-

ما تعريف الإنسانية

ما تعريف الإنسانية
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تعريف الإنسانيّة

الإنسانيّة في اللغة هي مصدر صناعيّ من كلمة إنسان، وهي ما يُميِّز الإنسان من خصائص وصفات، تجعله بدورها يختلف عن بقيّة أنواع الكائنات الحيّة، ويمكن القول إنّ الإنسانيّة هي ما يُضادّ البهيميّة أو الحيوانيّة. كما أنّه يمكن تعريفها بأنّها ما يتميَّز به المرء من الأعمال الصالحة التي يقوم بها. وهي من وجهة نظر الفلاسفة تعني: (الحياة، والنُّطْق، والموت). والإنسانيّة من وجهة نظر كانط هي ما يُعبِّر عن هدف الأخلاق، كما أنّها أساس فكرة الواجب عند الإنسان. ويرى أوجست كونت أنّ الإنسانيّة هي مجموع الصفات التي تُكوِّن كائناً اجتماعيّاً يتطوَّر مع مرور الزمن.[1]

وعندما يُقال عن شخص ما أنّه يقوم بعمل إنسانيّ، فمعنى ذلك أنّه يقوم بعمل يعود بالخير على البشر، وهو إنسانٌ قادرٌ على التجاوُب مع سلوك الإنسان الطبيعيّ،[1] وعادة ما ينظر الناس إلى الإنسانيّة بعدّة طُرُق؛ فمنهم من يرى أنّها تشمل جميع المخلوقات البشريّة، ومنهم من ينظرُ إليها على أنّها تحمل معاني الإحسان والإيثار، ومنهم من يرى أنّ الإنسانيّة تتضمّن القوّة الروحيّة، ومن الجدير بالذكر أنّه يُشار إلى الإنسانيّة في العديد من القوانين الإنسانيّة، والجرائم التي تُرتكَب في حقِّ الإنسان في المُعاهَدات الدوليّة على اختلافِها، كما أنّها تُعَدُّ مصدراً للقانون الدوليّ،[2] أما اللّاإنسانيّة فهي ما يُشار إليها عادة بأنّها إهدارٌ لقيمة الإنسان وحقوقه، والتعامل مع البشر بعنصريّة، وبقسوة.[1]

والإنسانيّة هي الكلمة التي تَنطوي على العديد من الصفات التي تَجعلُ ممّن يمتلكُها بشراً، مثل القدرة على المَحبَّة، والتعاطُف مع الآخرين، والإبداع، وغيرها من الأمور التي تُميِّز الإنسان عن غيره من الكائنات، والتي تجعل منه إنساناً حقيقيّاً، وليس تابعاً، ولا تجعل منه إنساناً آليّاً خالياً من المشاعر أو العواطف، وتعود كلمة الإنسانيّة (بالإنجليزيّة: Humanity) في أصلها إلى الكلمة اللاتينيّة (Humanitas)، والتي تعني الطبيعة البشريّة، وما تنطوي عليها من صفات ومشاعر طيّبة،[3] وللإنسانيّة عدّة تعريفات في الاصطلاح؛ وذلك لاختلاف المُنطلَقات التي اعتمد عليها العلماء في التعريف، ومن هذه التعريفات، تعريف الفلاسفة القدماء، وهو أنّ الإنسانيّة عبارة عن المعنى الذي تقوم عليه ماهيّة الإنسان، ومن وجهة نظرهم فإنّ الإنسان لا يبلغُ أعلى المراتب إلّا إذا تحوّلت قوّته إلى أفعال؛ وبذلك يصبح إنساناً كاملاً. بينما عرّف البعضُ الإنسانيّةَ على أنّها التربية التي أحدثتها النهضة، والتي اشتملت على العديد من الموادّ الدراسيّة، مثل: الموسيقى، والفنّ، والتاريخ، واللغة، والأدب، ومظاهر الكون.[4]

تطوُّر الفلسفة الإنسانيّة

  • القرن الثاني عشر: حيث كان أوّل ظهور للإنسانيّة، إلّا أنّها في مفهومها، وفلسفتها لم تصل إلى الثقافة الإيمانيّة، أي أنّها لم تقم على أُسُس دينيّة وسماويّة، وقد خالفَت ما قدَّمَته الصوفِيَّة عن الإنسان.
  • القرن الخامس عشر: أصبحت الفلسفة الإنسانيّة في هذا القرن أكثر عقلانيّةً ونُضْجاً، وقد قامت على عدة أُسُس، منها: أنّها تُمثِّل احتجاجاتٍ على العديد من العلوم التي كانت سائدةً في ذلك الوقت، كما أنّها ظهرت لِتُحرِّرَ العقل الإنسانيّ من سيطرة السلطة والكنيسة، بالإضافة إلى إعطاء دورٍ للعقل في اتِّباع قواعد الإدراك والتفكير، وحبّ الحقيقة، وقد جاءت هذه الفلسفة لتأكيد أهميّة قِيَم الطبيعة، بدلاً من قِيَم ما فوق الطبيعة، وبالإضافة إلى ذلك فقد ركَّزَت على حبِّ الجمال والفروسيّة، ونظرَت إلى الحبّ الرومانسيّ على أنّه أمرٌ طبيعيٌّ يدلُّ على استقلاليّة الذات الإنسانيّة.
  • القرن الثامن عشر: حيث تطوّرَت الحركة الإنسانيّة، ونادَت بمبادئ حركات التنوير، والتي كان من أهمّ إنجازاتها تقدير العقل الإنسانيّ إلى حدّ تقدسيه، كما أنّها أعطَت للفكر الإنسانيّ الحرّ ثقةً كبيرةً، وقد وسَّعت مجالات المعرفة الإنسانيّة، إلّا أنّها في نهاية القرن تعرَّضَت للعديد من الاحتجاجات، وخاصّةً على مفاهيمها في الرومانسيّة، والفلسفة الطبيعيّة.
  • القرن التاسع عشر: حيث أصبحت للحركة الإنسانيّة على يد أوجست كونت اتّجاهات عقليّة، وعلميّة.
  • القرن العشرون: ظهرَت الحركة الإنسانيّة في النصف الأوّل من القرن العشرين، وأصبحت أعمَّ وأشمل؛ وذلك بعد أن عانَت الشعوب من نتائج الحرب؛ وبالتالي زاد إحساسُهم بأهميّة السَّلْم والتعاون في المُجتمَعات الإنسانيّة، كما تزايد الاهتمام بالتفكير الإنسانيّ، والوجدانيّ، والتفاعل مع البيئة، وفي تلك الفترة أُعطِيَ الإنسانُ حقوقَه في إطارٍ من الديمقراطيّة، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، كما أصبح قادراً على حلّ مشكلاتِه، وظهر في هذا القرن العديد من الفلاسفة والمُفكِّرين الذين دعموا الحركة الإنسانيّة، أمثال: برنارد شو، وشيلر، وكارل بوبر.

المبادئ التي تقوم عليها الفلسفة الإنسانيّة

يُنظَرُ إلى الفلسفة الإنسانيّة على أنّها حركة فكريّة تَضُمُّ العديد من الفلسفات، مثل: الفلسفة الوجوديّة، والبراغماتيّة، والاتّجاه الإنسانيّ، ومن الجدير بالذكر أنّ مبادئها قائمةٌ على الإلحاد والكفر بالله، وعدم التصديق بالدين أو بالأنبياء، وهي قائمةٌ على عدّة مبادئ، هي:[4]

  • تأييدُ الوقائع والحقائق المَعقولة، فهي لا تُؤمِن بما هو فوق الطبيعة.
  • الإيمانُ بوجوديّة الكون، وبأنّ الإنسان جزءٌ من الطبيعة، وليس له حياة بعد الموت.
  • تحديدُ تفكير الإنسان وثقافته، وذلك عن طريق تفاعُلِه مع البيئة الطبيعيّة، والوراثة الاجتماعيّة.
  • إعطاءُ العقل أهميّةً ومكانةً كبيرةً؛ ولذلك يُعَدُّ الإنسان قادراً على استخدام عقله بطريقةٍ علميّةٍ لحلّ مشاكله.
  • تعديلُ المبادئ والأخلاق بما يناسبُ المُستجِدّات، والتوقُّعات المُستقبَليّة.
  • اعتبارُ كرامة الإنسان واستقلاليّته من أهمّ القضايا؛ وحتى تتحقّق سعادة الإنسان، عليه أن يكون حرّاً؛ ممّا يساعده على التقدُّم في جميع مجالات الحياة.

النهضة الإنسانيّة

النهضة الإنسانيّة هي حركة فكريّة نشأت في القرن الثالث عشر، وسيطرت على الفِكْر الأوروبيّ، وذلك خلال عصر النهضة، وقد جاء أصل المُصطلَح من برنامج الدراسات الذي أُطلِق عليه اسمُ الدراسات الإنسانيّة (باللاتينية: Studia humanitatis)، أمّا فكرة الإنسانيّة، فقد نشأت في القرن التاسع عشر، وقد ساهم بركهارت (بالإنجليزية: Burckhardt) في ترسيخ هذا المفهوم؛ حيث دَرَسَ النصوص الكلاسيكيّة الرومانيّة، واليونانيّة، واستخدمَها بهف إعادة تشكيل الفِكْر المُعاصِر، والذي يُعطي الإنسانيّة مَنظوراً جديداً ومُختلِفاً.[5]

وقد أوضح من وجهة نظره أنّ الإنسانيّة تمنحُ البشرَ القدرةَ على التصرُّف، إذ أوضحَ أنَّ الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسانَ القدرةَ والخيارات، حتى يتصرَّفَ بالطريقة المُثلى؛ لتحقيق النجاح والاستفادة القُصوى من هذه القدرات، ويمكن القول إنّ النهضة الإنسانيّة تُعَدُّ بديلاً لطريقة التفكير في العصور الوُسطى؛ وذلك لأنَّ النزعة الإنسانيّة بدأَت بالتأثير في المُجتمَع وثقافته، وهذا ما يُسمَّى بعصر النهضة.[5]

النَّزْعات الإنسانيّة

هناك نوعان من النَّزْعات الإنسانيّة، هما:

النَّزْعة الإنسانيّة الدينيّة

النَّزْعة الإنسانيّة العَلْمانيّة

وقد انتقلت هذه الفلسفة من الإيمان بحقوق الله والتي نادت بها الإنسانيّة الدينيّة، إلى حقوق الإنسان وحده؛ حيث أعلن الفلاسفة أنَّ الله فرضيّة لا لزوم لها، وحلَّت القوانين الوضعيّة من قِبَل البشر محلَّ القوانين المَسيحيّة والقانون الإلهيّ المُقدَّس، وهذه القوانين تتبدَّلُ وتتغيَّرُ حسَب الحاجة، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه التطوُّرات لم تحدثْ إلا عند الغَرْب؛ وذلك نتيجة للحركات التنويريّة، إلّا أنّ هذا لا يعني انتصارَ هذه الفلسفة الإلحاديّة على الفلسفة الدينيّة.[6]

القِيَم الإنسانيّة في الإسلام

يُعرِّف الإسلامُ القيمَ الإنسانيّةَ بأنّها عبارةٌ عن مجموعةٍ من المبادئ التي تهتمُّ باحترام الإنسان، وحريّاتِه، وحقوقِه، وعِرضِه، ودمِه، وعقلِه، ونسلِه؛ وذلك لأنَّه يَنظرُ إلى الإنسان بوصفِه جُزءاً لا يتجزَّأ من المُجتمَع، حيث جاء الإسلام بمجموعةٍ من القِيَم؛ ليرفعَ من قيمةِ الإنسان وشأنِه، منها:[7]

  • العلم: ويُعتبَرُ من القِيَم العُليا؛ حيث تقوم حياة الإنسان الدينيّة والدنيويّة عليه، كما أنّه طريق الإيمان، وقد جعلَه الإسلام أساسَ التفاضُل بين البشر، واعتُبِرَ أنّ أهل العلمِ هم المُؤهَّلون لتقوى الله وخشيتِه.
  • العمل: ويُعتبَرُ ثمرةَ ونتيجةَ الإيمان؛ حيث إنَّ الإيمانَ النابعَ من قلبٍ صادقٍ تأتي ثمارُه بالعمل؛ ولذلك نرى الإسلام يَقرِنُ العمل بالإيمان، ويُقصَدُ بالعمل بَذْل الإنسان ما في وُسْعِه لتحقيق الخِلافة في الأرض، وعمارتِها، وعبادةِ الله عز وجل، وهي الغايات التي خُلِقَ من أجلِها.
  • الحرية: وهي من القِيَم التي عظَّمَها الإسلامُ، والتي من شأنها أن تَجعلَ الإنسانَ سيِّداً في الكون، ومُسخَّراً لله تعالى، ومن الجدير بالذكر أنَّ الحريَّة تُحرِّرُ الإنسانَ من كلِّ أنواع الضغط، والذلِّ والقَهْر، وللحريّة عدّة أنواع، منها: الحريّة الدينيّة، والحريّة الفِكْريّة، والحريّة السياسيّة، والحريّة المَدَنِيَّة.
  • الشورى: ويُقصَدُ بها مُشارَكةُ الرأي، بمعنى ألّا ينفردَ الإنسانُ برأيِه، وخاصة في الأمور التي تحتاجُ إلى أكثر من عقلٍ، وأكثر من رأي، ومن فوائد التشاور أنَّه يجعل الفرد يَنظرُ إلى الأمور من مُختلَف الزوايا، كما أنَّ الحُكْمَ المُستنِدَ إلى الشورى يكون مَدروساً بشكلٍ أفضل، ومَبنِيّاً على تصوُّر شامل، كما أنَّه يُلغي التردُّدَ، وتُساعدُ الشورى على اتِّخاذِ الرأيِ الأصوب، وقد يكون تقريرُ الأمرِ عن طريق الاستخارة، وطلب العون من الله عزَّ وجلَّ، أو أن تكون مَشورَة إنسانيّة، بأن يطلبها من شخصٍ أو أشخاص يَثِقُ برأيِهم وحكمتِهم.
  • العدل: وهو أحد مُقوِّمات الحياة الأسريّة، والاجتماعيّة، والدينيّة، كما أنَّه هدفُ جميعِ الرِّسالات السماويّة، ويُقصَدُ به أن يأخذَ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه دون تبخيسٍ أو طُغيان، ويكون العدلُ بين الناس، كما أنَّه يكون مع النفس أيضاً، ويُقصَدُ بذلك أن يُوازِنَ الفردُ بين حقِّ نفسِه، وحقِّ ربِّه عليه، ومن صور العدل: العدل في الأسرة بين الأبناء، ومع الزوجة أو الزوجات، وعدل الفرد مع من يحبُّ ويكره، بحيث لا تدفعُه عاطفة الحبِّ إلى المُحاباة بالباطل، أو تمنعُه عاطفة الكره عن إعطاءِ الحقِّ لصاحبه.
  • الإخاء: بمعنى أن يعيش جميع أفراد المُجتمَع في ترابطٍ وتعاونٍ، دون حسدٍ، أو بغضٍ، بل يُؤازِرُ كلُّ واحدٍ منهم الآخرَ، والقَصْدُ في هذه النقطة هو الأُخُوَّة الإنسانيّة بغضِّ النَّظَر عن العِرْقِ، أو الانتماء، أو الدِّين.

المراجع

  1. ^ أ ب ت "تعريف ومعنى إنسانية في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-23. بتصرّف.
  2. ↑ " الإنسانية: ما هي وكيف تؤثر على القانون الدولي ؟"، www.icrc.org، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-23. بتصرّف.
  3. ↑ "humanity", www.vocabulary.com, Retrieved 2018-3-23. Edited.
  4. ^ أ ب ت حصة بنت نغيمش (2016-1-24)، "الفلسفة الإنسانية"، المعرفة . بتصرّف.
  5. ^ أ ب "Renaissance Humanism", www.thoughtco.com,2018-1-8، Retrieved 2018-3-23. Edited.
  6. ^ أ ب محمد اركون،دار الساقي، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، صفحة القسم الثالث . بتصرّف.
  7. ↑ أ.د. يوسف القرضاوي، القيم الإنسانية في الإسلام، صفحة 13-35. بتصرّف.