ما هي أركان الحج
الحجّ
فرض الله سُبحانه وتعالى الحجّ على المسلمين، بل جعله أحد أركان الإسلام الخمسة، وحينما يقصد الإنسان الحجّ فإنّه يمشي على خُطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والصّحابة الكِرام رضي الله عنهم، مُستحضِراً مشاهد لم يحضُرها، بتذكُّره قصّةَ إبراهيمَ عليه السّلام، وزوجته هاجر، وابنهما الرّضيع إسماعيل، حينما جاء الأمر من الله إلى نبيّ الله إبراهيم بأن يتركهما في وادٍ غيرِ ذي زرعٍ في مكّة المُكرَّمة، لتسعى هاجر حينها بين الصّفا والمروة باحثةً عن الماء؛ لتسقي رضيعها الذي بلغ منه العطشُ مبلغاً، ثمّ ترجع فتَجدُ الماء ينبع تحت قدمَيْ ذلك الطّفل المُبارَك إسماعيل.
تعريف الحجّ لُغةً واصطلاحاً
الحجّ لُغةً: هو التوجّه والقصد، أمّا الحجّ اصطلاحاً: فهو قصد بيت الله الحرام في فترة الحجّ، والقيام بأعمالٍ مخصوصةٍ؛ طاعةً لله تعالى، وقد عرَّف العلماء الحجَّ شرعاً على أنّه: اسمٌ لأفعالٍ مخصوصةٍ، في أوقاتٍ مخصوصةٍ، في مكانٍ مخصوصٍ، من شخصٍ مخصوصٍ.[1]
أركان الحجّ
للحجّ أركان أربعة، وركن الشّيء: هو ما يقوم فيه الشّيء، وأركان الحجّ: هي ما يقوم فيها الحجّ ويُبتَنى عليها، فإن وُجِدت هذه الأركان صحَّ الحجّ واستقام، وإن لم تُوجد أركان الحجّ أو أحدها فالحجّ باطل، وأركان الحجّ عند المالكيّة والحنابلة هي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، أمّا الحنفيّة فيقصُرونها على الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، بينما يزيد الشافعيّة رُكناً خامساً وهو الحَلق أو التّقصير.[2]
الإحرام
إذا أراد المسلم أن يُحرِم للحجّ فالمُستحَبُّ أن يغتسل، لِما ورد في الحديث الذي رواه زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أنَّهُ رأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ، تجرَّدَ لإحرامِهِ، واغتسلَ).[3] ويُشرَع الغسل للمرأة الحائض والنّفساء للإحرام؛ لأنّه غُسل من أجل النُّسُك، فتغتسل الحائض والطّاهر، ومن لم يجد الماء للغُسل يتيمّم بالصّعيد الطّاهر؛ لأنّه غُسل مشروع، وعند عدم وجود الماء ينتقل منه إلى التيمُّم، ويغتسل الحاجّ في سبعة مواضع: عند الإحرام، ودخول مكّة، والوقوف بعرفة، والوقوف بمزدلفة، ورمي الجمرات الثّلاث؛ لأنّ هذه مواضع تجمُّع الناس، ولذلك يُستحَبّ الاغتسال قبلَها، ولا يغتسل الحاجّ عند رميه جمرةَ العقبة؛ لأنّ وقت رميِها أوسع؛ حيث يبدأ من منتصف اللّيل وحتّى آخر النّهار، فلا يجتمع النّاس مع اتّساع وقت رميِها.[4]
يتجرّد المسلم من المخيط، ويستبدل بلبس المخيطِ لبسَ ملابس الإحرام، وهي إزار ورداء أبيضان، ونعلان، ويُستحَبّ للمسلم أن يتطيّب في بدنه قبل الإحرام؛ لما روته السيّدة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها؛ إذ قالت: (كنتُ أطيِّبُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لإحرامِه حين يُحِرمُ، ولِحِلِّه قبلَ أن يطوفَ بالبيتِ)،[5] ولا يُطيِّب المُحرِم ثوبَه قبل الإحرام؛ لأنّه ربّما ينزعه ليغتسل، ثمّ يطرحه على جسده، فتجب عليه الفدية؛ بسبب الطّيب.[4]
يُستحَبّ أن يصلّي المُحرِم ركعتَين عند الإحرام، ثمّ ينوي الإحرام، فلا يصحّ الإحرام إلا مع النيّة، ويُلبّي مع النيّة قائلاً: (لبَّيكَ اللهُمَّ حجّاً)؛ إذا كان مفرِداً، و(لبَّيكَ اللهُمّ حجّاً وعُمرةً)؛ إذا كان قارِناً، و(لبّيكَ اللهمّ عُمرةً متمتِّعاً بها إلى الحجّ)؛ إذا كان متمتّعاً لا مفرداً ولا قارناً، فإن اقتصر على النيّة دون التّلبية جاز ذلك وأجزأه، قال أبو إسحاق ومعه أبو عبد الله الزبيريّ: لا ينعقد الإحرام بالحجّ إلا بالنيّة والتّلبية معاً، وشبيه ذلك أنّه لا تنعقد الصّلاة إلا بالنيّة مع تكبيرة الإحرام بالصلّاة، وقال أصحاب التوجُّه الأوّل: إنّ الإحرام بالحجّ ينعقد بالنيّة فقط، وتجزئ النيّة دون التّلبية بأنّها عبادة لا يجب على الحاجّ النُّطق في آخرها، ولذلك لا يجب النُّطق بالتّلبية في أوّلها كما في الصّوم.[4]
للرّاغب بالحجّ أو العمرة أن يُعيّن ما يُحرِم به من الحجّ والعمرة عند إحرامه؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصلاة أهلّ بالحجّ، فإن لبّى بنسك العمرة ونيّته الحجّ، انعقد ما نواه؛ لأنّ النيّة في القلب، وللرّاغب بالحجّ أو العمرة أن يُحرِم إحراماً مُبهَماً صحّ منه،[4] فقد روى أبو موسى الأشعري أنّه قال: (قَدِمْتُ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بالبطحاءِ، فقال: أَحَجَجْتَ؟ قلتُ: نعم. قال: كيف أَهْلَلْتَ؟ قلتُ: لبَّيكَ بإهلالٍ كإهلالِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم. قال: طُفْ بالبيتِ، وبالصّفا والمروةِ، ثمّ حِلْ...)[6]
وهناك قولان حول أفضليّة كلٍّ من التّعيين والإبهام؛ أوّلهما: أنّ التّعيين أفضل؛ وعُلِّل ذلك بأنّه إذا عَيَّن المُحرِم، عرَفَ ما دخل فيه من النّسك، وهو أَوْلى، والقول الثّاني: أنّ الإبهام أفضل؛ لأنّه أحوَط، فرُبّما تعرّض المُحرِم لمرضٍ أو إحصارٍ، فيقوم عندها بما هو أيسرُ وأسهلُ عليه، وبالتّعيين ينعقِد الإحرام بما عيَّنَه.[4]
الوقوف بعرفة
الرُّكن الثاني من أركان الحجّ هو الوقوف في عرفة، ويُعدّ من أهمّ الأركان، بل من أهمّ أعمال الحجّ جميعها؛ فقد قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (الحجُّ عرفةُ، مَن أدركَ عرفةَ ليلةَ جمعٍ قبلَ طلوعِ الفجرِ ؛ فقد أدرك الحجَّ, أيامُ منًى ثلاثةٌ؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).[7] وعرفة هو جبل مُطِلّ على منطقة منى، ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة، فمن أدرك الوقوف بعرفة أثناء هذه الفترة فقد أدرك الحجّ، شريطةَ أن يأتي بباقي أركان الحجّ، وأفضل الوقوف بعرفة أن يجمعَ الحاجّ في وقوفه بين اللّيل والنّهار.[8]
يُشترَط أن يكون الوقوف ضمنَ حدودِ عرفة، فلا يجزئ من وقف خارج حدودها، والسُّنّة أن يبقى الحاجّ في عرفة إلى أن تغرب الشّمس، ثمّ ينفر من عرفة إلى مزدلفة بعد الغروب، ويُصلّي المغرب جمعَ تأخيرٍ مع العشاءِ في مزدلفة.[8]
طواف الإفاضة
طواف الإفاضة أو طواف الزّيارة كما يُسمّى هو ركن من أركان الحجّ، ولطواف الإفاضة وقتان كما يقول العلماء، أمّا الوقت الأول: فهو وقت أفضليّةٍ، وهو فِعلُ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ويكون يومَ النّحر بعد أن يرميَ الحاجّ، وينحرَ، ويحلقَ، وقد ورد في الحديث الذي يرويه جَابِر فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، أنّه قال: (فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ)،[9] ويجوز أن يؤخَّر طواف الإفاضة إلى ليل يوم النّحر، وأمّا الوقت الثّاني: فهو وقت إجزاءن فلو طاف الحاجّ في هذا الوقت أجزأه ذلك، وهو وقت الجواز، ويبدأ وقت الجواز من بعد منتصف ليلة النّحر كما قال الشافعيّ، وبعد فجر يوم النّحر كما قال أبو حنيفة.[10]
وصفة طواف الإفاضة أن يجعل الحاجّ الحجر الأسود عن يساره، ويبدأ بطواف كلّ شوطٍ من أشواط الطّواف السّبعة؛ فيبدأ من الحجر الأسود، وينتهي به، وهكذا دواليك حتّى يُنهي أشواط الطّواف السّبعة، ويحرص الحاجّ أثناء الطّواف على قراءة القرآن، والأدعية، والأذكار الواردة عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام.[10]
السّعي بين الصّفا والمروة
السّعي بين الصّفا والمروة ركن من أركان الحجّ كذلك، ويكون السّعي مع طواف القدوم، والأفضل بعد طواف الإفاضة، فيصعد الصّفا، ويبدأ السّعي من الصّفا مشياً باتّجاه المروة، فيمشي في أوّل السّعي، ثمّ إذا وصل منطقةً مُحدّدةً في وسط السّعي هَرْوَلَ، ثمّ إذا انتهت المنطقة المُحدَّدة للهرولة في الوسط، تابع سعيَه نحو المروة ماشياً، فإذا وصل المروة فقد أكمل الشّوط الأوّل، ثمّ يعود من المروة باتّجاه الصّفا، ويفعل من المشي والهرولة كما فعل في الشّوط الأوّل، وهكذا حتّى يُتِمَّ سبعة أشواطٍ؛ من الصّفا إلى المروة شوط، والعودة من المروة إلى الصّفا شوط آخر.[11]
المراجع
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني، العمرة والحجّ والزيارة في ضوء الكتاب والسنة - فضائل، وآداب، وأحكام، وأدعية جامعة (الطبعة الأولى)، الرياض: سفير، صفحة: 4.
- ↑ وهبة الزحيلي (1996)، الفقه الإسلامي وأدلّته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة: 2177، جزء 3.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 3/52، خلاصة حكم المحدث: حسن.
- ^ أ ب ت ث ج أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (المتوفى: 476هـ)، المهذب (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الكتب العلمية، صفحة 374 وما بعدها، جزء 1.
- ↑ رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1539، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 4397، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الرّحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 2646، حسن صحيح.
- ^ أ ب مصطفى الخن، ومصطفى البغا، وعلي الشربجي (1996)، الفقه المنهجي (الطبعة الثانية)، دمشق: دار القلم، صفحة: 396، جزء 1.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصّفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- ^ أ ب ابن قدامة المقدسي (1968)، المغني (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة: 391، جزء 3.
- ↑ الخطيب الشربيني (1994)، مغني المحتاج (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الكتب العلميّة، صفحة: 255-257، جزء 2.