأرحام،[32] وقد نهى الله تعالى في القرآن عن قطيعة الرحم، فقال جل جلاله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)،[33] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيّناً أهمية صلة الرحم ومحذّراً من قطعها: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ).[34][32]
ولقطيعة الرحم مضارّ كثيرة تعود على القاطع بالسوء في دينه ودنياه، وفيما يأتي بيان أهمّها:[32]
- قطع الصلة بين العبد وربه، والبعد عن رضوان الله تعالى، حيث تجلب سخط الله -تعالى- على القاطع، وتُسبب بغض الناس ومقتهم له.
- حصول الضيق في الرزق والمال، وقلة البركة في العمر.
- هدم جسور العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة المسلمة الواحدة، والأسر التي تجمعها روابط المصاهرة والمجاورة، مما يسبب انهيار المجتمعات.
- عدم ارتياح الناس لمعاملة القاطع، ومقاطعتهم له؛ لما يرون من سوء معاملته لأهله وقرابته.[35]
- ربما تتعجيل العقوبة له في الدنيا جزاءً على عقوقه.[35]
________________________________________________
الهامش
*المصاهرة: القرابة التي سببها الزواج، كأهل بيت المرأة.[18]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ مصطفى العدوي، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 2، جزء 9. بتصرّف.
- ^ أ ب ت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1992)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 357، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ عبدالله بن صالح القصير (1419)، تذكير الأنام بشأن صلة الأرحام (الطبعة الثانية)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2554، صحيح.
- ↑ عطية صقر (2006)، موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام الوالدان والأقربون، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 119-122، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1904، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2067، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 1213، إسناده قوي.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 467، صحيح.
- ↑ عبدالله بن جار الله الجار الله، تذكير شباب الإسلام ببر الوالدين وصلة الأرحام ، صفحة 81. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6138، صحيح.
- ^ أ ب ت ث محمد بن إبراهيم الحمد (2015)، قطيعة الرحم، صفحة 15-19.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5987، صحيح.
- ↑ سورة الرعد، آية: 21.
- ↑ سورة الرعد، آية: 22-23 .
- ↑ خالد الخرّاز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 354-355. بتصرّف.
- ^ أ ب "تعريف القرابة المباشرة وقرابة الحواشي والمصاهرة"، إسلام ويب، 27-4-2002 ، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2019.
- ↑ سورة التوبة، آية: 71.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2548، صحيح.
- ↑ عبدالله بن جار الجار الله، تذكير شباب الإسلام ببر الوالدين وصلة الأرحام ، صفحة 70. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد الخرّاز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 360-363. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6138، صحيح.
- ^ أ ب عبدالله بن صال القصير (1419)، تذكير الأنام بشأن صلة الأرحام (الطبعة الثانية)، الرياض: دار ابن خزيمة، صفحة 15-19. بتصرّف.
- ↑ خالد الخرّاز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 358-359. بتصرّف.
- ^ أ ب "الحقوق الواجبة على المسلم تجاه أقاربه وأرحامه"، fatwa.islamweb.net، 18-1-2001، اطّلع عليه بتاريخ 2-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد الخرّاز (2009)، موسوعة الأخلاق (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 350-351. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1992)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 358، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ ماجدة فوزي أحمد (2011)، أحكام صلة الرحم غير المسلمة، صفحة 14. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث إعداد مجموعة من المتخصصين، بإشراف الشيخ صالح بن حميد، وعبد الرحمن بن ملوح (1998)، موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوسيلة، صفحة 5329-5337، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة محمد، آية: 22-23.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2555، صحيح.
- ^ أ ب عطية صقر (2006)، موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام الوالدان والأقربون، مصر: مكتبة وهبة، صفحة 144، جزء 5. بتصرّف.