ما صفات ليلة القدر
قال تعالى في محكم تنزيله: (إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )، هذه السورة من القرآن الكريم تحمل اسم "القدر"، وهي تتحدَّث كاملةً عن هذه الليلة العظيمة من السنة، وعن مآثرها وفضلها وما فيها من أمورٍ. وقد اختلف العلماء في سبب تسمية هذه الليلة العظيمة بـ "ليلة القدر"، فمنهم من قال: لأنّ الأرزاق والآجال تقدّر فيها، ومنهم من قال: إنّ هذه التسمية أتت من باب التعظيم والتفخيم لما لها من منزلة عند الله سبحانه وتعالى، ومنهم من قال: لقدرها الكبير وشرفها. ولكن ما يتفِّق عليه الجميع ولا خِلاف فيه هو عظمة هذه الليلة ورفعتها فوق كل ليالي السنة.
تكون ليلة القدر في إحدى الليالي الوتَرِية من العشر الأواخر في شهر رمضان المبارك، ومعنى الليالي الوترية، أي يكون رقم الليلة وتراً أي فرديّاً وليس رقماً زوجياً، فهي تكون في الليلة الحادية والعشرين (21) أو الثالثة والعشرين (23) وهكذا حتى الليلة التاسعة والعشرين (29) من شهر رمضان المبارك. وقد أخفى الله سبحانه وتعالى موعد هذه الليلة حتى لا يتقاعس البشر عن الطاعة؛ نظراً لعلمهم بموعد هذه الليلة العظيمة ومعرفتهم بعظَمِ أجرها، فيعملون على تحرّيها في كلّ ليالي الشّهر المبارك، ثمّ أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّها تقع في العشر الأواخر منه. ولا يوجد دليلٌ قطعي على موعدٍ محدّد لليلة القدر، ولكن أغلب الظّنون اتّجهت إلى أنّها في ليلة السابع والعشرين (27) من شهر رمضان المبارك، وهذا هو الأغلب عند أهل العلم؛ وكذلك عند عامّة الناس؛ حيث يقومون على الإكثار من العبادات والصلاة وقيام الليل في هذه الليلة بالذات.
صفات وعلامات ليلة القدر
لليلة القدر علامات تجعلها مميّزة عن باقي ليالي شهر رمضان المبارك، ومن هذه العلامات ما يكون في وقت حدوثها؛ ومنها ما يكون بعد انتهائها، أمّا العلامات الّتي تكون وقت حدوثها فهي: السماء تكون صافية، والجو معتدلٌ فلا هو حار ولا بارد، ومنهم من قال بأنّ الكلاب لا تعوي في هذه الليلة. أمّا العلامات التي تكون بعد انتهائها فهي: تطلع الشمس صباح اليوم التالي لليلة القدر صافيةً بيضاء بلا شعاع، وقالوا ربّما أنّها كذلك لأنّ نور ليلة القدر غلب نورها. وكانت العلامة في اليوم التالي لتهنئة من قام وعمل في تلك الليلة؛ وتحسّراً وتأنيباً للضمير لمن أضاعها.
ويمكن أن يكون هناك علامات أخرى غير هذه المذكورة؛ حيث يمكن أن يختصّ الله سبحانه وتعالى بعض عباده بإعطائهم إشارات إلى ليلة القدر لأمرٍ لا يعلمه إلا الله، والدليل على ذلك أنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إنّي أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر)، فلم يُنكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأمر عليهم؛ بل إنّه أكَّد في قوله أنّ الله سبحانه وتعالى قد يُعطي بعضاً من عباده علامات على هذه الليلة وهي للتّأكيد.