-

ما الهدف من خلق الإنسان

ما الهدف من خلق الإنسان
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإنسان والتكريم الرباني

تعدّدت مخلوقات الله -تعالى- في هذا الكون الفسيح، وتنوّعت آياته فيه، ومن صفات كمال الله -سبحانه- أنّه منزّهٌ عن العبثية؛ فلم يخلق المخلوقات عبثاً ولا لعباً، وحاشاه -سبحانه- أنْ يفعل، حيث يقول الله عزّ وجلّ: (وَما خَلَقنَا السَّماءَ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما لاعِبينَ)،[1] ونبّه العباد إلى انتفاء العبث في أفعاله سبحانه؛ فقال: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)،[2] وشاءتْ إرادة المولى -عزّ وجلّ- أنْ يختار الإنسان من سائر مخلوقاته ليكلّفه بمهمّة الاستخلاف في الأرض وفق مراد الله -تعالى- ومنهجه، ولأجل تمكينه من تحقيق هذه المهمّة العظيمة فقد هيأ طبيعته لتكون قادرةً على حمل هذه الأمانة، ويتساءل الكثيرون من البشر عن الهدف من خلقهم، وما مهمّتهم ودورهم في الحياة، وهذا المقال يناقش هذه المسألة من ناحيةٍ شرعيةٍ.

الهدف من خلق الإنسان

الهدف من خلق الإنسان مسألةٌ مصنّفةٌ عند أهل العلم تحت أبواب العقيدة؛ فهي تنطوي على أسسٍ عقديةٍ كثيرةٍ، ومبناها ومعقدها على معرفة الله تعالى، وفي هذا الموضوع يمكن القول:

  • إنّ معرفة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه، واستشراف أسراره وإبداعات الخالق فيه، وما احتواه من ملايين المجرّات، وما أودعه من ملايين النّجوم في كلّ مجرّةٍ، وما بينهما من عجائب تفوق قدرة الإنسان بالكشف الحسّي عنها لدليلٍ على أنّ خلق الإنسان وراءه غايةٌ عظيمةٌ وهدفٌ سامٍ، تتلخّص في العبادة عن طريق معرفة الله، وأنّ سعادة الإنسان أثرٌ حتميٌّ لمعرفة الله وعبادته؛ فكلما زادت معرفة العبد بربّه زادت راحة قلبه، وطمأنينة نفسه، وأقبل على الحياة بروح التفاؤل ومشاعر الإيجابية.[3]
  • رفع الله -تعالى- منزلة عباده عن حدود الأكل والشرب والتّناسل، وسائر الحاجات الغريزية كما الأنعام والبهائم، بل كرّمه وأعلى شأنه، وفضّله على كثير من خلق تفضيلاً، وقد عاب القرآن الكريم على أولئك الذين أسقطوا أنفسهم إلى مستوى البهيمية، فصار همّهم الأكبر إشباع رغباتهم وشهواتهم؛ فقال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)،[4] ولا يختلف العقلاء على أنّ الصانع لشيءٍ هو أدرى من غيره بغاياته وأهدافه ومقاصده، ومع فارق التّشبيه فإنّ المولى -سبحانه- وهو خالق البشر هو الأعلم والأحكم في خلقه للبشر.[5][6]
  • من أهم المقاصد التي لأجلها خلق الله الحياة أنْ جعلها محلّاً للامتحان والابتلاء، وميداناً للعمل الذي يترتّب عليه الحساب يوم القيامة، قال الله سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)،[7] ومن خلال اختبار الحياة الدنيا تظهر آثار معرفة الإنسان بربّه، وتنكشف درجة إيمانه بأسماء الله وصفاته، واليقين بدلالاتها العظيمة، وأهمّها أنّه -تعالى- غنيٌ عن عباده، وغير محتاجٍ لهم، خلافاً للبشر الذين لا غنى لهم عن الله خالقهم، ويعدّ أهم اختبار للإنسان في الدّنيا هو الامتثال لأمر الله -تعالى- في مسألة التوحيد والعبادة، حيث يقول المولى سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[8] وأقوال المفسرين في هذه الآية تندرج كلّها تحت أمورٍ لا تتعدّى معرفة الله وتوحيده وعبادته سبحانه.[5]
  • جعل الله -تعالى- الحكمة من خلق جميع البشر واحدةً، وجعلها كذلك متعلّقةً بالدنيا والآخرة، ففي الدنيا استخلفه الله، وجعل غاية الاستخلاف الابتلاء، وموضوع الاستخلاف معرفة الله وعبادته، وجعل العبادة هي العمل وفق منهج الله -سبحانه- الذي أرسل به الرّسل والرّسالات، ومن مقتضيات العبادة أنْ يعلم الإنسان أنّه مملوكٌ لله ربّه، وأنّه صائرٌ إليه؛ فهو ربّ العالمين إليه المرجع والمآب، ومحاسب على ما أُمر به؛ فهو مالك يوم الدين، والعبادة بمفهومها العام كما بيّنها أهل العلم هي: اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يُرضي الله تعالى، ولذا فإنّ مهمّة الاستخلاف في الأرض داخلة في معنى العبادة، التي هي غاية الوجود الإنساني.[9]

مظاهر التكريم الإلهي للإنسان

لقد تجّلت مظاهر تكريم الله لإنسان في وجوهٍ عدّةٍ، لعلّ من أهمّها ما تعاضد أهل العلم على ذكره والإشارة إليه، حيث:[10]

  • أكرم الله الإنسان بالخلق والإيجاد من العدم، وجعل إخراجه من العدم إخراج تشريفٍ وتكريمٍ، حيث كلّفه بمهمّة عمارة الأرض، واتّضح هذا التّكريم الإلهي من خلال أمر الله للملائكة بالسّجود له، وفي هذا يقول الله -سبحانه- حكايةً عن حال الشيطان يوم أنْ رفض السّجود مع الساجدين: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).[11]
  • سخّر الله للإنسان ما في الأرض، وطوّع له المراكب، ويسّر له أمر المأكل والمشرب، وسائر الطّيبات والمستلذّات، وفي هذا يقول المولى سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).[12] وجعله سيد المخلوقات بما أودع فيه من الخصائص وبما حباه من المزايا، حتى أصبح مهيّأً لاستقبال خطاب التّكليف.
  • خلقه على الفطرة السليمة، وهي الإحساس الرّوحي المركّب في تكوينه، والذي من شأنه أنْ يقوده إلى توحيد الله وعبادته، وفي سبيل الحرص على ثبات هذه الفطرة من الزلل أو الضلال، فقد أيّد الله البشرية بالرّسل والأنبياء، وأنزل معهم الكتب الإلهية ليبيّنوا للنّاس طرائق العبادة، وسبل النّجاة.
  • أكرم الله -سبحانه- الإنسان بالعقل، وجعله مناط التكليف، فلا تكليف ولا مساءلة لمن فقد عقله، ومن تمام عدله سبحانه أنّه إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب، والعقل منشا التّفكير والتّدبر، وأساس الفهم والإدراك، ومعقد استنتاج الدلالات واستشراف المقاصد والغايات، وأصلٌ في الاجتهاد والتّجديد، وقد أكّد المولى -سبحانه- على ربط الحالة الإيمانية بالتّفكير والتّدبر؛ فقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)،[13] وبناءً على ذلك كلّه؛ فقد اعتبر الشرع الحكيم عقل الفرد المكلّف هو أداة الفهم للأحكام الشرعية، وسبيل الامتثال لها، وهو مطالب شرعاً ببذل أكبر ما يمكنه من حدود الاستيعاب والتفكّر في الكون والنفس والشرع، وصولاً إلى تقوية إيمانه، وسلامة عبادته، وتهذيب أخلاقه وسلوكه.[14]

المراجع

  1. ↑ سورة الأنبياء، آية: 16.
  2. ↑ سورة المؤمنون، آية: 115.
  3. ↑ محمد راتب النابلسي (9-11-1986)، "لماذا خلق الله الإنسان؟ وما هي مهمته الرئيسية؟"، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  4. ↑ سورة محمد، آية: 12.
  5. ^ أ ب محمد المنجد (4-9-2005)، "الحكمة مِن خَلْق البشر"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  6. ↑ سمير مثنى (16-5-2015)، "استحالة خلق الإنسان عبثا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الملك، آية: 2.
  8. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  9. ↑ سمير مثنى (30-5-2015)، "الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018.
  10. ↑ حسن فاضلي (4-6-2012)، "التكريم الإلهي للإنسان من الخَلق إلى الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  11. ↑ سورة الإسراء، آية: 62.
  12. ↑ سورة الإسراء، آية: 70.
  13. ↑ سورة محمد، آية: 24.
  14. ↑ سمير مثنى (11-7-2015)، "تكريم الله للإنسان بالعقل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.