أبيات لمحمود درويش
أبيات غزل
سألتكِ: هزّي بأجمل كف على الأرض
غصنَ الزمان!
لتسقط أوراق ماض وحاضرْ
ويولد في لمحة توأمان:
ملاك.. وشاعر!
ونعرف كيف يعود الرماد لهيباً
إذا اعترف العاشقان!
أُتفاحتي ! يا أحبَّ حرام يباحْ
إذا فهمتْ مقلتاك شرودي وصمتي
أنا، عجباً، كيف تشكو الرياح
بقائي لديك؟ وأنتِ
خلودُ النبيذ بصوتي
وطعم الأساطير والأرض .. أنتِ!
لماذا يسافر نجم على برتقاله
ويشرب يشرب يشرب حتّى الثمالهْ
إذا كنت بين يديّ
تفتّتَ لحن، وصوت ابتهالهْ
لماذا أُحبك؟
كيف تخر بروقي لديك؟
وتتعب ريحي على شفتيك
فأعرف في لحظةٍ
بأنّ الليلي مخدَّة
وأن القمر
جميل كطلعة وردة
وأني وسيم .. لأنّي لديك!
أتبقين فوق ذراعي حمامه
تغمّس منقارها في فمي؟
وكفُّك فوق جبينَي شامه
تخلّد وعد الهوى في دمي؟
أتبقين فوق ذراعي حمامه
تجنّحي .. كي أطير
تهدهدني ..كي أنام
وتجعل لا سمِيَ نبض العبير
وتجعل بيتيَ برج حمام؟
أريدك عندي
خيالاً يسير على قدمين
وصخر حقيقة
يطير بغمرة عين![1]
أبي
غضّ طرفا عن القمر
وانحنى يحضن التراب
وصلّي ..
لسماء بلا مطر،
ونهاني عن السفر!
أشعل البرق أوديه
كان فيها أبي
يربي الحجارة
من قديم .. ويخلق الأشجار
جلده يندف الندى
يده تورق الشجر
فبكى الأفق أغنية:
_كان أوديس فارسا ..
كان في البيت أرغفة
ونبيذ، وأغطية
وخيول، وأحذية
وأبي قال مرة
حين صلّى على حجر:
غض طرقا عن القمر
واحذر البحر .. والسفر!
يوم كان الإله يجلد عبده
قلت: يا ناس! نكفر؟
فروى لي أبي .. و طأطأ زنده:
في حوار مع العذاب
كان أيوب يشكر
خالق الدود ..والسحاب
خلق الجرح لي أنا
لا لميت .. ولا صنم
فدح الجرح والألم
وأعني على الندم!
مرّ في الأفق كوكب
نازلا .. نازلا
وكان قميصي
بين نار، وبين ريح
وعيوني تفكر
برسوم على التراب
وأبي قال مرة:
الذي ما له وطن
ما له في الثرى ضريح
ونهاني عن السفر[2]
لمساء آخر
كلّ خوخ الأرض ينمو في جسد
وتكون الكلمة
وتكون الرغبة المحتدمه
سقط الظلّ عليها
لا أحد
لا أحد ..
وتغنّي وحدها
في طريق العربات المهملة
كل شيء عندها
لقب للسنبلة
وتغنّي وحدها:
البحيرات كثيره
وهي النهر الوحيد
قصّتي كانت قصيرة
وهي النهر الوحيد
سأراها في الشتاء
عندما تقتلني
وستبكي
وستضحك
عندما تقتلني
وأراها في الشتاء
انّني أذكر
أو لا أذكر
العمر تبخّر
في محطات القطارات
وفي خطوتها
كان شيئا يشبه الحبّ
هواء يتكسّر
بين وجهين غريبين،
و موجا يتحجّر
بين صدرين قريبين،
ولا أذكرها ..
وتغنّي وحدها
لمساء آخر هذا المساء
وأنادي وردها
تذهب الأرض هباء
حين تبكي وحدها
كلماتي كلمات
للشبابيك سماء
للعصافير فضاء
للخطى درب وللنهر مصبّ
وأنا للذكريات
كلماتي كلمات
وهي الأولى . أنا الأول
كنّا . لم نكن
جاء الشتاء
دون أن تقتلني ..
دون أن تبكي وتضحك
كلمات
كلمات[3]
يوميات جرح فلسطيني
[ إلى فدوى طوقان ]
-1-
-1-
نحن في حلِّ من التذكار
فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليلِ
لا تقولي : ليتنا نركض كالنهر إليها،
لا تقولي!
نحن في لحم بلادي..وَهْيَ فينا!
-2-
-2-
لم نكن قبلَ حزيرانَ كأفراخ الحمام
ولذا، لم يتفتَّتْ حبنا بين السلاسلْ
نحن يا أُختاه، من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعاراً،
ولكنا نقاتل
-3-
-3-
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطان إله
جاء من شهر حزيران
لكي يعصب بالشمس الجباهْ
إنه لون شهيد
إنه طعم صلاهْ
إنه يقتل أو يحيي
وفي الحالين ! آه !
-4-
-4-
أوَّلُ الليل على عينيك كان
في فؤادي قطرةً من آخر الليل الطويل
والذي يجمعنا الساعة في هذا المكان
شارعُ العودة
من عصر الذبول.
-5-
-5-
صوتك الليلةَ
سكينٌ وجرحٌ وضمادُ
ونعاس جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟
خرجوا من خيمة المنفى وعادوا
مرة أُخرى سبايا !
-6-
-6-
كلمات لم تصدأ ولكن الحبيبْ
واقعٌ في الأسر – يا حبي الذي حمَّلني
شرفاتٍ خلعتها الريحُ ..
أعتابَ بيوت
وذنوب.
لم يسع قلبي سوى عينيك
في يوم من الأيام
والآن اغتنى بالوطنِ!
-7-
-7-
وعرفنا ما الذي يجعل صوت القُبَّرهْ
خنجراً يلمع في وجه الغزاة
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرهْ
مهرجاناً .. وبساتين حياة!
-8-
-8-
عندما كنت تغنين رأيت الشرفات
تهجر الجدران
والساحة تمتد إلى خصر الجبلْ
لم نكن نسمع لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل!
-9-
-9-
في دمي من وجهه صيفٌ
ونبض مستعارُ
عدتُ خجلان إلى البيت
فقد خرَّ على جرحي .. شهيدا
كان مأوى ليلة الميلاد
كان الانتظار
وأنا أقطف من ذاكراه .. عيدا!
-10-
-10-
الندى والنار عيناه،
إذا ازددت اقتراباً منه غنىَّ
وتبخرت على ساعده لحظة صمت وصلاه
آه سميه كما شئت شهيدا
غادر الكوخ فتى
ثم أتى لما أتى
وجه إله !
-11-
-11-
هذه الأرض التي تمتصُّ جلد الشهداءْ
تَعِدُ الصيف بقمح وكواكبْ
فاعبديها!
نحن في أحشائها ملح وماء
وعلى أحضانها جرح .. يحارب
-12-
-12-
دمعتي في الحلق يا أخت
وفي عينيَّ نار
وتحررت من الشكوى على باب الخليفه
كل من ماتوا
ومن سوف يموتون على باب النهار
عانقوني صنعوا مني .. قذيفه!
-13-
-13-
منزل الأحباب مهجور،
ويافا تُرجمتْ حتّى النخاع
والتي تبحث عني
لم تجد مني سوى جبهتها
أُتركي لي كل هذا الضياع
فأنا أضفره نجماً على نكبتها
-14-
-14-
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبهْ
وأنا لست مسافر
إنني العاشق والأرض حبيبهْ!
-15-
-15-
وإذا استرسلت في الذكرى!
نما في جبهتي عشب الندمْ
وتحسرت على شيء بعيدْ
وإذا استسلمت للشوق،
تَبَنَّيْتُ أساطير العبيد
وأنا آثرت أن أجعل من صوتي حصاة
ومن الصخر نغم !
-16-
-16-
جبهتي لا تحمل الظل،
وظلي لا أراه
وأنا أبصق في الجرح الذي
لا يشعل الليل جباه !
خبئي الدمعة للعيد
فلن نبكي سوى من فرح
وَلْنُسَمِّ الموت في الساحة
عرساً .. وحياه !
-17-
-17-
وترعرعتُ على الجرح وما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمهْ
أنا ما ضيَّعتُ ينبوعي وعنوانيَ واسمي
ولذا أبصرت في أسمالها
مليون نجمهْ !
-18-
-18-
رايتى سوداءُ
والميناء تابوتٌ
وظهري قنطرهْ
يا خريف العالم المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراءُ
والميناء مفتوح
وقلبي شجرهْ !
-19-
-19-
لغتي صوت خرير الماء
في نهر الزوابعْ
ومرايا الشمس والحنطة
في ساحة حربِ
ربما أخطأت في التعبير أحياناً
ولكنْ كنت – لا أخجل – رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي !
-20-
-20-
كان لا بد من الأعداء
كي نعرف أنا توأمان !
كان لا بد من الريح
لكي نسكن جذع السنديان !
ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب
ظل طفلاً ضائع الجرح .. جبان
-21-
-21-
لك عندي كلمهْ
لم أقلها بعد
فالظل على الشرفة يحتل القمرْ
وبلادي ملحمهْ
كنت فيها عازفا .. صرت وترْ !
-22-
-22-
عالِمُ الآثار مشغول بتحليل الحجارهْ
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني:
عابر في الدرب لا عينين لي !
لا حرف في سفر الحضارهْ !
وأنا أزرع أشجاري على مهلي
وعن حبي أغني !
-23-
-23-
غيمة الصيف التي .. يحملها ظهر الهزيمهْ
عَلَّقَتْ نسل السلاطين
على حبل السراب
وأنا المقتول والمولود في ليل الجريمهْ
ها أنا ازددت التصاقاً .. بالتراب !
-24-
-24-
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل وآنْ
ليَ أن أثبت حبي للثرى والقُبَّرهْ
فالعصا تفترس القيثار في هذا الزمان
وأنا أصفَرُّ في المرآة
مذ لاحت ورائي شجرهْ ![4]
المراجع
- ↑ "أبيات غزل"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
- ↑ محمود درويش، كتاب محمود درويش منوعات، صفحة 1.
- ↑ "لمساء آخر"، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
- ↑ "يوميات جرح فلسطيني"، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.