ماذا تسمى النفخة الأولى في الصور
قيام الساعة
من أهمّ وأول مراحل وأحداث يوم القيامة النَّفخ في الصور، فبعد أن يُنفخ في الصور من قِبَل الملك الموكَّل بذلك من الله -سبحانه وتعالى- يموت جميع الخلائق، وتكون تلك النفخة هي الفاصلة بين الحياة الدنيا والآخرة، وتتابع الأحداث بعد ذلك مُعلنةً بدء مرحلةٍ أخرى هي مرحلة عرض الخلائق على الله -سبحانه وتعالى- للحساب، ثم انتقالهم حسب أعمالهم إمّا إلى النار وإمّا إلى الجنة، فما هو النفخ في الصور، وما هي حقيقته وكيفيّته، وهل هو مرحلة واحدةٌ أم له مراحل مُتعدّدة، وهل لمرحلة النفخ في الصور أسماء مُعيّنة أم لا؟
النفخة الأولى في الصور وتسميتها
معنى النفخ في الصور والمُوكّل به
يُقصد بالصور: القرن الذي يُنفخ فيه، وهو ما يُشبه البوق، ويُستخدم في العادة لإصدار صوتٍ مُرتفع، وقد فسَّره رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بذلك عندما سُئل عنه، حيث روى عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- في الصحيح قال: (قال أعرابيٌّ: يا رسولَ اللهِ ما الصورُ؟ قال: قرنٌ ينفخُ فيه).[1]
أما عن المَلك الذي يَنفُخ في الصور فالمشهور الراجح عند العلماء أنّه إسرافيل -عليه السّلام-، حتى أنّ بعض العلماء ذكر وجود إجماعٍ على ذلك بين أهل العلم،[2] وقد أخبر النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ المَلَك المُوكّل بنفخ الصور مُتهيّئ لذلك منذ أن أَوْكَلَ الله -سبحانه وتعالى- أمر الصور له، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنّ طرفَ صاحبِ الصورِ منذ وكِّلَ به مُستعدٌ ينظرُ نحو العرشِ مخافةَ أن يؤمرَ قبلَ أن يرتدَّ إليه طرفُهُ كأن عينيْهِ كوكبانِ دُريانِ).[3]
عدد النفخات في الصور وأسماءها
يرى أكثر أهل العلم أنّ النفخ في الصور يقع مرَّتين؛ فالنَّفخة الأولى يحصل بها الصّعق ولذلك سمّوا تلك النفخة بنفخة الصّعق، والنفخة الثانية يجري بعدها بعث الخلائق لعرضهم على الله -سبحانه وتعالى- واسمها عندهم نفخة البعث، وقد استدلّ العلماء على ذلك بقول الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ)،[4] كما أنّ بيان ذلك جاء في بعض ما نُقل عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بسندٍ صحيح، حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قوله: (ما بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال: أبيت قالوا أربعون شهراً؟ قال: أبيت قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة)؛[5] ووجه الدلالة من ذلك أنّ الحديث أشار إلى حدوث نفخين في الصور فقط، ويظهر ذلك في قول النبي -عليه الصّلاة والسّلام- (ما بين النَّفختين)، ممّا يدلُّ على كونهما نفختين لا أكثر.[2]
قال بعض أهل العلم: إنَّ عدد النّفخات في الصور ثلاث لا اثنتان، وإنّ تلك النفخات تكون على التوالي؛ بأن يُنفخ في الصور مرّةً فيفزع الناس، وقد أسموا تلك النّفخة بنفخة الفزع، ثم تتبع تلك النفخة أُخرى أسموها نفخة الصَّعق، فيموت الناس جميعاً ويمكثون فترةً من الوقت لا يعلمها إلا الله، فيمكثون على ذلك ما شاء الله لهم أن يمكثوه، وتأتي بعد ذلك نفخة البعث التي يُبعث بعدها الخلائق، وقد استدلّ أصحاب هذا القول بما ورد في قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).[4]
والملك المُوكَّل بالنفخ في الصور إذا أمره الله نفخ نفخةً عظيمةً فّزِع منها جميع الخلائق، ثم يُصعقون من تلك النفخة على رأي أصحاب القول الأول، ويموتون بعدها موتةً واحدةً، أمّا على رأي أصحاب الفريق الثاني فإنّه بعد فزعهم من تلك النفخة يُنفخ في الصور مرّةً أخرى فيُصعق الناس بعد فزعهم ثم يموتون، ويمكثون على تلك الحالة مدةً لا يعلم قَدرها إلا الله، فتتحلّل أجسادهم خلال تلك المدة، ثم يرسل الله سحاباً فتُمطر السماء مطراً لا يُصاب منه جزءٌ من الأرض إلا نبت ما كان فيه من أثر الخلائق، فينبتون كما ينبت الزرع، ثم ينفخ في الصور نفخةً أخرى هي الثانية في رأي غالب أهل العلم، واسمها نفخة البعث، والثّالثة عند بعض العلماء، وتعود بعد تلك النفخة الأرواح إلى أجسادها، فيخرج الناس جميعاً من قبورهم إلى أرض المحشر.[2]
الأحداث التي تتبع النفخ في الصور
البعث والنّشور
بعد أن يُنفخ في الصور فتموت الخلائق، ويُنفخ فيه أخرى فيحيون، حينها يبدأ البعث والجزاء والنُّشور ليوم الجمع، والمقصود بالبعث أن تعود الأرواح إلى أجسادها، ويَخرج الموتى من القبور، أما النّشور فهي كلمة مُرادفة للبعث من حيث المعنى، وعندما ينفخ إسرافيل في الصورة مرّةً أخرى تخرج الأرواح وتعود إلى أجسادها التي خرجت منها حين الوفاة، ويبدأ جمع الخلائق لعرضهم على الله، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ)،[6] حيث تنبت الأجساد من التّراب كما تنبت النّباتات من الأرض، وقد جاء تشبيه خروج الناس من قبورهم بعد النفخة الثانية بالزرع إذا نزل عليه الماء في كتاب الله،[7] قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[8]
أرض المحشر
يجتمع الناس بعد نفخة البعث في أرض المحشر كما خلقتهم أمهاتهم حُفاةً عُراةً، يقومون بعد ذلك في موضع الحشر وقتاً طويلاً، فإذا ما استطال عليهم الزمن وشعروا بالعناء الشديد طلبوا من أنبياء الله التوسّل إلى الله بأن يبدأ بعرضهم للحساب، وحينها يرفض جميع الأنبياء التوسّط عند الله -سبحانه وتعالى- خوفاً من عذابه وغضبه، إلى أن يصل الناس إلى محمد -عليه الصّلاة والسّلام- فيشفع لهم عند الله بأن يبدأ حسابهم،[7] وقد جاء بيان صفة أرض المحشر فيما رواه سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- يقول: (يُحشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ على أرضٍ بيضاءَ، عفْراءَ، كقُرصةِ النقيِّ، ليس فيها علَمٌ لأحدٍ).[9]
الحساب والجزاء
بعد أن يتوسّط النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عند الله -سبحانه وتعالى- لبدء الحساب، يبدأ الله بمحاسبة الناس على ما كان منهم في الحياة الدنيا من العمل الصالح منه والطالح، فيُحاسبهم على ما كان منهم من الإيمان أو الكفر، ويُعطى أهل التقى كتبهم باليمين، كما يُعطى أهل السوء والضّلال كتبهم في شمائلهم بعد أن تتطاير الصحف وتتوزع على أهلها، ويشتمل حساب الله للناس على كل ما أمر الله به عباده وقيامهم به أو إعراضهم عنه، ويُقيم الله الحجج والبراهين على المُنكرين، ثم توزن الأعمال، وتتوزّع المنازل بين الجنة والنار، أمّا مراحل الحساب فهي كما يأتي:[7]
- مرحلة عرض الأعمال على العباد.
- مرحلة الحساب الأول، فيحاسب الله الناس جميعاً في نفس الوقت، وقيل إنّ طريقة الحساب تكون كما يُلهم الناس النَّفَس.
- مرحلة تطاير الصّحف، قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ*فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ *فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ*وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ*يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ *هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ).[10]
- مرحلة الحساب الأخير: ويكون ذلك بعد أن يطَّلع كل امرءٍ على ما جاء في كتابه من الأعمال والأجور عليها؛ وذلك لقطع المعذرة عنهم، وإقامة الحجة على صدق المنزلة التي استحقوها، قال تعالى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).[11]
- مرحلة وزن الأعمال، فبعد أن يأخذ كلّ امرئ كتابه يأتي بالميزات فتوزن عليه أعماله، ويُؤمَر به إمّا إلى الجنّة أو النار، قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).[12]
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 3244، حسن.
- ^ أ ب ت محمد صالح المنجد، "حقيقة النفخ في الصور"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه إبن حجر العسقلاني، في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 11/376، إسناده حسن.
- ^ أ ب سورة الزمر، آية: 68.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4935.
- ↑ سورة الزمر، آية: 68.
- ^ أ ب ت محمد صالح المنجد، "ترتيب أحداث يوم القيامة"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 57.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 2790.
- ↑ سورة الحاقة، آية: 18-29.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 14.
- ↑ سورة الأنبياء ، آية: 47.