-

ما الفرق بين التوكل والتواكل

ما الفرق بين التوكل والتواكل
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

التوكل على الله

يُعدّ التوكل على الله تعالى من أعظم العبادات القلبية الباطنة، ويتمثل التوكل بالاعتماد على الله تعالى في تحقيق الخير والنفع ودفع الشر والسيء من الأمور، والتوكل لا بد منه في جميع الأمور التي تتعلق بالعبد، سواءً في الحياة الدنيا أو الحياة الآخرة، ولا بد في التوكل من الأخذ بالأسباب الصادرة عن الجوارح، سواءً بالقيام والفعل أم بالترك، فالعبد المتوكّل على الله هو العبد الذي فوّض ووكّل أموره لله تعالى، مع أخذه بعين الاعتبار الأسباب والعوامل المُوصلة إلى تحقيق الأمر الذي يريده، فإن كانت الأسباب مشروعة لا بأس فيها يقوم بها ويفعلها منقاداً خاضعاً للشرع، لا معتمداً على السبب فقط، أو منقاداً له، وفي المقابل إن كانت الأسباب المؤدية إلى تحقيق الأمر غير مشروعة فلا يجوز الأخذ بها والقيام بها، وإنما يكفي المتوكّل حينها الاعتماد والتوكل على الله تعالى فقط، وتجدر الإشارة إلى أن المتوكل على الله تعالى له منزلة عظيمة عند الله تعالى، فالمتوكلون نالوا محبته سبحانه، حيث قال تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)،[1] وتجدر الإشارة إلى أنّ الله تعالى شرع لعباده الأسباب لعلمه بضعفهم، ورحمة ولطفاً منه بهم، وبناءً على ما سبق فلا يجوز من العبد أن تكون الأسباب التي يأخذ بها من الأسباب والطرق المحرّمة والمشبوهة، فلا يُقبل من العبد التعامل من البنوك والمصارف الربوية، أو التجارة بالمحرّمات، أو التعامل مع الناس بالغش والخداع والخيانة والكذب، وممّا يؤيد ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ).[2][3]

الفرق بين التوكل والتواكل

إن التوكّل والتواكل من الأمور التي قد تتداخل ببعضها البعض، ولكنّ الفرق بينها جليّ، فالتوكل من الأمور الحسنة، بينما التواكل من الأمور السيئة المذمومة، فالتواكل في حقيقته يتمثل بالاعتماد والتوكل على الغير من المخلوقات، الذي يدلّ على العجز والضعف، إلا أنّ الواجب على العبد السعي والعمل، حيث روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: (كان أهلُ اليمنِ يَحُجُّون ولا يَتَزَوَّدون ، ويقولون : نحن المُتَوكِّلون ، فإذا قَدِموا مكةَ سألوا الناسَ ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى :وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)،[4] إلا أنّ التوكل الشرعي المطلوب من العبد يتمثل بالثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، مع الحرص على الأخذ بالأسباب كما بيّنّا،[5] وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخذ بالأسباب أمر لا بد منه مع التوكل، ولكن دون إفراط أو تفريط بالأسباب، فالله تعالى الذي خلق الأسباب وهيّأها قادر على تعطيلها، ومن الأحداث التي تبيّن أهمية التوكل على الله تعالى، وأن التوكل ينجي العبد ما حصل مع الرسول عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الهجرة إلى المدينة المنورة، حيث قال الله تعالى: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّـهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ العُليا وَاللَّـهُ عَزيزٌ حَكيمٌ)،[6] وفي المقابل فإن لم يأخذ العبد بالأسباب يُعدّ قادحاً في التشريع، كما أنّ الاعتقاد في الأسباب يُعدّ قدحاً في التوحيد.[7]

أهمية التوكل على الله

تترتب العديد من الآثار الإيجابية والثمار على توكّل العبد على الله تعالى، وفيما يأتي بيان عددٍ منها:[8]

  • ينال العبد بتوكله على الله تعالى سعة وبركة في رزقه، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنَّكم توَكَّلُونَ على اللَّهِ تعَالى حقَّ توَكُّلِه لرَزقَكم كما يرزقُ الطَّيرَ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا)،[9] وورد عن حاتم الأصم أنه قال: (ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب؛ التوكل الشيء في القلوب).
  • يُعدّ التوكل على الله تعالى من الأسباب التي تُقضى بها الديون، حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).[10]
  • يقي التوكل على الله سبحانه من الشيطان، ويحمي العبد من الوقوع في إغوائه، حيث قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطانٌ عَلَى الَّذينَ آمَنوا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ).[11]
  • يطرد التوكل التشاؤم عن العبد ويبعده عنه، فالتشاؤم في حقيقته التطيّر بالمكروه من الأقوال والأفعال والأشياء المرئية، فبعض العباد غير المتوكلين على الله تعالى يتشاءمون من رؤية شخصٍ ما.
  • يُعدّ التوكل على الله عز وجل من الأسباب التي تُدخل العبد الجنة في الحياة الآخرة، وتُبعده عن دخول النار، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يدخلُ الجنةَ من أُمَّتي سبعون ألفًا بغيرِ حسابٍ . قالوا : ومن هم يا رسولَ الله ؟ قال : هم الذين لا يكتَوون ولا يسترْقُونَ . . وعلى ربِّهم يتوكَّلون).[12]
  • ينال العبد محبة الله تعالى بتوكله عليه، وبنَيْل العبد محبة الله لا يُعذّب في نار جهنم، وينال محبة العباد ويكسب قلوبهم، كما ينال استجابة الدعاء والسؤال من الله تعالى.
  • يدلّ التوكل على الله سبحانه على الإيمان الحقيقي، فالمؤمن الصادق هو الذي يتوكّل على الله تعالى، بينما المنافق فلا يتوكّل على الله تعالى وإنما يتوكّل على نفسه وعلى المخلوقات.

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
  2. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2085، صحيح.
  3. ↑ "التوكل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2018. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1523، صحيح.
  5. ↑ "التواكل.. معناه.. وحكمه"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2018. بتصرّف.
  6. ↑ سورة التوبة، آية: 40.
  7. ↑ "التوكل على الله"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2018. بتصرّف.
  8. ↑ "التوكل على الله طريقك إلى السعادة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-12-2018. بتصرّف.
  9. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 7402، صحيح.
  10. ↑ سورة الطلاق، آية: 3.
  11. ↑ سورة النحل، آية: 99.
  12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم: 218، صحيح.