ما هو نافخ الكير
على الإنسان أن يختار جُلساءهُ ورِفاقه بحذر؛ حيث يجب أن يكونوا من أهل الصلاح والأخلاق والعلم، لأنَّ العلم يتدفّق بين الجُلساء كما يتدفّق الماء من الشلال، فإمّا أن تشرب من هذا العلم أو أن تغترف منهُ على قدر حاجتك، وأيّاً كان؛ فالجليس الصالح لا يأتيك منهُ إلّا الخير، ويقولون دائماً قل لي من تُصاحب أقل لكَ من أنت، فالصاحب هو الذي يصحبك إلى طريق الخير أو يهوي بكَ في مهالِك الردى، وقد بيّن الرسول صلّى الله عليهِ وسلّم الفرق بين الجليس الصالح والجليس السيء في الحديث الصحيح الذي يرويه الصحابيّ الجليل أبو موسى الأشعري رضيَ الله عنه حيث يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ والسَّوءِ ، كحاملِ المسكِ ونافخِ الكيرِ ، فحاملُ المسكِ: إمَّا أن يُحذِيَكَ، وإمَّا أن تبتاعَ منهُ، وإمَّا أن تجدَ منهُ ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ : إمَّا أن يحرِقَ ثيابَكَ، وإمَّا أن تجدَ ريحًا خبيثةً).
معنى نافخ الكير
وحتّى نفهم الحديث النبويّ السابق لا بُدَّ لنا أن نعرف ما المقصود بنافخ الكير، وسنجد ذلك المعنى في كتب ومعاجم اللغة كما أوردهُ ابن منظور في لسان العرب حيث يقول: الكير، وهو كِير الحدّاد ونافخ الكير هو الحدّاد، الكير فهو زقٌّ أو جلدٌ غليظ ذو حافّات، وهو الذي ينفخ فيه الحدّاد، والجمع أكيار وكِيَرة، فهو إذن الزقّ الذي ينفخ فيه الحدّاد على الحديد في وقت الصهر والتشكيل، وهذا الكير يقوم بطرد الشوائب من الحديد عند النفخ، وقد يعترض الشخص الجالس عند الحدّاد الذي ينفخ الكير أن يُصيبه بعض الصُّهارة التي تحرق لهُ ثوبه أو قد تؤذيه ريح الخبث من الحديد والكير، وهذا تشبيهٌ بليغٌ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنَّ المُجالس للرجل السيء لا ينالهُ منهُ إلاّ الأذى ولا يُحيطُ بهِ إلاّ ما يؤذيه ويضرُّه، وبالمقابل فإنَّ الّذي يُجالس أهل الخير وأهل الإيمان والأخلاق الحميدة كأنّهُ عند صاحبه عطرٌ جميل كالمسك، فأنت حين تُجالس الطيّب من البشر كأنّك تتنسّم الطيّب من شذى العطور وأريجها فلا بُدَّ أن يعلق بثوبك هذا الطيب وهذا العطر أو تتنفسّه فينشرح لك به صدرك.
وقد ورَد الحديث عن الكير في حديثٍ آخر يصِف فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خُروج المُنافقين وأهل الخبث من المدينة المنوّرة، كخروج الخبث من الحديد حين يُنفخُ عليه من الكير، وكذلك زوال ذنوب العبد بسبب الحمّى التي تُصيبه.