ما كفارة ترك الصلاة
أهميّة الصّلاة في الإسلام
تعدّ الصلاة في الإسلام من أوجب الواجبات والفروض، وهي الرّكن الثّاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد فرضها الله -سبحانه وتعالى- على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ؛ ذكراً كان أم أنثى، وهي الوسيلة التي تصل العبد بربّه عزّ وجلّ، وقد فُرِضت على المسلمين ليلة الإسراء والمعراج، وهي عبادة يوميّة تُؤدّى خمس مرّات في اليوم، ولا يُقبَل من مسلم تركها، ولا تسقط عن مُكلّف بأيّ حالٍ من الأحوال، إلّا المرأة في الحيض والنّفاس، ولِعظيم شأن الصّلاة جعلها الله -تعالى- سبباً في محو الذّنوب، وقد وردت نصوص شرعيّة كثيرة تؤكّد على أهميّتها، منها: قول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)،[1] وقال أيضاً: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)،[2] ورغم كلّ هذا وُجِد من يتهاون في أدائها، ويتساهل في إقامتها، والمصيبة الكبرى ترْكُ الصّلاة بالكلّية، فما حكم تارك الصلاة، وما كفارة تركها؟
كفارة ترك الصّلاة
إنّ الصلوات التي فاتت العبد مهما قلّتْ أو كثُرت تبقى في ذمّته ما لم يقضها، فإنّ ما فات المسلم من صلوات دَيْن لله -عزّ وجلّ- في ذمّة العبد، لذلك وجب عليه قضاؤها، ودليل ذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأحد أصحابه عندما سأله عمّا فات أمّه من صومٍ مفروضٍ: (أرأيتَ لو كان عليها دَيْنٌ، أكنتِ تقضينَه؟ قال: نعم، قال: فدَيْنُ اللهِ أحقُّ بالقضاءِ)،[3] وقوله أيضاً: (مَن نسِيَ صلاةً فليُصَلِّ إذا ذكَرها، لا كفارةَ لها إلّا ذلك)،[4] ويستحبّ ترتيب القضاء عند الفقهاء، وإن كان يجوز لِمن فاتته صلوات عديدة أن يصليها في أي وقت، وقد فرّق العلماء في مسألة قضاء الصلوات بين فئات من تركها، وذلك حسب حال التّارك لها، وذلك حسب ما يأتي:[5]
- التّارك للصّلاة بعذر: الذي فاتته فريضة أو أكثر من الصلوات بعذر، كأنْ ينام عنها أو ينساها من غير تعدّ أو تقصير، فإنّه يُستحبّ له أنْ يُعجّل في إبراء ذمته أمام الله تعالى، ويبادر بقضائها لبراءة الذّمة، ويُقدّم الصلاة الفائتة على الصلاة المفروضة الحاضرة، إلّا إذا خشِيَ فوات وقت الحاضرة.
- التّارك للصلاة بغير عذر: الذي فاتته صلاة مفروضة أو أكثر بغير عذر، فإنّ الواجب في حقّه المبادرة إلى قضائها على وجه السرعة، ولا يشغله عن ذلك شيء إلّا صلاة مفروضة حاضرة، أو حاجة أساسيّة لقوام حياته، ولا تُقدّم صلاة النّافلة على قضاء صلاة مفروضة حتى يفرغ منها، وتبرأ ذمته أمام الله -تعالى- من أدائها، فإنْ شقّ عليه ذلك لكثرة ما فاته من الصّلوات؛ فإنّه يمكنه أنْ يقضي مع كلّ صلاة مفروضة ما استطاع من الصّلوات؛ فيصلّي مع الظُّهْر الحاضرة ظهراً أو أكثر من الفوائت التي تركها حتى يُتمّ ما عليه.
تعريف الصّلاة وحُكْم تاركها
قبل بيان كفارة ترك الصّلاة لا بدّ من بيان المقصود بالصّلاة وحُكْم تاركها، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الصّلاة في الاصطلاح الشرعيّ: هي عبادة مفروضة لله سبحانه وتعالى، يؤدّيها العبد المكلّف بأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصةٍ مُحدَّدةٍ، تُفتَتَح بالتكبير، وتُختَتَم بالتسليم، وسُمِّيت بالصّلاة لأنّها تشتمل على الدّعاء والتَّضرع إلى الله تعالى؛ فالصّلاة في حقيقتها وأصل معناها هي اسم لكلّ دعاء.[6]
- حُكْم تارك الصّلاة: أداء الصّلاة يجب على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ، فهي فريضة عينية من فرائض الإسلام، ولا يجوز لمسلم أن يقصِّر في أدائها، أو يتكاسل في إقامتها، أو يتركها، فقد قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)،[7] وبناءً على ذلك فقد أجمع الفقهاء على أنّ مَن ترك الصّلاة جُحوداً بها، وإنكاراً لها، فهو كافر خارج من ملّة الإسلام، لذا فإنّه يُستَتاب، وإلّا قُتِل بردّته وجحوده للصّلاة، أمّا مَن تركها عمداً وتكاسلاً من غير عُذر، ولكن دون إنكار لفرضيّتها، فقد اختلف الفقهاء في شأنه؛ فمنهم من قال إنّه فاسق ومرتكب لكبيرة من الكبائر، لكنّه ليس بكافر، ومنهم من ذهب إلى أنّه كافر، وخارج من ملّة الإسلام، مُستدلّين بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ).[8][9]
التحذير من ترك الصلاة
ينبغي على المسلم أنْ يحذر أشدّ الحذر من التّساهل في أداء الصّلاة، أو التفريط فيها، وممّا يجدر بالمسلم أنْ يعلمه:[10]
- أنّ التّكاسل عن أداء الصّلاة من الصفات اللازمة للمنافقين، قال الله -عزّ وجلّ- في ذلك: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)،[11] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ولقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ، معلومُ النفاقِ)،[12] خلافاً لصفات المؤمنين الذين هم على صلاتهم يحافظون.
- أنّ الصّلاة هي أوّل ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة، جاء في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ أولَ ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملهِ صلاتهُ، فإن صلحتْ فقدْ أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدتْ فقد خابَ وخسرَ).[13]
- أنّ الله -سبحانه وتعالى- توعّد المُفرّطين بأداء الصّلاة بوادٍ في قعر جهنم اسمه غيّ، وهو وادٍ عميق، يجري بصديد وقيح أهل النّار، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).[14]
- أنّ الذي يترك الصلاة يُحشر يوم القيامة مع الذين تكبّروا على السجود والخضوع لله عزّ وجلّ؛ مثل: فرعون وقارون.
- جاء في حديث مشاهدات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة المعراج عن حال الذين يتثاقلون عن أداء الصلوات المكتوبة؛ حيث قال: (ثمَّ أتى على قَومٍ تُرضَخُ رؤوسُهم بالصَّخرِ، كلَّما رُضِخَت عادت كما كانَت، ولا يُفتَّرُ عنهُم من ذلِكَ شيءٌ، قالَ: يا جبريلُ، مَن هؤلاءِ؟ قالَ: هؤلاءِ الَّذينَ تَثاقَلت رُؤوسُهم عنِ الصَّلاةِ المَكْتوبةِ).[15]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 43.
- ↑ سورة البقرة، آية: 238.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1148، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 597، صحيح.
- ↑ لجنة الإفتاء (10-101-2012)، "هل يجوز قضاء أكثر من فرض فائت في وقت كل صلاة"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 14-3-2018. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن وهف القحطاني، منزلة الصّلاة في الإسلام، المملكة العربيّة السعوديّة: مطبعة سفير، صفحة: 7-8. بتصرّف.
- ↑ سورة الماعون، آية: 4 - 5.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 82، صحيح.
- ↑ محمد الشوبكي (6-6-2015م)، "تعريف الصلاة وفضلها وحكمها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-3-2018م. بتصرّف.
- ↑ منديل الفقهيه (16-5-2011)، "خطر التهاون بالصلاة وعقوباته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-3-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 142.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 654، صحيح.
- ↑ رواه النووي، في المجموع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4/55، إسناده صحيح بمعناه.
- ↑ سورة الماعون، آية: 4-5.
- ↑ رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1/268، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.