ما هي ثمار بيعة الرضوان
تعريف البيعة في الإسلام
تعتبر البيعة من أهمّ ما يميز النظام السياسيّ الإسلامي؛ إذ لم تكن تُعرف البيعة في أيّ نظامٍ سياسيٍّ قبل الإسلام، فهي تمثّل إسهام الشعب في المنظومة السياسيّة الحاكمة، وإن كانت ضئيلةً في بعض فترات التاريخ الإسلاميّ، ويمكن تعريف البيعة؛ بأنّها عهدٌ للطاعة من الرعية للراعي، ووعدٌ من الراعي بتنفيذ مهمّاته على أكمل وجه، وعلى رأسها إدارة وسياسة أمور الحياة بما يتناسب مع ما شرعه الله تعالى، وتجدر الإشارة إلى أنّ البيعة كانت تشمل الرجال والنساء، والكبار والصغار من المسلمين، وقد ذُكر في التاريخ العديد من البيعات، ومنها: بيعة الصحابة -رضي الله عنهم- للرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ كبيعة العقبة الأولى والثانية، وبيعة الرضوان، وقد كانت تشمل البيعة الرجال والنساء، إلا أنّ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن يصافح النساء، وإنّما كان يبايعهنّ بالكلام، والحقيقة أنّ البيعة ركنٌ أساسيّ في المنظومة الإسلاميّة، فقد ذكرها الله تعالى في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)،[1] وممّا يدل على الدور المهم للمرأة في بناء المجتمع؛ ذكر الله تعالى لبيعة النساء في القرآن الكريم، حيث قال تعالى: (فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[2] بالإضافة إلى أنّ الخلفاء الراشدين ساروا على درب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقروا مشاركة الرعيّة كلّها في مبايعة الإمام، فقد أنكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على من يقول بأنّ البيعة تصحّ بواحدٍ من غير مشورة الجماعة.[3]
بيعة الرضوان والثمار المترتبة عليها
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم برفقة الصحابة رضي الله عنهم؛ لأداء العمرة، وكانت مكّة المكرّمة في ذلك الوقت تحت سيطرة قريش التي طالما حاربت الإسلام والمسلمين، فقرّر االقرشيّون منع النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ومن معه من المسلمين من دخول مكّة وأداء العمرة بأيّ ثمنٍ، وعلى الرغم من اعتزاز قريش بالقوّة، والعدد، والعدّة، إلّا أنّهم وقفوا عاجزين متخبّطين لمّا شعروا بقرب المسلمين من مكّة، ولم يستطيعوا أن يتخذوا قرار حربهم، وإنّما كانوا يرسلون الوسيط تلو الوسيط؛ للتفاهم مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا حريصين على الصلح مع المسلمين، وبعد فترة من المفاوضات قرّر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- إرسال عثمان بن عفان رضي الله عنه سفيراً إلى مكّة؛ للتفاوض مع قريش في دخول المسلمين إلى مكّة لأداء العمرة، فذهب عثمان لحوار قريش، وبينما المسلمون ينتظرون عودته، أشيع خبرٌ مفاده أنّ عثمان -رضي الله عنه- تأخّر؛ لأنّه قُتل، فلمّا وصل الخبر إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قرّر أن يثأر من الكفار، فجمع الصحابة -رضي الله عنهم- وبايعهم جميعاً على قتال قريش، فبايعوه على ألّا يفرّوا مهما كانت النتيجة، ومنهم من بايع على الموت، فتمّت بذلك بيعةٌ عظيمةٌ عُرفت في التاريخ ببيعة الشجرة؛ إذ إنّها عُقدت تحت شجرةٍ قريبة من الحديبية، وعُرفت أيضاً ببيعة الرضوان، ويرجع السبب في تسميتها؛ إلى أنّ الله تعالى رضي عن الصحابة الذين بايعوا في تلك الحادثة، كما في قوله تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[4] وبينما كان المسلمون يتحضّرون للقاء قريش؛ فإذ بعثمان بن عفان رضي الله عنه يعود إليهم سالماً لم يمسسه أي سوء، وينقل أخباراً من مكّة مفادها أنّ قريش تريد الصلح، وسيرسلون من يتحدث باسمهم إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فلم يقتال الصحابة -رضي الله عنهم- قريشاً في تلك الواقعة، والحقيقة أنّ ثمّة عدداً من الفوائد والثمار المترتّبة على بيعة الرضوان ومنها:[5]
- الهزة النفسية لأهل مكّة:إذ إنّ الموقف العظيم الذي سجله التاريخ للصحابة رضي الله عنهم، وتضحيتهم بأنفسهم من خلال بيعتهم للرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على الموت، ترك أثراً هائلاً في أهل مكّة، فقد ملأ الرعب قلوبهم عندما علموا أنّ المسلمين قد بايعوا على الموت، فيكف لهم أن يتصدوا لمن ضحوا بحياتهم وبماذا سيخوفونهم؟! فإنّ الموت الذي يرعب الناس مطلبهم، بل إنهّم سيحاربون حتى آخر رجل منهم، وهذا ما دفع قريش للإسراع إلى الصلح.
- تحقيق المطلوب من المؤمن اتجاه ربّه عزّ وجلّ: حيث إنّ المطلوب من المسلم اتجاه ربّه -عزّ وجلّ- الاستسلام التام، بأن تكون حياته، ومماته، وكلّ ما يملكه لله عزّ وجلّ، كما في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،[6] وقد حقّق الصحابة -رضي الله عنه- في هذه البيعة التي وهبوا بها أنفسهم لله تعالى المطلوب منهم؛ إذ بايع ألفٌ وأربعمئة رجلٍ على قلب رجلٍ واحدٍ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الموت، والحقيقة أنّ النتيجة الطبيعية للصدام المسلح مع قريش التي تجهزت بالعدد والعدّة، واستعانت بما حولها من القبائل والأحابيش، وبالقرب من مكّة التي تُعتبر خطّ إمدادٍ للمشركين؛ هي الموت، ولكنّهم بايعوا، ولم يترددوا للحظةٍ، ولم يقل رجلٌ منهم لا أستطيع، أو أخاف على أولادي من بعدي، أو أريد أن أفكّر مليّناً، بل ضحوا بأغلى ما يملكون لله ورسوله، فاستحقّوا بذلك رضوان الله تعالى، وشهادة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام- على أنهم خير البشر، حيث قال لهم: (أنتم اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ)،[7] ووعدهم الله تعالى بالفتح القريب.
- نيل رضا الله تعالى: فقد صرّح الله تعالى في سورة الفتح بأنّه رضي عن الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة؛ ممّا يدلّ على عظم ما قاموا به طاعةً لله ورسوله، وخدمةً للإسلام والمسلمين.
فضل أهل بيعة الرضوان
ممّا يدلّ على فضل أهل بيعة الرضوان؛ الحديث الذي ورد في صحيح مسلم، حيث روت أم مبشر الأنصارية أنّها سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول عند حفصة: (لا يدخلُ النَّارَ إن شاءَ اللَّهُ من أصحابِ الشَّجرةِ أحدُ الَّذينَ بايعوا تحتَها، قالَت بلى يا رسولَ اللَّهِ، فانتَهرَها، فقالَت حفصةُ: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ،[8] فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: قد قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).[9][10][11]
المراجع
- ↑ سورة الفتح، آية: 10.
- ↑ سورة الممتحنة، آية: 12.
- ↑ "البيعة في الإسلام .. مفهومها وأهميتها وشروطها"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ "بيعة الرضوان والدروس المستفادة منها"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 162.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1856، صحيح.
- ↑ سورة مريم، آية: 71.
- ↑ سورة مريم، آية: 72.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم مبشر الأنصارية، الصفحة أو الرقم: 2496 ، صحيح.
- ↑ "شرح النووي على مسلم"، library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-9-2018. بتصرّف.