ما نتائج بيعة الرضوان
رغبة النبي بأداء مناسك العمرة
بعد مرور ستّ سنواتٍ على هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة، أسّس فيها دولة الإسلام، وطهّر فيها المدينة من اليهود، وأحكم فيها قوّة المسلمين ببناء الهيبة لهم أمام أعدائهم، رغب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأداء العمرة، فأعلن ذلك أمام المسلمين؛ ليتجهّز منهم من أراد أن يُرافق النبيّ -عليه السّلام- إلى بيت الله الحرام، فتجهّز مع النبيّ ألفٌ وأربعمئة من الصّحابة رضوان الله عليهم، وقد قصد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من زيارته تلك؛ زيارة موطنه ومسقط رأسه، وتعظيم بيت الله الحرام، والاعتمار فيه، ولقد كانت الكعبة المشرّفة مقصد النّاس؛ مسلمين وغير مسلمين من شتّى الأنحاء، لا يمنعهم أحدٌ من الاقتراب منها وأداء العبادات حولها، وذلك من حقّ المسلمين كغيرهم من الزّائرين.[1]
لكنّ قريشاً عندما علمت بقدوم النبيّ -عليه السّلام- إلى مكّة، خافت خوفاً شديداً، وبدأوا يقطعون عليه الطّريق؛ ليمنعوه من دخول مكّة، فأرسل النبيّ عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- رسولاً إليهم؛ يُبيّن لهم غاية النبيّ من الحضور إلى مكّة، لكنّ غياب عثمان -رضي الله عنه- طال، وأُشيع كذباً خبر مقتله، فلم يرَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حينها بدّاً من قتال من قتل رسولاً وسفيراً له حقّ الحياة، فنادى المسلمين يدعوهم إلى المبايعة لقتال قريش، فبايعه من كان معه من المسلمين على القتال حتّى الموت، فسمّيت تلك الحادثة ببيعة الرّضوان وكانت سنة ستٍ للهجرة.[1]
نتائج بيعة الرضوان
أقبلَ المسلمون يبايعون رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيعة الرّضوان، ومضمونها نُصرة النبيّ دون فِرارٍ أو خوفٍ مهما كلّف الأمر، حتّى لو ماتوا في سبيل ذلك، وكان ذلك تحت شجرةٍ في منطقة الحديبية، فسمّيت بيعة الرّضوان وكذلك بيعة الشّجرة، وقد سميت بيعة الشّجرة؛ لأنّها وقعت تحت شجرة، وسمّيت بيعة الرّضوان؛ لأنّ الله -تعالى- رضي عن من بايع النبيّ فيها، وقد وثّق الله -تعالى- هذه الحادثة العظيمة في آياتٍ من القرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[2] لكنّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أقبل إلى المسلمين سالماً مُعافىً بعد هذه البيعة بفترةٍ وَجِيزةٍ، ولم يحصل أيّ قتال بين المسلمين وقريش، بل أقبلت قُريش بعد هذا الحدث تُخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّهم وافقوا على إبرام صُلحٍ بينهم وبين المسلمين، يتلخّص في عدّة بنودٍ سيكون التفاوض فيها قريباً.[3]
بنود صلح الحديبية
بعد انتهاء أزمة اختفاء عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- أرسلت قريش مُفاوضاً باسمها ليضع مع المسلمين بنود صلحٍ يتّفق عليها الطّرفان، وكان من بنود هذا الصّلح:[4]
- ألّا يدخل المسلمون مكّة في عامهم هذا، بل يعودون العام القادم معهم سلاح المسافر فقط، ويمكثون في مكّة ثلاثة أيّام لا أكثر.
- أن تضع الحرب أوزارها بين قريش والمسلمين عشر سنواتٍ.
- للقبائل المجاورة حريّة الدخول تحت أيّ حلفٍ، وتعتبر حينئذٍ شريكاً مع حليفها، فلا يجوز لبعض القبائل حينها أن تقاتل بعضاً، فدخلت خزاعة في حلف المسلمين، ودخلت بنو بكرٍ في حلف قريش.
- إذا أتى فردٌ من قريش دون وليّه يريد دخول الإسلام، يردّه المسلمون، وإذا أتى فردٌ من المسلمين إلى قريش دون وليّه تستقبله قريش ولا تردّه.
ولقد بدأ المُشركون العمل في هذا الاتّفاق من أوّل لحظةٍ، وحتى قبل البدء بكتابته؛ فقد جاء رجلٌ، وهو أبو جندل، ورمى بنفسه أمام المسلمين راغباً فيهم وشاهداً شهادة الإسلام، فصرخ سُهيل بن عمرو وهو مفاوض قريش أن يرجع إليهم، ولا ينضمّ إلى المسلمين، وبالفعل عاد أبو جندل إلى حلف المشركين، والمسلمون يوصونه بالصبر والاحتساب، حتى يفتح الله له أمراً من عنده، وفي العموم فقد بدا أنّ الصلح منحازٌ للمشركين، وقد كره المسلمون في البداية الإمضاء عليه، إلّا أنّ الله جعله فتحاً لهم، وسبباً مهيّأً لفتح مكّة بعد سنين قليلةٍ، وقد وصفه الله -تعالى- بالفتح في سورة الفتح، إذ قال: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا*لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا*وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).[5]
تفاصيل رحلة النبي وأصحابه إلى مكّة
عندما شاع خبر تحرّك النبيّ والمسلمين تجاه مكّة، خافت قريش خوفاً شديداً من إقبالهم نحوهم، واحتاروا كيف سيكون دخول هذا العدد من صحابة النبيّ إلى مكّة، ولقد أدرك النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وَجَلَ وتَوجّس قريش من زيارتهم تلك، فتعمّد أخذ السيوف فقط، ولم يأخذ أيّ معدّاتٍ للحرب والقتال، وقد سيّر الهدي أمام جموع المسلمين، حتى يتيقّن أهل مكّة أنّهم قد أتوا راغبين في أداء مناسكٍ وعباداتٍ، لا حرب أو ما شابه، لكنّ قريشاً عندما عرفوا بخبر مجيئهم، أرسلوا إليهم من يتصدّى لهم، ويقطع عليهم الطّريق، فغيّر النبي طريقه بعدما عَلِم بأمر قريش؛ إذْ لا رغبة لديه في مواجهة قريش على الإطلاق، ثمّ بدأت قريش تبعث بالرّسل لتقنع النبيّ -عليه السّلام- بالعودة وعدم وصول مكّة، وحينئذٍ أرسل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- رسولاً إلى قريش يؤكّد لهم نيّته بأداء العمرة، وبأنّ حضوره سلميّاً لا بُغيةً فيه للقتال، وقد كان رسول رسول الله -عليه السلام- إلى قريش هو عثمان بن عفّان رضي الله عنه.[1]
المراجع
- ^ أ ب ت "الفتح المبين في الحديبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-23. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 18.
- ↑ "بيعة الرضوان والدروس المستفادة منها"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-23. بتصرّف.
- ↑ "صلح الحديبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-23. بتصرّف.
- ↑ سورة الفتح، آية: 1-3.