-

ما معنى حق الشفعة

ما معنى حق الشفعة
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

حقّ التملّك في الإسلام

احترم الإسلام حقّ الإنسان في الملكيّة الفرديّة، وشرّع كثيراً من الأحكام التي تصون هذه الملكيّة من الاعتداء بالغصب أو بالسرقة أو بالإتلاف، ونظّمت التشريعات الإسلاميّة العقود التي ينبني عليها انتقال الملكيّة من شخص لآخر، ومن هذه العقود: العقود الناقلة للمُلكيّة، وهذا النوع من العقود يُعدّ من الأبواب الواسعة في مسألة انتقال المُلكيّة، ومثالها: عقود البيع، والهبة، والوصيّة وغيرها، وإنّ ممّا صنّفه علماء الفقه في عقود انتقال الملكيّة ما يُطلقُ عليه: نزع المُلكيّة الجبريّ، حيث إنّ الملكيّة الخاصّة مصونة في الشريعة الإسلاميّة، وليس من حقّ أحد أنْ يتعرّض لها إلّا في حال الاستحقاق الشرعيّ لذلك؛ فحينها يجوز نزعها للمصلحة الخاصّة أو العامّة، ومن أهمّ تطبيقات ذلك حقّ الشُّفعة، وهو حقّ متعلّق بالجار الملاصق أو الشريك في المال، فما هو حقّ الشُّفعة، وما الحكمة من تشريعه، وما هي أهمّ أحكامه؟

معنى حقّ الشُّفعة وبيان مشروعيّته

لا شكّ أنّ مقابلة المعنى اللغوي للشُفعة بالمعنى الاصطلاحي يضع الباحث على مدى الارتباط بينهما في الاستدلال على التّطبيقات الشرعيّة لها، كما أنّ بيان مشروعيّة الحكم يبعث الطمأنينة في موضوع من أكثر الموضوعات دقّة في التّشريعات الماليّة في الإسلام، كونه يقوم على انتزاع الملكيّة.

حق الشُّفعة في اللغة

شَفَعَ: فعل، ومفعوله مَشْفوع، يُقال: شَفَعَ العدد؛ أي: جعله زوجاً، ويُقال: كان واحداً فشفعته بآخر؛ أَي: أضفت مثله إليه، وشفع جاره؛ بمعنى: جعله أحقّ من غيره بشراء ملكٍ منه، وشفع في البيت؛ أي: طلب تملّكها بحقّ الشُّفعة، وشَفْع: اسم، والجمع منه أشفاع، وشِفاع، وشَفعة اسم مرّة من شفَعَ، والشّفع ما صار بغيره زوجاً؛ لذلك تكون الوتر خلاف الشّفع، والشُّفعة هي المِلْك المشفوع.[1]

حقّ الشُّفعة في اصطلاح الفقهاء

الشُّفعة في اصطلاح الفقهاء هي: استحقاق تملّك حصة الشريك قهراً ممّن انتقلت إليه بالثمن الذي استقرّ عليه العقد، وهي بهذا المفهوم حق تملُّك جبريّ يثبت للشّريك القديم على الشّريك الجديد فيما استملكه بعِوَض ماليّ مُسمّى بينهما،[2] وعرّف سيد سابق حقّ الشُّفعة في فقه السّنة: تملّك المشفوع فيه جبراً عن المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات.[3]

مشروعيّة حقّ الشُّفعة

ثبتت مشروعيّة الشُّفعة في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة وإجماع العلماء، حيث قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)،[4] وفي السنّة النبويّة جاءت عدّة أحاديث نبويّة تؤكد على مشروعيّتها؛ منها ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ حيث قال: (قضى رسولُ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- بالشَّفُعْةِ في كلِّ ما لم يُقْسَمْ، فإذا وَقَعَتِ الحدودُ، وصُرِّفَتِ الطرقُ، فلا شُفْعَةَ)،[5]، وقد أجمع الفقهاء على مشروعيّتها وجوازها، ولم يخالف في ذلك إلّا ابن الأصمّ، حيث رأى أنّ القول بمشروعيّتها يفضي إلى الإضرار بأصحاب الأملاك؛ فالمشتري سيمتنع عن الشّراء عندما يعلم أنّ للشريك الذي اشترى منه الحقّ في تملّك ما اشتراه جبراً، وأجاب العلماء عن هذا الاعتراض بأنّه مخالف لِما صحّ به الخبر في أمر جوازها، وأنّ الواقع يثبت خلاف ما ذهب إليه ابن الأصمّ؛ فالمُشاهد أنّ الشركاء يبيعون لغير شركائهم.[6]

الحِكمة من الشُّفعة وأركانها وشروطها

لم يشرّع الله -تعالى- أمراً من الأمور إلّا لحِكمة يعلمها، وكلّ أمر شرّعه الله -تعالى- بيّنه للعباد بأركانه وشروطه، ومن بين الأمور التي بيّنها الله -تعالى- أمر الشُّفعة، وبيانه على النحو الآتي:

  • الحِكمة من تشريع الشُّفعة: يكمنُ في حرص الشّريعة الإسلاميّة منع إلحاق الضرر المتوقّع من وجود شريك جديد قد تدوم شِركته، ويكون ذلك سبباً في وقوع الخلاف وفساد العلاقات بين الشّركاء، وضياع حقوق وتفويت منافع للشريك الأوّل، لذا جاء الشّرع بأمر من أراد البيع من الشّركاء باستئذان شريكه؛ فإنّه الأحقّ بالشّراء من غيره، وجاء في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من كان له شريكٌ في رَبْعةٍ أو نخلٍ، فليس له أن يبيعَ حتى يؤذنَ شريكَه، فإن رضى أخذ، وإن كره ترك).[7]
  • أركان الشُّفعة: اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ أركان الشُّفعة ثلاثة، الأوّل: صاحب الحقّ بالشُّفعة، ويسمّى: الشّفيع، وقد يتعدّد بأكثر من شخص شريك، والشّفيع الحاضر أحقّ من الشّفيع الغائب، على أنّه يجوز للغائب إذا حضر بعد تمام الشُّفعة أن يطالب بحقّه معهم، والثّاني: الجهة التي انتقلتْ إليها مُلكيّة الشريك البائع، ويسمّى: المشفوع عليه، ولا يكون مشفوعاً عليه إلّا إذا تملّك ما تملّك بثمنٍ محدّدٍ، وليس من ذلك انتقال الملكيّة بميراث أو بهبة، والثّالث: هو ما كان محلّ الشُّفعة وسببها، ويسمّى: المشفوع فيه، وجمهور العلماء على أنّ الشُّفعة لا تصحّ إلّا في عقار؛ مثل: البيوت والأرض والبساتين، ومقتضى الكلام أنّ الشُّفعة لا تصحّ في ملكٍ منقول؛ مثل: عروض التجارة، والمتاع؛ لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (الشفعةُ في كلِّ شركٍ في أرضٍ أو ربعٍ أو حائطٍ)،[7] ويُشترط في المشفوع فيه أن يكون قابلاً للقِسْمة، أمّا إذا فسدت منفعته عند قسمته فلا تصحّ فيه الشُّفعة.[2]
  • شروط الشُّفعة: اشترط الفقهاء للشُّفعة شروطاً عدّة، منها:[2]
  • أن يخرج المشفوع فيه عن مِلْك صاحبه خروجاً حقيقياً.
  • أن يكون العقد بين الشّفيع والمشّفوع عليه عقد معاوضة؛ بمعنى أنّه قائم على العِوَض، وهو دفع ثمن معلوم، وهذا هو البيع.
  • أن يكون العقد القائم بين المتعاوضين عقداً صحيحاً، فلا تثبت الشُّفعة في عقد فاسد.
  • يفقد الشفيع حقّه في طلب الشفعة إذا أهمل الطلب زمناً طويلاً ولم يُطالب به، أو أن يكون قد صدر منه ما يؤكّد عدم اعتراضه على بيع المشّفوع فيه.
  • أن يُسارع الشّفيع في المطالبة بحقّه في المشفوع فيه.

المراجع

  1. ↑ "تعريف و معنى الشفعة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2018. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت الحسين بن محمد عبد الحق حميش (16-7-2014)، "الشفعة (تعريفها-مشروعيتها-حكمتها-شروطها-أحكامها)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2018. بتصرّف.
  3. ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 215، جزء 3.
  4. ↑ سورة الحشر، آية: 7.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2257، صحيح.
  6. ↑ هيئة كبار العلماء (2004)، "مشروعيّة الشُّفعة"، www.alifta.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-3-2018. بتصرّف.
  7. ^ أ ب رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1608، صحيح.