-

ما هو القتل تعزيرا

ما هو القتل تعزيرا
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العقوبات في الإسلام

إنّ للمجتمع في الإسلام أهميةً بالغةً، وقد اهتمّ به الدين الإسلاميّ اهتماماً عظيماً؛ فقد أحاطه بسياجٍ من الضوابط التي تكفل استقراره وتحفظ أمنه، وكان من هذه الضوابط أن جعل نظاماً من العقوبات التي تقوم على حماية مصالح الجماعة، وحماية المصالح الضرورية؛ من حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعِرض، والمال، وكان من هذه العقوبات ما هو ثابتٌ ومقدّرٌ في الشرع، لا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان؛ كالحدود، والقصاص، والديّات، وكان منه ما لم يقدّره الشرع، وترك الأمر فيه للقاضي، فهو مَرِن؛ يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والظروف والأحوال.

معنى التعزير

التعزير لفظٌ كغيره من الألفاظ في اللغة العربية، له معنيان؛ واحدٌ في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:

  • التعزير في اللغة اسمٌ، يُقال: عزّر يعزّر تعزيراً، فهو مُعزِّر، ويُقال: عزّر وَلَده؛ أي أدّبه ولامه، وعزّر الخائن؛ أي لامه، أو ضربه أشدّ الضرب، وعزّره من كلّ مكروهٍ؛ أي منعه، وصرفه، وردّه، وعزّر القاضي المذنب؛ أي عاقبه بما دون الحدّ الشرعيّ، ولامه، وأدّبه.[1]
  • التعزير في الاصطلاح: هو التأديب على الذنوب التي لم يشرع فيها الله -تعالى- الحدود.[2]
  • القتل تعزيراً: وصول العقوبة التعزيرية إلى حد القتل في الجرائم العظيمة، حيث يكون فيها تحقيق للمصلحة العامّة للدولة وللمجتمع الإسلاميّ.[2]

وصول التعزير إلى درجة القتل

الأصل في العقوبة التعزيرية ألاّ تصل إلى حدّ القتل، حيث قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)،[3]، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَحِلُّ دمُ امرىءٍ مسلِمٍ يشهَدُ أن لا إلَه إلّا اللَّهُ، وأنِّي رسولُ اللَّهِ، إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني، والنَّفسِ بالنَّفسِ، والتَّارِكِ لدينِه المفارقِ للجماعةِ)،[4] فالمقصد من العقوبة التعزيرية هو التأديب، بيد أنّ الفقهاء بعد نظرهم في الأدلّة الصريحة من القرآن الكريم، والسنة النبوية أجازوا للعقوبة التعزيرية أن تصل إلى حدّ القتل في جرائمٍ معينةٍ، وبشروطٍ مخصوصةٍ؛ وذلك للخطر الذي تُورثه هذه الجرائم، وتحقيقاً للمصلحة العامّة للدولة والمجتمع المسلم، والجرائم هي:[2]

  • قتل الجاسوس المسلم إذا تجسّس على المسلمين؛ حيث ذهب إلى هذا القول كلاً من الإمام مالك وبعض أصحاب الإمام أحمد، وقام بمنعه أبو حنيفة، والإمام الشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقّف فيه الإمام أحمد.
  • قتل الداعية إلى البِدع المخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية، كالجهمية، وإلى هذا القول ذهب كلاً من أصحاب الإمام مالك، وطائفةٌ من أصحاب الإمام أحمد.
  • المتكرّر من الجرائم إن كان جنسها يُوجب القتل؛ وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة، ويُقتل كذلك من تكرّر منه اللواط، أو تكرّر منه القتل بالمثقل.
  • المُفسد الذي لم ينقطع شرّه إلّا بقتله، وإلى هذا القول ذهب الإمام ابن تيمية رحمه الله، واستدلّ بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من أتاكم، وأمركُم جميعٌ، على رجلٍ واحدٍ، يريدُ أن يشقُّ عصاكُم، أو يفرقَ جماعتكُم، فاقتلوهُ).[5]

دور التعزير في الحدّ من الجرائم

إنّ لعقوبة التعزير دوراً هاماً وفعّالاً في الحدّ من انتشار الجريمة، ومنع وقوعها، والمحافظة على استقرار المجتمع وأمنه؛ فعندما يعلم العبد بأنّه سُيعاقب على كلّ ما يصدر عنه؛ من تعدٍّ على أجسام الناس، وأموالهم، وأعراضهم، وأنّه محاسبٌ على كلّ تقصيرٍ في حقّ الله تعالى، وأنّه مسؤولٌ عن كلّ ما يصدر عنه، وعن كلّ ما يرتكبه من معاصي ومحرّماتٍ، وعن كلّ اعتداءٍ يقوم به على الآخرين؛ من لطمٍ، أو صفعٍ، أو شتمٍ، فإنهّ يبتعد عن إيذاء الناس، والتعدّي عليهم وعلى أموالهم، وأعراضهم، وإذا علم أنّ الدين الإسلاميّ يعاقب على أفعاله الذميمة مهما كانت صغيرةً، وأنّه سُيعاقب عليها سواءً في الدنيا أو الآخرة؛ فإنّه يضبط نفسه، ويحاسبها، ويمنعها من التعدي؛ ليفوز برضا الله تعالى.[6]

أنواع العقوبات التعزيرية

تختلف العقوبة التعزيرية وتتنوّع؛ تِبَعاً لاختلاف الناس، واختلاف المعصية التي تُرتكب، واختلاف الزمان، واختلاف المكان، ومن أنواع العقوبات التعزيرية:[7]

  • عقوباتٌ تعزيريةٌ تتعلّق بتقييد إرادة الجاني؛ كالحبس، أو النفي.
  • عقوباتٌ تعزيريةٌ تتعلّق بالأموال؛ كالإتلاف، أو الغرامة، أو منع التصرّف.
  • عقوباتٌ تعزيريةٌ تتعلّق بالأبدان والأموال؛ كجلد السارق من غير حرزٍ مع إضعاف الغُرْم عليه.
  • عقوباتٌ تعزيريةٌ تتعلّق بالأبدان؛ كالقيد، أو الجلد، أو القتل.
  • عقوباتٌ تعزيريةٌ تتعلّق بالجاه؛ كالتوبيخ، أو التشهير، أو العزل عن المنصب.

الحِكمة من مشروعية العقوبات التعزيرية

الجرائم التعزيرية كثيرةٌ ومتنوعةٌ، وجديدةٌ ومتطورةٌ؛ بحسب الزمان والمكان، وبالتالي تحتاج إلى اجتهادٍ من القاضي، وسعةً في أفقه عند اختيار العقوبة المناسبة للجريمة، فقد يُوقع القاضي عقوباتً تعزيريةً متنوعةً بحسب حال المخالفين؛ آخذاً بعين الاعتبار الحكمة التي شُرعت من أجلها العقوبات التعزيرية، وفيما يأتي بيان الحكمة من مشروعية التعزير:[8]

  • حماية مصالح الناس، وضرورات حياتهم؛ فالشريعة الإسلامية لها منهجها الخاصّ في نظام العقوبات؛ فعمدت إلى بيان العقوبة ومقدارها بشكلٍّ محدّدٍ؛ كالحدود، والقصاص، وترك باقي العقوبات من غير تحديدٍ؛ تاركاً الأمر في نوعها وكيفيتها إلى الحكّام لمعاقبة المجرمين، بما فيه صلاح لأحوالهم، وحفظ حقوق الناس، وردع للآخرين عن ارتكاب الجريمة.
  • ردع المجرمين عن ارتكاب الجرائم، ومنع وقوع الجريمة قبل حدوثها، بل والسعي إلى اجتثاثها من أصولها من المجتمع، لذلك فإنّ إيقاع العقاب على الجاني يمنعه من معاودة ارتكابها، ويردع غيره عن فعلها.
  • إصلاح الجاني، وتأديبه، وتقويم اعوجاجه؛ فالمقصود من العقوبة التعزيرية هو تأديب الجاني وليس تعذيبه، أو إهدار آدميته، أو إتلاف عضوٍ من أعضائه.

المراجع

  1. ↑ "تعريف ومعنى التعزير"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "معنى التعزير"، www.islamqa.info، 21-9-2009، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.
  3. ↑ سورة الإسراء، آية: 33.
  4. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1402، صحيح.
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عرجفة بن أسعد، الصفحة أو الرقم: 1852، صحيح.
  6. ↑ د. فلاح الدلو، دور التعزير في الحد من الجرائم في المجتمع الإسلامي، صفحة 30-31. بتصرّف.
  7. ↑ "أنواع العقوبات التعزيرية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-7-2018. بتصرّف.
  8. ↑ د. فلاح الدلو، دور التعازير في الحد من الجرائم في المجتمع الاسلامي، صفحة 11-14. بتصرّف.