-

ما هو التعزير في الإسلام

ما هو التعزير في الإسلام
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العقوبات في الإسلام

لما جاءت الشريعة الإسلاميّة تكفّلت بالمحافظة على الضروريّات الخمس وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل، كما أنها منعت وجرّمت وحرَّمت كلَّ اعتداء يحول دون تحقيق هذه الضروريات أو المساس بها، وقد فرضت الشريعة الإسلاميّة السمحة كذلك عقوبات محدَّدة ورادعة بحقِّ كل من يعتدي على هذه الضروريات أيّاً كان شخصه أو موقعه في الدولة.

وقد قسّم العلماء والفقهاء هذه العقوبات بحسب الجريمة التي تم إرتكابها إلى: عقوبات جرائم الحدود، وهي عقوبات معيّنة ومقدّرة ومحدّدةٌ وواضحة في الشريعة الإسلاميّة، وحق الله سبحانه وتعالى ظاهرٌ فيها وطاغٍ على حقوق الأفراد؛ فمثلاً حد السرقة قدّره الله سبحانه وتعالى وهو قطع يد السارق، ولكونه حقاً لله فلا يجوز العفو عنه والشفاعة فيه مهما كان المذنب، وبما أنّ الأمر قد وصل إلى الحاكم فمن الواجب تطبيقه، لأنه حق لله وهو الذي قدّر العقوبة حمايةً للمصلحة العامة.

أما القسم الثاني فهو العقوبات التي تقع على جرائم القصاص والديّات وعقوبات هذا النوع تتمثّل بعقوبات الجرائم، وهي معيّنة واضحة، وتجب هذه العقوبات حقاً للأفراد بشكلٍ خاصّ، وتقع هذه العقوبات على نفس الإنسان وأطرافه.

والقسم الثالث هو عقوبات الجرائم التي ليس لها حد مقرّر شرعاً، فهذه العقوبات أمرها متروك لولي الأمر أو القاضي، وهو يقدّر العقوبة المناسبة للجريمة بحسب ظرف الجاني ونوع العقوبة، وتسمّى هذه العقوبات بالعقوبات التعزيريّة، أو التعزير، وسيتم تناوله في هذا المقال.[1]

تعريف عقوبة التعزير

لعقوبة لتعزير معنيان؛ معنى عند أهل اللغة ومعنى في اصطلاح الفقهاء وفيما يلي بيان هذه المعاني: تعرّف العقوبة في اللغة بأنها: اسم من عاقب يعاقب عقاباً ومعاقبة، وهو أن تجزي الرجل بما فعل سوءاً، ويقال عاقبه بذنبه: إذا أخذه به.[2]أما في الاصطلاح فقد عرّفها ابن عابدين بأنّها: (جزاء بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل، وسُمّي بها لأنها تتلو الذنب، ومن تعقبه: أي إذا تبعه)،[3] وعرّفها الماوردي بأنها: (زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر، وترك ما أمر به).[4] إذا أنه يُطلق كلمة الحد على كل عقوبة مقدّرة.

يُعرّف التعزير في اللغة بأنه: التأديب، عزر أي: أدّب، وأصله من العزر بمعنى الردع والرد، وتأتي أيضاً بمعنى أعان ونصر.[5]

يُعرّف التعزير في اصطلاح الفقهاء بأنّه: العقوبة المشروعة غير المقدّرة شرعاً، والتي يوقعها القاضي على المجرم لمعاقبته بما يكافئ جريمته، ويقمع عدوانه، ويحقّق الزجر والإصلاح، ويكون في كل جريمة لا حدّ فيها ولا كفارة، سواء أكانت الجناية اعتداء على حق الله تعالى، كالأكل في نهار رمضان بغير عذر، وترك الصلاة، أم كانت اعتداء على حقوق العباد كالربا، وطرح النجاسة، وأنواع الأذى في طريق الناس، والسب والشتم وغير ذلك من الجرائم.[6]

حكم التعزير

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأصل في التعزير أنّه مشروع وجائز في كل معصية لا يوجد فيها حدٌ شرعيّ، ولم يرد نصٌ على تحديد عقوبةٍ معينة فيها، وليس فيها كفارة، ويختلف حكم التعزير باختلاف ظروف الجاني من حيث مكانته الاجتماعيّة، ووضعه الأخلاقيّ، ومن حيث الظروف التي أحاطت به عند فعل الجريمة والقيام بها، ودوافعه لذلك، ومبرراته عند سماع أقواله من قبل الحاكم أو القاضي.[7]

الجرائم التي يُشرع فيها التعزير

تكون عقوبة التعزير على نوعين من الجرائم لا ثالث لهما:[7]

  • الجرائم المعاقب عليها بالحد أو المعاقب عليها بالقصاص، ولكن تخلّف ركن من أركانها أو شرط من شروطها؛ أي في حالة عدم إمكانية إقامة الحد على الجاني، ومن الأمثلة على هذا النوع أن تقع عقوبة التعزير على من سرق شيئاً لم يبلغ النصاب، أو من سرق أشياء سريعة الفساد.
  • الجرائم التي لا حد فيها ولا قصاص، وهذا النوع يضمّ أغلب الجرائم، ومن الأمثلة على هذا النوع ترك إنسان ما يجب عليه فعله، فمثلاً من ترك سداد الدين مع قدرته على سداده، ومن ترك الصلاة المفروضة حتى تخرج عن وقتها.

أهداف التعزير في الشريعة الإسلامية

للتعزير في الشريعة الإسلامية أهداف وأغراض ومصالح منها:[8]

  • الردع والزجر: أي منع مرتكب الجريمة من معاودة ارتكابها مرة أخرى، أو أن يتمادى في إجرامه، ومنع غير الجاني من ارتكاب الجريمة، فالمنفعة الحاصلة مزدوجة.
  • الإصلاح، فالشريعة الإسلاميّة اهتمت بالجاني وعنيت به فجعلت تأديبه وإصلاحه حتى تستقيم نفسه وتبتعد عن الجريمة، وفي ذلك صلاح للجماعة وصلاح للمجتمع بأسره.

الفرق بين عقوبة التعزير والحدود

يتفق التعزير مع الحدود في كون كلّ منهما تأديباً وزجراً، بينما يختلف التعزير عن الحدود بما يلي:[8]

  • أنّ لكل حد من الحدود عقوبة معيّنة أو عقوبات لا بدّ من تنفيذها وإيقاعها على الجاني، مهما كانت مكانته ومنزلته، وهذه الحدود ثابتة لا يُزاد عليها ولا ينقص منها، أما التعزير فتوجد فيه عقوبات متعدّدة تبدأ من تقديم النصح للجاني، وتنتهي بالجلد أو الحبس، وقد تصل إلى القتل في الجرائم الخطيرة، ويُترك للقاضي في التعزير أن يختار ما يناسب الجاني وظروف الجريمة التي ارتكبها وملائمة العقوبة لها، وللقاضي أن يوقع أكثر من عقوبة على الجاني، وله أن يُشدّد العقوبة على الجاني، وله أن يوقف تنفيذ العقوبة إذا رأى أنّ مجرد توجيه العقوبة للجاني يكفي لردعه.
  • يجوز لولي الأمر أن يعفو عن الجاني في عقوبات التعزير، وتجوز في عقوبات التعزير الشفاعة، بينما لا يجوز لولي الأمر أن يعفو عن الجاني في الحدود، ولا تصحّ الشفاعة في الحدود.

المراجع

  1. ↑ د. عيسى العمري (2003)، فقه العقوبات في الشريعة الإسلامية (الطبعة الثانية)، الأردن: دار المسيرة للنشر والتوزيع، صفحة 70-73. بتصرّف.
  2. ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 260، جزء 33. بتصرّف.
  3. ↑ ابن عابدين (1992)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 3، جزء 4. بتصرّف.
  4. ↑ الماوردي، الأحكام السلطانية، القاهرة: دار الحديث، صفحة 325. بتصرّف.
  5. ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 562، جزء 4. بتصرّف.
  6. ↑ د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 5300، جزء 7. بتصرّف.
  7. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة-الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 256-287، جزء 12. بتصرّف.
  8. ^ أ ب د. عيسى العمري (2001)، فقه العقوبات في الشريعة الإسلامية (الطبعة الأولى)، الأردن: دار المسيرة للنشر والتوزيع، صفحة 434. بتصرّف.